16-نوفمبر-2021

عودة المغتربين بميناء العاصمة (تصوير: بلال بن سالم/ Getty)

 

لطالما رافعت الحكومات الجزائرية المتعاقبة لصالح التكفل بالمهاجرين الجزائريين بالخارج والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، وكذا رافع مستوى مساهمتهم في الاقتصاد الوطني، إلا أن تحقيق هذه الأهداف بقي على الدوام حبرًا على ورق، وهو ما جعل  قيمة تحويلاتهم المالية إلى بلدهم لا تزيد عن 1.7 مليار دولار في السنة، وهو رقم هزيل لا يعكس حجم الجالية الجزائرية بالخارج.

من بين الجوانب التي تحتاج إلى إعادة نظر في البنوك الجزائرية هو صعوبة إعادة تحويل الأموال نحو الخارج بعد إدخالها، وهو ما يعد سببًا في ضعف التحويلات المالية للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم

ومع استمرار هذا الوضع لسنوات، وعدم تمكين الجالية الجزائرية بالخارج  من المساهمة في خدمة بلدها، بالرغم من إمكانية تقديمها للكثير، وهو ما كشفته أزمة جائحة كورونا، يظل التساؤل مستمرًا عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ضعف التحويلات المالية للمهاجرين الجزائريين لبلادهم، وكذا حول ما يمكن للحكومة الحالية أن تقوم به لتصحيح أخطاء أسلافها وبدء عصر جديد في النظر لأفراد الجالية؟.

اقرأ/ي أيضًا: "العيد الكبير".. فرحة غير مكتملة في ديار الغربة

اعتراف السلطة

في ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية التي احتضنتها العاصمة الجزائر قبل أسبوع، لم يجد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان حرجًا في الاعتراف بإخفاق السلطة في مهمة الاستفادة من مهاجريها.

 ولأن الوزير الأول يشغل أيضا منصب وزير المالية، كانت لغته أيضًا مالية، حيث أشار إلى أن قيمة التحويلات للمهاجرين الجزائريين إلى بلادهم لم تزد عن 1.9 مليار دولار عام 2019 ، وفق تقرير البنك العالمي الذي تثق السلطات  الجزائرية عادة في أرقامه وتقاريره، فقد أشاد الرئيس تبون في آخر مقابلة تلفزيونة له بما يصدر عن هذه المؤسسة الدولية بحق الجزائر.

ويرى الوزير الأول أن مبلغ 1.7 مليار دولار لا يترجم بتاتًا إمكانات الجالية الجزائرية في الخارج، بالنظر إلى حجمها التعدادي ووزنها الاقتصادي، كون أن هذا الرقم لا يمثل سوى 0.31 % من مجموع تحويلات المغتربين في العالم لسنة 2019، الذي قدر بـ 548 مليار دولار.

ولفت بن عبد الرحمان إلى أن تحويلات المغتربين عالميًا فاقت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر التي بلغت 534 مليار دولار، كما تعدت أيضًا حجم المساعدة العمومية للتنمية المقدرة بـ 166 مليار دولار.

وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن تحويلات المهاجرين إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد بلغت 44 مليار دولار أمريكي عام 2019.

وعلى المستوى الإقليمي، تتصدر مصر المنطقة العربية بـ26 مليار دولار، والذي ارتفع إلى 30 مليار دولار في 2020، ومغاربيًا تأتي المغرب أولا بـ8 ملايير دولار حسب آخر إحصاءات  البنك المركزي المغربي، وبعدها تونس التي بلغت تحويلات جاليتها مليار دولار وفق إحصاءات للبنك الدولي نشرت في 2019.

وتؤكد قيمة تحويلات جالية الدول المجاورة أن استفادة الجزائر من مواطنيها في الخارج ضعيف جدًا، بالنظر إلى حجم هذه الجالية التي يتعدى عددها في فرنسا لوحدها 5 ملايين جزائري وفق إحصاءات غير رسمية.

بنوك جزائرية في الخارج

يرجع النائب عن الجالية بالمجلس الشعبي الوطني فارس رحماني في حديثه مع "الترا جزائر"، ضعف التحويلات المالية للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم إلى عدة أسباب منها عدم وجود بنوك جزائرية في الخارج تسهل دفع أموالهم مباشرة في حساباتهم البنكية، والتي تسمح لهم بسحبها من جديد في الجزائر أو أي مكان آخر إن احتاجوا إليها.

ورغم تضمن مختلف مخططات الحكومات لمشاريع تتضمن فتح فروع لبنوك جزائرية في الخارج في مقدمتها البنك الجزائري الخارجي، إلا أن هذا الوعد بقي على الدوام حبيس الأدراج.

ويعيب فارس رحماني أيضًا على المنظومة البنكية الجزائرية تسييرها بعقلية بدائية تعمل على تنفير الزبون بدل جذبه، وبالخصوص إن تعلق الأمر بالمهاجر الذي اختبر بنوكًا دولية متفوقة على نظيرتها الجزائرية بعدة مراحل في مجال الخدمات المصرفية والتحويلات المالية، لذلك يطالب بضرورة تطوير النظام المصرفي الجزائري.

ولعل من الجوانب التي تحتاج إلى إعادة نظر في البنوك الجزائرية هو صعوبة إعادة تحويل الأموال نحو الخارج بعد إدخالها، وهو ما يعد سببًا في ضعف التحويلات المالية للمهاجرين الجزائريين نحو بلادهم، حسب تصريح البرلماني فارس رحماني  الذي أضاف إلى كل ذلك وجود سوق عملة مواز في الجزائر يتم فيه تداول العملات بأسعار مرتفعة بكثير عن قيمة بيع وشراء النقد الأجنبي في البنوك الرسمية الجزائرية.

وتشكل السوق الموازية في الجزائر سواءً للسلع أو العملات رغم مخاطرها وسلبياتها المقصد المفضل للجزائريين، خاصة المهاجرين، وهو ما جعل قيمة النقود المتداولة فيها تبلغ 90 مليار دولار، حسب تصريح سابق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

محاولة جديدة

رغم هذه السلبيات التي تعيق مساهم أفراد الجالية بالشكل اللازم في الاقتصاد الجزائري عبر التحويلات البنكية، إلا أن البرلماني فارس رحماني لا ينكر أنه على الأقل عند النظر لمخطط عمل الحكومة الذي عرض على النواب للمصادقة عليه يوجد اهتمام يمكن وصفه بـ"الكبير" بالمهاجرين الجزائريين من قبل السلطات، من خلال إعطائهم المكانة التي يستحقونها، وفتح فروع للبنوك الجزائرية

ويقترح رحماني في هذا الشأن على سبيل المثال تخصيص سكنات للجالية وإلزامهم بالدفع عن طريق التحويلات البنكية، وهو إجراء بسيط سيرفع من قيمة مساهمة المهاجرين المصرفية.

وبالنظر إلى ما ورد في مخطط عمل الحكومة الذي تمت المصادقة عليه، فقد أشار إلى أنه على الصعيد الاقتصادي والمالي، تعتزم الحكومة، "إشراك جاليتنا في التنمية الاقتصادية الوطنية، وستتخذ تدابير ملموسة وعملياتية، منها على سبيل المثال تحفيز رعايانا على الاستثمار في مشاريع اقتصادية وإشراكهم في استراتيجية ترقية الصادرات خارج المحروقات، وجلب مدخراتهم من خلال فتح بنوك ووكالات بالخارج وتأطير الآلاف من التجار ورجال الأعمال المهاجرين".

وفي ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية، دعا الوزير الأول السفراء والطاقم الدبلوماسي للعمل على تحفيز المهاجرين الجزائريين على إقامة مشاريع اقتصادية ببلادهم، وإشراكهم في استراتيجية ترقية الصادرات خارج الـمحروقات، وجلب مدخراتهم من خلال البنوك والوكالات التي يجري العمل على فتحها بالخارج.

يبقى أي خطاب متعلق بذلك ويصب في هذا الإطار مجرّد شعارات تم ترديدها وتكرارها عدة سنوات

وحتى تتحقق هذه الوعود التي تطلقها الحكومة الحالية، يبقى أي خطاب متعلق بذلك ويصب في هذا الإطار مجرّد شعارات تم ترديدها وتكرارها عدة سنوات، ولعل أساسها هو الإسراع بتنظيم المهاجرين الجزائريين في إطار منظم يسمح لهم بأن يتحولوا إلى قوة مؤثرة داخليًا عبر المساهمة الاقتصادية، وخارجية عبر لوبي يصنع سياسات البلدان الموجودة بها، لذلك يبقى التعجيل بتنصيب المجلس الوطني الاستشاري للجالية ضروريًا حتى وإن كان مجرد هيئة استشارية لا تنفيذية وسيادية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل يريد الجزائريون عودة فرنسا؟

هل "تتواطأ" الجزائر مع مهاجريها في فرنسا كي لا يعودوا؟