أعلن بنك الجزائر مصادقته على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف في الجزائر، في خطوة من شأنها تنظيم صرف العملات في البلاد وفق أُطر قانونية، والقضاء على السوق الموازية، التي ما تزال إلى اليوم المتحكمة الرئيسة في قيمة تداول العملات، رغم وعود الحكومة في عديد المرات بالقضاء عليها، لكن دون تحقيق نتيجة ميدانية ملموسة.
أستاذ الاقتصاد سليمان ناصر لـ "الترا جزائر": فتح مكاتب الصرف خدمة طالب بها الجزائريون عديد المرات، بالنظر إلى أن منحة السفر التي يمنحها البنك حاليًا لا تصل حتى 100 أورو
وأفشل غياب مكاتب الصرف في الجزائر كل برامج الحكومة المتعلقة بتشجيع السياحة والتصدير وتطوير النظام البنكي، لأنّ القيمة المرتفعة التي يتم تداول العملات بها في السوق الموازية جعلت كلّ الأموال تُصرف خارج الأطر القانونية، خاصة في ظل العوائق الموجودة بالبنوك بشأن المبلغ المسموح صرفه عند السفر.
تدريجيًا..
أفاد بنك الجزائر في بيان له، السبت، أن "المجلس النقدي والبنكي قد صادق خلال دورته العادية التي جرت يوم 21 أيلول/سبتمبر الجاري، برئاسة صلاح الدين طالب محافظ بنك الجزائر، على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف في الجزائر".
وأضاف بنك الجزائر أن المصادقة على هذا النص تندرج في إطار "مسعى تدريجي يهدف في مرحلة أولى إلى توفير الظروف المناسبة التي من شانها تعزيز إنشاء شبكة وطنية واسعة من مكاتب الصرف من اجل تسهيل عمليات الصرف لفائدة لجمهور الواسع".
وفي الصدد أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، الدكتور سليمان ناصر، لـ"الترا جزائر" أنّ "النظام المتعلق بمكاتب الصرف في الجزائر كان موجودًا، ويعود لفترة التسعينات، لكن معظم بنوده قد تجاوزها الزمن ولا تتلاءم مع التطورات التي حدثت في هذا المجال."
وبيّن بنك الجزائر أن هذه المرحلة الجوهرية لإنشاء "شبكة منظمة ومضبوطة" لمؤسسات توفر خدمات الصرف المؤمن، ستتبع بمراجعة للقواعد المنظمة لعمليات الصرف هذه، تماشيًا مع التطور الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، مشيرًا إلى أن هذا النظام "يعدُّ الأوّل من بين سلسلة من النصوص التطبيقية للقانون النقدي والبنكي رقم 23-09 المؤرخ في 21 حزيران/جوان 2023 وسيتبع بتنظيمات أخرى التي ستصدر تباعًا".
وأشار الدكتور سليمان ناصر هنا إلى أن "القانون النقدي والبنكي الذي كان يعرف سابقًا بقانون القرض والنقد سمح بإصدار هذا النظام الذي سيسهل في حال تطبيقه عملية إنشاء مراكز صرف العملات."
مطلب شعبي
وجاء في بيان بنك الجزائر أن مجال نشاط مكاتب الصرف في الجزائر "سيشمل عديد العمليات، سيما منها تلك الخاصة بالحق أو منحة الصرف لفائدة المقيمين من أجل الأسفار السياحية أو المهنية بالخارج، وتكاليف إجراء الدراسات والتربصات... إلخ"، ما يعني أن مكاتب الصرف ستكون موجهة لجميع المواطنين، مثلما هو موجود ومعمول به في جميع الدول.
وذكّر أستاذ الاقتصاد سليمان ناصر في حديثه مع "الترا جزائر" أن "فتح مكاتب الصرف في الجزائر خدمة طالب بها الجزائريون في عديد المرات، بالنظر إلى أن منحة السفر التي يمنحها البنك حاليًا لا تصل حتى 100 أورو، ما يجعل المواطنين يضطرون إلى شراء أو بيع العملات من السوق السوداء التي تباع فيه العملات بأسعار مرتفعة جدا مقارنة بسعرها البنكي."
وعلى سبيل المثال، يبلغ سعر الدولار الأمريكي الواحد في التعاملات الرسمية 137.03 دينارًا، فيما تتجاوز قيمته في السوق الموازية 200 دينارًا، والأمر ذاته بالنسبة للأورو الذي تتراوح قيمته في بنك الجزائر عند 146 دينارًا، لكن تتجاوز 220 دينارًا في السوق السوداء.
الرئيس تبون كشف سابقًا بأنّ قيمة الأموال المتداولة في السوق الموازية بالجزائر تعادل 90 مليار دولار
وبيّن سليمان ناصر أن هذه "الخطوة ستمكن من توحيد الأسعار المتداولة في هذه مكاتب الصرف مع أسعارها في البنوك وحتى تلك المتداولة في السوق الموازية، لأن التداول سيخضع لقانون العرض والطلب."
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة أن "تطبيق فتح مكاتب الصرف سيمكن من القضاء على السوق الموازية للعملات، ويقلص الكتلة النقدية المتداولة في هذه السوق غير النظامية ككل."
وكان الرئيس تبون قد قال في أيلول/سبتمبر2021 إن قيمة الأموال المتداولة في السوق الموازية بالجزائر تعادل 90 مليار دولار، وهي تشمل إضافة إلى التجارة الموازية للسلع، السوق غير الرسمية للعملة.
تسهيل
وأفاد الأستاذ سليمان ناصر بأن "هذه الخطوة من شأنها أيضًا رفع قيمة التحويلات البنكية للجالية الجزائرية في المهجر إلى بلادها، والتي تظل ضئيلة مقارنة بحجم الجزائريين المقيمين في الخارج، وكذا مقارنة بالتحويلات البنكية نحو دول عربية كمصر وتونس والمغرب."
وحسب تقرير للبنك الدولي حول الهجرة والتنمية خصص لتدفقات تحويلات المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، فقد بلغت تحويلات المهاجرين الجزائريين العام الماضي 1.8 مليار دولار، مقابل 1.7 مليار دولار سنة 2021.
وكان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان قد أعاب في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 في ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية على الحكومة فشلها في الاستفادة من مهاجريها.
وأشار بن عبد الرحمان إلى أن قيمة التحويلات للمهاجرين الجزائريين إلى بلادهم لم تزد عن 1.9 مليار دولار عام 2019، والذي انخفض إلى 1.7 مليار دولار في 2021، حيث بين أن هذا الرقم لا يترجم بتاتًا إمكانات الجالية الجزائرية في الخارج، بالنظر إلى حجمها التعدادي ووزنها الاقتصادي، كون أن هذا الرقم لا يمثل سوى 0.31 % من مجموع تحويلات المغتربين في العالم لسنة 2019، الذي قدر بـ 548 مليار دولار.
ولفت بن عبد الرحمان وقتها إلى أن تحويلات المغتربين عالميًا فاقت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر التي بلغت 534 مليار دولار، كما تعدت أيضًا حجم المساعدة العمومية للتنمية المقدرة بـ 166 مليار دولار.
وإذا كانت الحكومة ستساعد المصدرين في تحصيل أموالهم بسهولة من خلال فتح بنوك فرعية في الخارج، مثلما تم الأسبوع الماضي بموريتانيا والسنغال، فإن فتح مكاتب الصرف في الجزائر سيساعد في تحويل الأموال إلى البلاد، وهو ما يساهم في تحسين صورة المنظومة المالية والبنكية الجزائرية التي ما تزال تحتاج إلى جهد كبير يُرجى أن تحمله النصوص التطبيقية المرتقبة المنبثقة عن القانون النقدي والبنكي الجديد.