10-فبراير-2024
ارتفاع الأورو

أسعار العملة الصعبة عرفت زيادة غير مسبوقة (تركيب: الترا جزائر)

يقول "عمر. س"، وهو شاب جزائري يبلغ من العمر 36 سنة، ويشتغل صرّاف للعملة الصعبة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، أنه يطمح لفتح مكتب صرف معتمد لبيع وشراء العملة الصعبة بطريقة قانونية مع هامش ربح مقبول، حيث يستعد لإيداع ملف طلب الاعتماد بمجرد صدور كافة النصوص والمراسيم القانونية المؤطرة للعملية.

الخبير الاقتصادي مراد كواشي لـ "الترا جزائر": أسباب ارتفاع سعر العملة بالسوق السوداء راجعٌ إلى عودة النشاط الاقتصادي بقوة بالتزامن مع تحرير الاستيراد بشتى أنواعه

ويطالب عمر السلطات، وعلى رأسها بنك الجزائر، بوضع شروط مقبولة لاعتماد مكاتب الصرف بعيدًا عن المعايير التعجيزية التي تجعل من الزبون يفرُّ إلى السوق السوداء لجني أرباح إضافية بدل اللجوء إلى مكتب صرف معتمد.

ويتحدث الثلاثيني لـ"الترا جزائر" عن ارتفاع قياسي في أسعار العملة الصعبة على مستوى السوق السوداء خلال الفترة الأخيرة بلغت 242 دينار للأورو و222 دينار للدولار و276 دينار للجنيه الاسترليني.

وأرجع محدّثنا هذا الارتفاع الحاد مطلع شهر شباط/فيفري إلى قلة العرض بشكل غير مسبوق على مستوى السوق الموازية، نتيجة تضييق الخناق على جماعات تضخيم الفواتير وخنق المستوردين الوهميين، الذين كانوا يُموّنون السوق بكميات هائلة من العملة التي يتم استخراجها من البنوك على أساس التوطين البنكي للاستيراد بفواتير مضخمة.

الأسعار نار

ارتفع سعر صرف العملة الصعبة في الجزائر بشكل غير مسبوق على مستوى سوق "السكوار" الموازية بالعاصمة وبقية النقاط السوداء بالولايات على غرار سطيف ووهران وعنابة وقسنطينة وورقلة وبرج بوعريريج، وبلغ هذا الارتفاع أوجه مطلع الشهر الجاري.

وتجاوز سعر الأورو (1 أورو) على سبيل المثال 240 دينار للبيع و242 دينار للشراء وهو رقم قياسي لم يسجل من قبل.

وحسبما عاينه موقع "الترا جزائر" على مستوى السوق الموازية لبيع العملة الصعبة المعروف بتسمية "السكوار" بالعاصمة، فإن الارتفاع لم يمس فقط العملة الأوروبية الأورو وإنما شمل أيضًا العملة الأميركية الدولار التي بلغ سعر تداولها 219 دينار للبيع و222 دينار للشراء للوحدة الواحدة. وهو سعر مرتفع مقارنة مع ما كان سائدًا من قبل في حين شهد سعر الجنيه الاسترليني وهي عملة المملكة البريطانية المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا أيضًا ليلامس 272 دينار للبيع و276 دينار للشراء. مع العلم أن هذه العملات الثلاث هي الأكثر طلبًا من طرف الجزائريين، وفق ما يؤكده الصرافون.

سعر الأورو تجاوز الـ240 دينار للبيع و242 دينار للشراء وهو رقم قياسي لم يسجل من قبل

ويستعرض هؤلاء عملات أخرى أيضًا على غرار اليوان أو الريمنبي الصيني والذي يعادل سعره بساحة بور سعيد بالعاصمة 30 دينار جزائري بتاريخ 8 شباط/فيفري 2024، وفي أدنى حالاته ينخفض إلى 28 دينار جزائري. أما سعر الدينار التونسي فيتراوح بين 68 و70 دينار.

وكذا الدرهم المغربي رغم قطع العلاقات السياسية والإقتصادية بين البلدين ومؤخرًا منع حتى السفن الجزائرية من الرسو أو المرور بالموانئ المغربية، إلا أنه لا يزال متوفرًا للبيع. مع العلم أن قطع العلاقات تسبب في انهيار الدرهم المغربي بالسوق الجزائرية ليعادل 18 دينار فقط.

وبالمقابل يتأرجح سعر الدرهم الإماراتي على مستوى سوق العملة الصعبة بالجزائر العاصمة بين 58 و60 دينار للقطعة الواحدة والدولار الكندي بين 158 و160 دينار وهو سعر مرتفع جدًا أرجعه الصرافون إلى كثرة الطلب مؤخرًا على هذه العملة. أما الريال السعودي المطلوب بقوة من طرف المتجهين لأداء مناسك العمرة فيتراوح بما بين 56 و58 دينار جزائري للوحدة.

أسباب ارتفاع سعر العملة

من جانبه، يرجع الخبير الاقتصادي مراد كواشي أسباب ارتفاع سعر العملة بالسوق السوداء إلى عدة عوامل أبرزها عودة النشاط الاقتصادي بقوة بالتزامن مع تحرير الاستيراد بشتى أنواعه، أي عودة الاستيراد من الخارج للمواد المفقودة في السوق الجزائرية.

وأوضح كواشي في إفادة لـ "الترا جزائر" أنّ قرار العودة إلى استيراد السيارات الجديدة أو المستعملة الأقل من 3 سنوات ساهم إلى حدّ بعيد في تحريك بورصة العملة الصعبة في البلاد خاصة مع تسجيل خروج ودخول "الدوفيز"، الذي أدى إلى تحرك السوق النقدية في البلاد وارتفاع أسعار العملات الأخرى مقابل الدينار.

إضافة إلى حركية النقل الجوي، خاصة في هذه الفترة من السنة وازدياد الطلب على العملة الصعبة من قبل الطلبة والمعتمرين على وجه الخصوص، حيث يستعد عدد كبير منهم للذهاب إلى البقاع المقدسة لأداء المناسك خلال شهر رمضان.

وأضاف كواشي أن سعر العملة الصعبة والتي لا يزال الجزائريون يطلقون عليها تسمية الدوفير في سوق "السكوار" الموازي والمتواجد بساحة بور سعيد وسط العاصمة الجزائر، مرتبط بالأساس بالعرض والطلب. وليس له علاقة بالسوق النقدية التي تخضع في العادة لقرارات الدولة.

ويرى محدثنا إن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الدولة بهدف السيطرة على السوق الموازية على غرار الترخيص بفتح مكاتب الصرف تهدف بالدرجة الأولى إلى التقليل من هيمنة السوق السوداء وليس القضاء عليها بشكل كلي، نظرًا لحجم الكتلة النقدية الضخمة المتداولة في هذه السوق قائلا: "امتداد السوق الموازية عميق خاصة وأن هذه الأخيرة تتغذى على عدة أنشطة وتعاملات تجارية غير رسمية، تموّنها بغطاء إضافي للعملة الصعبة، وبالتالي تحولت هذه الأخيرة إلى عبء مالي واقتصادي".

الخبير كواشي: القضاء على هذه السوق السوداء يمر بامتصاص الكتلة النقدية المتداولة فيه والتي تجاوزت 10 مليار دولار

وبالمقابل يشدد كواشي على ضرورة البحث عن حلول سريعة للقضاء على هذه السوق من خلال العمل على فتح مكاتب لصرف العملة الصعبة علنًا وتضييق الخناق على السوق الموازية، التي باتت ملاذ الجزائريين لتحويل العملة.

وهنا أكّد أنه "نعلم أن القضاء على هذه السوق ليس بالأمر السهل، فمن الضروري توفير الشروط اللازمة لامتصاص الكتلة النقدية المتداولة هناك والتي تجاوزت 10 مليار دولار، ولن يتحقق ذلك إلاّ من خلال تطبيق القوانين التي تحمي الاقتصاد الوطني. والعمل على رفع قيمة المنحة السياحية وهي من بين الاجراءات التي من شأنها إضعاف سوق السكوار".

مكاتب الصرف تقترب

وبخصوص إجراءات فتح مكاتب الصرف المعتمدة لامتصاص الأموال المتواجدة في السوق السوداء والتي تقدر بمليارات الدولارات، يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، هشام صفر، في تصريح لـ"الترا جزائر" أنهم كلجنة مالية على تواصل دائم مع وزير المالية ويطرحون في كل مرة تساؤلات مفادها "أين وصلت عملية فتح مكاتب صرف جديدة

ويرد وزير المالية وفق ما يؤكده هشام صفر بأن الملف متواجد اليوم على طاولة بنك الجزائر المخول الوحيد بتنفيذ الإجراء المتضمن في القانون النقدي والمصرفي الجديد، مشددًا على أن النص التنظيمي المؤطر للمشروع كان قد صدر قبل أشهر، ويعكف بنك الجزائر خلال الأيام القليلة المقبلة على استكمال بعض الرتوشات في تعليمة توضيحية سيصدرها قريبًا جدًا لتحديد الكيفيات الدقيقة لعملية فتح مكاتب صرف، منها مصدر العملة الصعبة التي سيتمون بها الصرافون وحجمها وسعر البيع وهامش الربح.

ويفترض أن تتمركز مكاتب صرف العملة، وفق هشام صفر، في البداية وكمرحلة تجريبية، على مستوى مناطق تمركز الأجانب الذين قد يتوافدون إلى الجزائر وهي المطارات والموانئ والفنادق ويكون أصحابها خواص لتتعمم لاحقًا إلى مناطق أخرى.

ويتمثل زبائن هذه المكاتب في الأجانب والسياح الوافدين إلى الجزائر وأيضًا الجزائريين المسافرين للخارج في إطار عمليات العلاج والطلبة والحجاج والمعتمرين والباحثين عن المنحة السياحية.