انخفضت قيمة العملات الأجنبية مقابل الدينار الجزائري في السوق السوداء هذا الأسبوع، وفق ما أكده عاملون في هذا المجال لـ"الترا جزائر"، في صورة متكررة تميز هذا النشاط الذي يبقى من الصعب التحكم في ضوابطه والتنبؤ بأسعاره، جراء غياب مراكز صرف للعملة في الجزائر مثل باقي الدول تنظم تداول العملات، وذلك بالرغم من مرور أكثر من نصف عام على صدور القانون المحدد لكيفية نشاط هذه المراكز، ومضي سنة على صدور القانون النقدي والمصرفي.
غياب مكاتب الصرف بالجزائر أصبح غير مقبولا حتى وإن كان بسبب عوامل قد تكون مبررة أحيانًا
ورغم أن استمرار السوق الموازية لصرف العملات يؤثر مباشرة على تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة لتطوير عدة قطاعات كالسياحة والدفع الالكتروني والبورصة ومحاربة تبيض الأموال، إلا أن غياب هذه المراكز بالجزائر أصبح غير مقبولا حتى وإن كان بسبب عوامل قد تكون مبررة أحيانا.
تأخر
في 23 حزيران /جوان من العام الماضي الماضي، أفرجت الحكومة عن قانون النقد والصرف الجديد الذي طال انتظاره، وكان سببا في تأخر الجزائر في عديد الخدمات المالية والبنكية، منها وجود مراكز صرف العملات التي تشجع على التداول المالي، وتعد ضرورية لتطوير عدة قطاعات.
واستبشر المتابعون لهذا التشريع المالي خيرا، وبالخصوص بعد صدور القانون المحدد لنشاط مكاتب الصرف في الجريدة الرسمية بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلا أن كل هذه الآمال لم تتحول حتى اليوم إلى واقع بسبب التماطل المسجل في هذا المجال.
ولاحظ النائب البرلماني عبد الرحمان صالحي الذي وجه مؤخرا سؤالا لوزير المالية بشأن هذا الموضوع في حديثه مع " الترا جزائر" وجود "تأخر واضح في مباشرة فتح هذه المكاتب رغم توصيات رئيس الجمهورية لفتح هذه المراكز"
وأضاف أنه على "الوزارة الرفع من وتيرة العمل بخصوص هذا الأمر الجد مهم بالنسبة للجزائر ما سيساهم في تحسين نوعية الخدمات المالية والمصرفية حيث يشهد تأخرا واضحا خاصة ما تعلق بتوفير العملية الصعبة ضمن أطر قانونية".
وبين صالحي أن "الإشكال الملاحظ أنه بعد مناقشة القوانين بالمجلس الشعبي الوطني يتم تسجيل عدة تدخلات وملاحظات للنواب، لكن تتم إحالة عدة نصوص ومواد قانونية إلى التنظيم، وهو ما من شأنه أن يؤخر تطبيقها، وهو ما تم تسجيله من خلال قانون النقد والصرف".
غير محدد
لم يحمل رد وزير المالية على السؤال البرلمانية تحديد تاريخ معين لفتح مكاتب الصرف في الجزائر بعد أن توفرت الشروط القانونية الأساسية لإطلاق هذا النشاط في الجزائر.
وأوضح وزير المالية لعزيز فايد في رده المكتوب أنه "تمت دراسة مشروع نظام بنك الجزائر المتعلق بنظام الصرف والمصادقة عليه من قبل المجلس النقدي والمصرفي خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 21 سبتمبر 2023، حيث يهدف اعتماد هذا المشروع في مرحلته الأولى، إلى تهيئة الظروف الكفيلة بتشجيع نشر شبكة وطنية من مكاتب الصرف لتسهيل عمليات صرف العملات الأجنبية على نطاق واسع".
وبيّن فايد أن" هذا المشروع يحدد ترخيص تأسيس واعتماد نشاط مكاتب الصرف والذي يشمل عدة عمليات، على وجه الخصوص تلك المتعلقة بحق الصرف أو منحة الصرف لصالح المقيمين من أجل السفر إلى الخارج، وتكاليف الدراسة والتربصات، وما إلى ذلك ويندرج هذا المشروع في إطار تنفيذ أحكام القانون رقم 23-09 المؤرخ في 21 جوان 2023 المتضمن القانون النقدي والمصرفي الذي يهدف إلى إرساء إطار منظم ومتناسق لتسهيل عمليات الصرف بصفة تدريجية".
وتابع " ستحدد شروط تطبيق هذا النظام بموجب تعليمة من بنك الجزائر، وعلى هذا الأساس سيتم فحص الملفات المدرجة لفتح مكاتب الصرف من قبل بنك الجزائر الذي سيصدر تراخيص لممارسة هذا النشاط".
غير مقنع
لم تحمل إجابة وزير المالية كغيره من المسؤولين السابقين تبريرات مقنعة تبعث على التفاؤل لدى الجزائريين الذين يظلون مضطرين لدفع تكاليف إضافية عند شراء العملات الأجنبية للسفر أو الدراسة أو العلاج أو التجارة وغيرها من النشاطات.
وقال النائب البرلماني عبد الرحمان صالحي لـ"الترا جزائر" إنه " من الممكن القول إن رد وزير المالية غير مقنع، خاصة في ظل تعليمات الرئيس تبون لتحسين قطاع المالية. قطاع المصارف في الجزائر ما يزال يشهد تأخرا ملحوظا مقارنة ببعض الدول الشقيقة والصديقة ، والمطلوب هو مضاعفة الجهود من طرف وزارة المالية وكافة مصالحها إضافة إلى البنك المركزي من خلال تسريع كافة الإجراءات خاصة مع التوجه الكلي نحو رقمنة مختلف القطاعات في البلاد".
النائب البرلماني عبد الرحمان صالحي لـ"الترا جزائر": قطاع المصارف في الجزائر ما يزال يشهد تأخرا ملحوظا مقارنة ببعض الدول الشقيقة والصديقة ، والمطلوب هو مضاعفة الجهود من طرف وزارة المالية
وأوضح صالحي أن غياب مراكز الصرف تؤثر على أهداف الحكومة المتعلقة بقطاع المالية، حيث "لا يمكن تحقيق الشمولية النقدية في ظل عدم وجود نظام مصرفي مرقمن أولا ومتطورا ثانيا، فالنظام النقدي الشامل يتطلب وجود بنية مالية نقدية قوية ووجود شبكة قوية عالية التدفق للانترنت لأنه يتطلب تحولا كليا للتعامل الرقمي النقدي".
وتابع أن "توفير مكاتب الصرف وتطوير القطاع المالي المصرفي والنقدي من شأنه أيضا القضاء على التخزين التقليدي للأموال، وبالتالي من شأنه إعطاء حركية وحيوية لقطاع المالية في بلادنا، كما أنه سيساهم في تقوية التعاملات النقدية الرسمية".
وترأس وزير المالية لعزيز فايد يوم الخميس 20 حزيران جوان الجاري، بمقر وزارة المالية، اجتماعا تنسيقيا جمعه مع المديرين العامين و المركزيين بالوزارة لاستعراض عدة محاور إستراتيجية تهدف إلى تعزيز كفاءة وعصرنة إدارة المالية، حيث أكد على دعم عصرنة الاقتصاد الوطني وتشجيع الشمول المالي.
ويعرف الشمول المالي على أنه إمكانية وصول الأفراد والمؤسسات إلى منتجات وخدمات مالية بشكل سهل وبأسعار معقولة، بشكل يلبي احتياجاتهم خاصة التعاملات والمدفوعات ومنتجات الادخار والقروض وخدمات التأمين وغيرها، وبشكل مستدام، وهو الأمر الذي يبقى منقوصا في ظل غياب مراكز الصرف.
كبح
بالنسبة للبرلماني عبد الرحمان صالحي، لا يتعلق فتح مكاتب صرف في الجزائر بضمان حق المواطن في صرف امواله وتداولها بكل الأشكال التي يضمنها له القانون فقط، إنما الأمر يتعداه إلى تأثير غياب هذه المكاتب على تطوير وإنعاش قطاعات اقتصادية أخرى والحد من عمليات الاحتيال والنصب المالية التي تنظر فيها الأجهزة القضائية والأمنية بشكل دائم.
وأوضح صالحي "للأسف من بين معيقات تطور السياحة في الجزائر هو عدم توفر مكاتب الصرف، حتى المواطن الجزائري يجد صعوبات عندما يسافر خارج الوطن ما يضطره في الكثير من المناسبات اللجوء إلى الطرق التقليدية وهي حمل مبلغه المالي نقدا، سواء كان عملة وطنية أو صعبة، وهو ما يجعله أمام تحديات أخرى خاصة مع مصالح الجمارك".
وتهدف الحكومة إلى استقبال 12 مليون سائح في 2030، وهو ما يتطلب وجود هذه الخدمات المالية باعتبارها عنصرا أساسيا في تطوير هذا القطاع الذي تراهن عليه الحكومة لزيادة عائداتها المالية خارج قطاع المحروقات.
ويعتبر صالحي أن "غياب مكاتب الصرف وعدم تواجدها في أية دولة تسعى لتحسين وتطوير قطاع السياحة تظل نقطة سوداء، كونها تعد من بين مقومات نجاح السياحة الخارجية التي تجلب العملة الصعبة، وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني".
ويرى صالحي أن "تصريحات بعض الوزراء حول تسجيل نسب مقبولة من حيث قدوم السياح الأجانب للبلاد تظل مرهونة بتحسين نوعية الخدمات المصرفية، رغم أن تجربة السياح الأجانب مؤخرا وسهر السلطات العليا على تنظيم رحلات سياحية منتظمة تعتبر تجربة حسنة (السياح الذين قدموا من فرنسا إلى ولاية جانت) تشجع على فتح مكاتب صرف، خاصة وأن السلطات نجحت سابقا في توفير مختلف العملات الصعبة لزوارها أيام تنظيم الجزائر لألعاب البحر الأبيض المتوسط".
ويعتقد صالحي أن إنشاء مكاتب الصرف من شأنه تحسين الوضعية الاقتصادية خاصة ما تعلق بوقف نزيف تهريب العملة الصعبة.
وأودع قاضي التحقيق لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، بسيدي أمحمد، الأحد الماضي، 5 أشخاص الحبس المؤقت، في حين وضع 3 آخرين تحت إجراءات الرقابة القضائية، عن وقائع تبييض الأموال والعائدات الإجرامية في إطار جماعة إجرامية ومخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، لصالح رجل أعمال معروف فار من العدالة وصدرت في حقه أوامر بالقبض الدولية لتورطه في عدة قضايا فساد، وفق ما أفادت به صحيفة الشروق اليومي هذا الأسبوع.
وأضاف أنه "لا يمكن القضاء على السوق الموازية إلا بإنشاء مكاتب الصرف وهذا باعتراف الحكومة، وبالتالي هي مطالبة بتسريع الإجراءات الرامية بفتح هذه مكاتب الصرف والقضاء على السوق السوداء للعملة، لأن هذه الإجراءات ستساهم في تحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطن من جهة ووقف نزيف العملة الصعبة وتهريبها من جهة أخرى".