30-أغسطس-2019

الحكومات الجزائرية المتعاقبة استنزفت صندوق ضبط الإيرادات (رضا كرامدي/ أ.ف.ب)

تنمّ  بعض المؤشّرات الاقتصادية خلال السداسي الأوّل لسنة الجارية في البلاد، عن تراجعٍ ملحوظ في الميزان التجاري واحتياطي الصرف، الأمر الذي جعل الجبهة الاجتماعية في حالة ترقّب لقرارات قانون المالية للسنة الجارية، إذ لم يصدر عن الحكومة الجزائرية حتّى الآن، أيّ تصوّرات، تُترجم تحرّكها لمعالجة الأزمة المالية التي تعرفها البلاد.

عجز الميزان التيجاري يكشف عن فشل كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة والحالية

تراجع  في الميزان التجاري

يعدّ الميزان التجاري من أهمّ المؤشّرات الاقتصادية التي سجّلت عجزًا خلال السداسي الأوّل من السنة الجارية، بقيمة 3.18 مليار دولار، مقابل 2.84 مليار دولار خلال الفترة نفسها من سنة 2018، وقد يصل حجم العجز التجاري إلى 10 مليار دولار نهاية السنة الجارية.

اقرأ/ي أيضًا: الأزمة الجزائرية وأولوية الحلّ الاقتصادي على السياسي!

في مقابل ذلك، بلغت صادرات الجزائر خلال السداسي الأوّل من السنة  الجارية 18.96 مليار دولار، مقابل 20.29 مليار دولار صدرتها الجزائر خلال الفترة نفسها من سنة 2018، أيّ سجّلت انخفاضًا بمعدّل 6.57 في المائة.

أمّا واردات البلاد، فقد بلغت 22.14 مليار دولار، مقابل 23.14 مليار دولار في سنة 2018، مسجّلة انخفاضًا محسوسًا نسبته 4.30 في المائة.

إنطلاقًا من قراءته لمنحنى البيانات، أوضح الخبير المالي إسماعيل لالماس، أن تراجع في الميزان التجاري يكشف تباين المعادلات التجارية بالبلاد، نظرًا إلى تراجع في الصادرات مقارنة بحجم الواردات،  بمعنىً أدقّ، عدم التوازن بين المداخيل وحجم النفقات.

 وأشار لالماس أن هذا العجز، يكشف عن فشل كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة والحالية، من تسقيف الواردات وتحديد قوائم الممنوعات من السلع والخدمات، وقرار منح رخص الاستيراد بهدف عقلنة الواردات.

ويضيف الخبير المالي، أن الحكومات السابقة لجأت بعد استنزاف صندوق ضبط الإيرادات، إلى طباعة النقود والاستخدام المفرط لاحتياطي الصرف، بدل العمل على تنويع الاقتصاد، المنتج للثروة والقيمة المضافة، على حدّ تعبيره.

 التبعية لقطاع المحروقات

مازال قطاع المحروقات، يمثّل حصّة الأسد من صادرات الجزائر بقيمة 17.65 مليار دولار، أي بنسبة 93.10 في المائة من حجم الاجمالي للصادرات، مقابل 18.84 مليار خلال الفترة نفسها من 2018، أي بانخفاض نسبته 6.31 في المائة.

وتبقى الصادرات خارج المحرقات، الحلقة الأضعف من نسبة المداخيل، حيث  بلغت 1.31 مليار دولار أي 6.90 في المائة من حالجم الإجمالي للصادرات، مقابل 1.45 مليار دولار من السداسي الأوّل لسنة 2018، أي تراجع بنسبة 10.01 في المائة.

نزيف في احتياطي الصرف

في السياق نفسه، ونظرًا لتراجع مداخيل المحروقات، يتوقّع خبراء ماليون واقتصاديون تراجع احتياطي الصرف نهاية 2019، إلى أقلّ من 60 مليار دولار، أيّ ما يعادل 18 شهرًا من تغطية الواردات، ويكشف منحى تراجع احتياطي الصرف، استهلاك 1.75 مليار دولار شهريًا،  إذ يقدّر حاليًا بـ 68 مليار دولارعلمًا أن احتياطي الصرف، بلغ 97 مليار دولار سنة 2017، ليتراجع إلى 78.88 مليار دولار نهاية 2018.

وبناء على وتيرة استهلاك احتياطي الصرف (20 مليار دولار سنويًا)،  يتوقّع خبراء انخفاضًا يصل إلى 47 مليار دولار في سنة 2020، ليصل في حدود 33 مليار دولار في عام 2021، ما يجعل الجزائر تواجه مخاطر في تأمين وتغطية وارداتها المتزايدة، إضافة إلى عدم التمكّن من تقديم الضمانات المالية والبنكية المعمول بها دوليًا، والتي تفرض ضمان تغطية مالية تصل إلى سنة كاملة على الأقل.

وحول أسباب تراجع احتياطي الصرف، يقول الخبير الاقتصادي كمال سي محمد إنها راجعة إلى انهيار أسعار النفط، حيث بقي معدّل سعر النفط الجزائري متواضعًا، ولم يتجاوز سقف 65.88 دولارًا نهاية جويلية/ تمّوز الماضي.

وتابع المتحدّث "رغم التدابير المتعلقة بضبط وعقلنة الواردات بهدف الحفاظ على احتياطي الصرف،  تبقى نسبة الواردات مرتفعة، إلى جانب ارتفاع النفقات الداخلية الخام".

النفط والأزمة السياسية

أما بخصوص أسعار البترول التي تعتمد عليها الحكومة قصد ضبط الموازنة العامة، أفاد الخبير في الطاقة عبد المجيد عطار، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّه رغم حالة التوتّرات في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وإيران، والاحتقان الجاري في مضيق هُرمز، وتأثّر النمو والاقتصاد العالمي بضبابية المشهد الاقتصادي، في ظلّ حرب التجارة الأميركية – الصينية، فإن ارتفاع أسعار البترول لم تتجاوز عتبة دولارين في أحسن الحالات، مضيفًا أن الاعتماد على المحروقات في ضبط الميزانية العامة، لم يعد كافيًا لتغطية حجم النفقات التي تود الحكومة انفاقها سنويًا على القطاعات الوزارية.

وعن مدى تأثّر الاقتصاد الجزائري بالأزمة السياسية الحالية، أوضح عادل أورباح، الاستاذ في العلوم السياسية، أن مشكل الاقتصاد الجزائري هيكلي ومرتبط أساسًا بنموذج التنمية القائم على الريع، والخاضع لضبط خارجي المنشأ، "بتعبير آخر هو نموذج تنمية مصطنع، لأنه يحتاج دومًا لسعر برميل مرتفع السعر، وبالتالي فإن أيّ حكومة تدير الاقتصاد في فترة اضطراب أسعار النفط ستواجه أزمة مالية".

يرى أورباح، في حديث إلى "التر جزائر"، أن خيار الاستدانة الخارجية قائم الآن، وهو خيار ليس هيّنًا بسبب شروط التصحيح الهيكلي لمالية الدولة، التي تفرضها الدول أو المؤسّسات الدائنة، مقابل تقديم قروض لقاء ذلك، مستشهدًا بالحالة المصرية ومآلات ذلك على اقتصداها. 

 ويضيف المتحدّث "أنّ خيار الاستدانة يحتاج لسلطة شرعية تحوز على ثقة المواطنين لتمريرها بسلام، وهو ما ليس متوفّرًا في الوقت الحالي، خاصّة وأن مؤشّرات الانسداد السياسي تلوح في الأفق".

 لم يستبعد وزير المالية محمد لوكال، لجوء الجزائر إلى الاستدانة الخارجية

تجدر الإشارة، إلى أن وزير المالية، محمد لوكال، في تصريح إعلامي سابق، لم يستبعد لجوء الجزائر إلى الاستدانة الخارجية لتمويل مشاريع هيكلية ذات مردودية وفق شروط محدودة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اليورو يتهاوى في السوق السوداء.. لا توجد مبرّرات اقتصادية؟

أموال الجزائريين المهرّبة إلى الخارج.. هل يُمكن استرجاعها؟