أجلت الحكومة الجزائرية مراجعة أحكام القانون النقدي والمصرفي الصادر أواخر حزيران/جوان الماضي، متجنبة إثارة نقاش جديدة حول استقرار التشريعات في البلاد، وبينما يذهب البعض إلى رغبة الحكومة في خلق نوع من الاستقرار التشريعي لجلب المستثمرين، يربط آخرون هذا التأجيل مع مسألة احتكار صناعة التشريعات في الجزائر من قبل الأقلية.
الخبير فريد بن يحيى لـ "الترا جزائر": هذه الخطوة تطرح مسألة احتكار صناعة التشريعات في الجزائر من قبل مجموعة صغيرة من الأشخاص، وغياب روية و استشراف للعقود المقبلة
منذ الإعلان في 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي عن طرح مشروع يعدل القانون الصادر في حزيران/جوان 2023 على جدول أعمال الحكومة؛ لم ترد أيّة إشارة إليه في الاجتماعات الحكومية التي انعقدت خلال شهر كانون الثاني/جانفي والنصف الأول لشهر شباط/فيفري من العام الجاري.
وفاجأ إعلان تعديل القانون برلمانين شاركوا في هندسة التشريع الجديد،فيما كانت الأنظار موجهة نحو النصوص التنظيمية. هنا، يستغرب عضو اللجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني علي بن طاهر في حديث إلى "الترا جزائر" تعديل قانون مضت أقل من سنة فقط على إصداره.
ويبرر المتحدث هذا الطرح: "لأننا اعتقدنا أننا تجاوزنا معضلة استقرار التشريعات في البلاد". ورجح النائب المنتمي إلى كتلة حركة مجتمع السلم المعارضة، إرجاء طرح التعديل إلى رغبة السلطات في عدم إحياء النقاش حول تذبذب الاستقرار التشريعي في الجزائر، بينما تكافح لجلب مستثمرين أجانب يضعون استقرار التشريعات في صدارة شروطهم.
في السياق ذاته، أشار البرلماني أحمد رابحي عضو كتلة حزب جبهة التحرير الوطني (الأغلبية البرلمانية)، إلى أن النية المعلنة لمراجعة التشريع بعد فترة قصيرة من المصادقة عليه يطرح من جديد مشكلة سن القوانين في البلاد ليس في المجال المالي والمصرفي فقط، مرجعًا هذا القرار إلى"استعجال الحكومة ومكتب البرلمان تقديم التشريعات قبل نضوج الدراسات بشأنها وعدم تمكين اللجان البرلمانية المختصة من الوقت الكافي لدراستها.
واستطرد قائلًا: "يحدث أن يضغط مكتب البرلمان والحكومة لبرمجة مشاريع القوانين، لتعزيز حصيلتهما الرقمية من الإنجازات في مجال صناعة القوانين وتجسيد البرنامج الحكومي في مجال الإصلاح التشريعي على حساب جودة التشريعات"، مردفًا أننا "وقفنا خلال عامين ونصف من العمل التشريعي مثلًا على ثلاث مراجعات لقوانين فيما القاعدة تقتضي بتقديم تعديل شامل بدل نصوص مجزأة لتسهيل إنفاذها"، وهنا نبّه البرلماني إلى الصعوبات التي تترتب عن التعديلات المتكررة للتشريعات على تطبيقها.
من جهته، علّق الخبير الاقتصادي فريد بن يحي على نوايا الحكومة مراجعة القانون النقدي والمصرفي قائلًا: ''إن هذه الخطوة تطرح مسألة احتكار صناعة التشريعات في الجزائر من قبل مجموعة صغيرة من الأشخاص، وغياب روية و استشراف للعقود المقبلة''.
وأوضح في رده على سؤال 'الترا جزائر' باستثناء القانون رقم 90-10 المؤرخ في 14 نيسان أفريل 1990 الخاص بالنقد بنك الجزائر عبر منحه استقلالية واسعة فقد عجزت الجزائر عن وضع تشريع متكامل مؤطر للسياسة النقدية والمالية .
ونوه بضرورة وضع سياسات عملية تعزز تنافسية وجاذبية السوق الداخلية وتنمي قدرات الشركات المملوكة للخواص أو للدولة على ولوج الأسواق الإقليمية والدولية، والحرص على قطع الطريق على ناهبي المقدرات المالية أو من وصفهم بالمتعاملين الذين يحولون أرباحًا للخارج من غير تقديم قيمة مضافة للاقتصاد الجزائري.
تعديلات سابقة
ومن الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع الحكومة من إدخال إصلاحات على القوانين،وقد سهلت مراجعة القانون 16 -12 الناظم لعلاقات الحكومة بالبرلمان تقليص أجال أجراء التعديلات على القوانين إلى ستة أشهر فقط من صدورها بعدما كانت عامًا واحدًا.
كان التشريع البنكي والنقدي في الجزائر شهد تعديلات عديدة اعتبارًا من العام 2001 بإعادة النظر في القانون الإطار 01/ 01 الصادر في 1990، حيث أدخل تعديل أول في 2001 ثم في 2003 ثم عدل من جديد في 2004 تلته ثلاث تعديلات متوالية سنوات 2009 ، 2010 و2017 وصولًا إلى تعديلات إضافية 2020 و 2022 على التوالي.
كانت الحكومة الجزائرية أطلقت العام الماضي دليلًا لصياغة النصوص التشريعية، فيما وفرت وزارة العلاقة مع البرلمان دورات تدريبة لمزيد من التحكم في صياغة القوانين في صياغة القوانين في صياغة القوانين، في صياغة القوانين كما استفاد النواب بدورهم من دورات مماثلة.
تكتم الحكومة
وتكتمت الحكومة عن مضامين التعديل، فيما أسرت مصادر مطلعة أن الأمر يتعلق بإدراج أحكام جديدة تعزز قدرات البنك المركزي في الأمل مع ظاهرة السوق غير الرسمية لصرف العملة، وإعادة صياغة المادة 33 من المشروع في بندها الخاص بوجوب تقديم محافظ بنك الجزائر بيان سنوي إلى غرفتي البرلمان حول نشاطاته.
ورغم الطابع الإلزامي لتقديم التقرير أمام البرلمان ومناقشته، اكتفى بنك الجزائر في أواخر 2023 بإرسال تقريره السنوي دون النزول إلى البرلمان ،رغم إلحاح النواب المتكرر على سماعه أو مسائلته بخصوص السياسة النقدية في البلاد. وللذكر يعود تاريخ مرور لمحافظ بنك الجزائر على البرلمان إلى العام 2018.
قوانين مؤجلة
اختفى قانون الجماعات المحلية الذي ينظم عمل المجلس المنتخبة البلدية بدوره من حزمة التشريعات المبرمجة للدورة الحالية للبرلمان، وهي قوانين مؤجلة إلى ما بعد الرئاسيات، إذ بعد النظر فيه مرتين في مجلس الحكومة لم ترد أيّة إشارة إليه في اجتماعات الجهاز التنفيذي، ومن المرجح جدًا أنه أجل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الثلاثي الأخير من العام الحالي، مع قانون الأحزاب السياسية، والجمعيات و حق التظاهر.
أحكام القانون
يتضمن قانون النقدي والمصرفي أحكامًا تُعزز حوكمة وصلاحيات بنك الجزائر، وتحسين شفافيته، مع منح مجلس النقد والقرض صلاحيات جديدة تمكنه من مرافقة التحولات التي تشهدها البيئة المصرفية، إلى جانب توسيع صلاحياته في مجال اعتماد البنوك الاستثمارية، والبنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع، والوسطاء المستقلين، والترخيص بفتح مكاتب الصرف، ويوفر إطارًا قانونيًا لممارسة النشاط المتعلق بالصيرفة الإسلامية والعملة الرقمية للبنك المركزي التي يطورها بنك الجزائر، ويصدرها، ويسيرها ويراقبها، وتسمى "الدينار الرقمي الجزائري".
اختفى قانون الجماعات المحلية الذي ينظم عمل المجلس المنتخبة البلدية بدوره من حزمة التشريعات المبرمجة للدورة الحالية للبرلمان
وقد أدرج النواب عليه نحو 30 تعديلًا تعلقت أساسًا بتعزيز الصيرفة الإسلامية ورفع مدة عهدة محافظ بنك الجزائر و نوابه تحقيقا لاستقرار بنك الجزائر وأداء اليمين من طرف المحافظ ونوابه.