27-أبريل-2024

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

خلال أشهر قليلة فقط، ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية بشكلٍ محسوسٍ ومتسارعٍ في الأسواق الجزائرية، متسببةً في تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وإن كان ارتفاع بعض المواد مبررًا لارتباطه بأسعار الأسواق العالمية، إلا أن المواطن ظلّ يطرح علامات استفهامٍ كبيرة، لغياب تفسيرات تبرّر ذلك من طرف السلطات.

غياب التواصل بين المواطن والقطاعات الاقتصادية، لتبرير بعض الزيادات في الأسعار، وغياب قوانين حتى الآن تحدد هامش الربح ورقابة تضبط الأسعار في السوق، جعل بعض المواد الغذائية ترتفع بشكل مخيف

غياب التواصل بين المواطن والقطاعات الاقتصادية، لتبرير بعض الزيادات في الأسعار، وغياب قوانين حتى الآن تحدد هامش الربح ورقابة تضبط الأسعار في السوق، جعل بعض المواد الغذائية ترتفع بشكل مخيف يؤثّر بشكل واضح على القدرة للشرائية، ويكفي أن يكتشف المواطن فجأة ارتفاع الأسعار وهو يقوم بالتسوق دون سابق إنذار.

يُرتقب أن تفرج الحكومة في قادم الأيام عن مشروع قانون المنافسة الجديد بعد سنوات من التحضير، بغية محاربة والاحتكار والمضاربة التي وإن قلت بعد صدور القانون المتعلق بها في بداية 2022، إلا أن التقارير الأمنية تُثبت أن القانون يبقى غير كافٍ للحدّ من المبالغة في الأسعار وتوفير الشروط اللازمة لتحقيق المساواة بين جميع المتعاملين الاقتصاديين.

وتحاول الحكومة بكل الطرق، وبالخصوص التشريعية منها تحسين البيئة الاقتصادية الجزائرية سواء من حيث الاستثمار أو النشاط، بالحد من الممارسات البيروقراطية والاحتكارية التي جعلت التقارير المالية الدولية ترسم صورة سوداء عن الجزائر في هذا المجال خلال العقدين الماضيين، وهو الصورة التي شرعت السلطات في محوها من خلال قانون الاستثمار الجديد الذي اعتبره الخبراء مشجعًا لولوج اقتصادًا ناشئا.

دراسة

في اجتماع الحكومة المنعقد بتاريخ 17 نيسان/أبريل الجاري الذي ترأسه الوزير الأول نذير العرباوي، تمت "دراسة المشروع التمهيدي لقانون يحدد القواعد المتعلقة بالمنافسة الذي يندرج في إطار تطبيق توجيهات رئيس الجمهورية المتعلقة بمحاربة المضاربة والوقاية من وضعيات الهيمنة والاحتكار وترقية الحوكمة الاقتصادية"، وفق ما جاء في بيان لمصالح الوزير الأول.

وتأتي هذه الدراسة بعد سنوات من وضع مشروع القانون على طاولة الوزارة الأولى، فقد صرح المدير العام للأنشطة التجارية وتنظيمها بوزارة التجارة، سامي قلي في حزيران جوان 2021  للقناة الإذاعية الأولى أن قانون المنافسة الجديدة يوجد حاليا على مستوى الأمانة العامة للحكومة.

وقال قلي وقتها إنه "تنفيذا لتوجيهات الرئيس تبون، فإن قانون المنافسة المقترح من طرف وزارة التجارة يوجد اليوم على مستوى الأمانة العامة للحكومة".

وأضاف أن وزارة التجارة اقترحت من خلال هذا القانون عدة تدابير من شأنها معالجة الكثير من الاختلالات المسجلة في السوق، منها هوامش الربح، وتأطير أسعار المواد الأساسية، ووضعية الهيمنة في السوق وقواعد المنافسة الشريفة من خلال إضفاء المزيد من الشفافية في المعاملات التجارية بين المهنيين، إضافة إلى تضمنه عقوبات "صارمة" ضد المتعاملين الذي يستخدمون وضعيتهم المهيمنة في السوق لخلق تذبذبات في التموين بالسوق.

وصرح وقتها قلي أن قانون المنافسة الجديد سيكون ضمن أوائل القوانين التي سيقوم المجلس الشعبي الوطني الجديد المنتخب في 2021 بدراستها، إلا أن ذلك لم يتم بالنظر لارتباط قانون المنافسة بمختلف القوانين التي تحضر الأرضية المناسبة لإصداره.

وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي في حديثه مع "الترا جزائر" أن الرئيس تبون حرص على تعديل عدة قوانين مثل التشريعات الخاصة بالاستثمار والنقد والصرف، والمرحلة وصلت اليوم إلى قانون المنافسة.

وأرجع سعودي تأخر صدور قانون المنافسة إلى أن السوق الجزائرية كانت تعاني غياب الإحصاءات الدقيقة المتعلقة بالاستيراد والتصدير والسلع المتداولة في غياب الرقمنة،  الأمر الذي فتح المجال لمنافسة غير عادلة، حيث لم تكن وزارة التجارة سابقة متحكمة في تنظيم الأسواق ومراقبتها لضبط المنافسة، وهو ماحرصت الحكومة على تغييره، لذلك تشرع اليوم في دراسة مشروع قانون المنافسة وفق المتغيرات الجديدة.

وتعود آخر مراجعة لقانون المنافسة لعام 2010، فيما صدرت قوانين أخرى تتعلق بتوفير شروط مناسبة ومتساوية للمتاملين الاقتصاديين في مختلف المجالات كالاستثمار والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والسيارات والكتاب والفلاحة، وغيرها.

أهمية

تكمن أهمية  هذا القانون، في أن ضبط المنافسة الاقتصادية تسمح باستقرار الأسعار وجعل المواطن باعتباره المستهلك الأخير المستفيد الأكبر، وفق ما يراه الدكتور عبد الصمد سعودي الذي ذكّر أن غياب المنافسة العادلة يفتح الباب أمام ممارسات الاحتكار والتلاعب في الأسعار حتى في المواد المدعمة، ضاربا في هذا الإطار مثالًا باستيراد اللحوم الذي ياتي من أجل ضبط سوق المنافسة في هذا المجال وخلق توازن بين العرض والطلب.

ولفت سعودي إلى أنه يجب على مشروع قانون المنافسة الجديد أن يجعل الفاعلين في الساق مستفيدين وفق المعايير الاقتصادية المتعارف عليها، والتي تجعل الصناعيين والمنتجين والفلاحين هم الفئة التي تحقق أرباحا أكبر، لكن للأسف ففي الجزائر، وفي ظل غياب منافسة حقيقية أصبح التجار هم أكبر الرابحين، لذلك فالتشريع الجديد عليه جعل التجار يتقيّدون بقواعد المنافسة قصد ضبط أسعار السلع ومختلف المنتجات والخدمات.

وأشار سعودي، إلى أن السوق الجزائرية تشهد اختلالات في الأسعار لا علاقة لها بالمنافسة، مثلما سجل مؤخرًا في أسعار كوب القهوة الذي ارتفع بـ10 و20 دينارًا، بدون الاستناد إلى دراسة موضوعية تحدّد حجم الزيادة الذي يتناسب مع ارتفاع ثمن البن في الأسواق العالمية.

ويرى سعودي أنه على الحكومة أن تضمن في قانون المنافسة  اجتماعات دوية بين النقابات التجارية ومديريات التجارة من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار، والحد من التهابها الجنوني الذي يكون فيه المواطن الخاسر الأكبر.

استمرار

يأتي قانون المنافسة ليكون داعمًا أساسيًا لقانون مكافحة المضاربة الذي صدر قبل عامين، ومكن من المضاربة والندرة التي كانت تسجل حتى في المواد المدعمة من طرف الحكومة كالحليب والسميد، وهي الندرة التي أصبحت بفضله في خبر كان، وبالخصوص بالنسبة لحليب الأكياس الذي متوفرًا بكميات كثيرة، ولم تعد تسجل تلك الندرة إلا في مناطق معينة من ولايات محدودة، وفق تصريحات وزارة التجارة.

ويرى أستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي، أن الجهاز الرقابي والقضائي له دور مهم في محاربة المضاربة  والاحتكار، لأن الإجراءات الردعية تستطيع أن تحد من  هذه الظاهرة التي يبقى غياب الفوترة السبب الرئيس لانتشارها.

وأصدرت الحكومة نهاية 2021 القانون الخاص رقم 21-15 المتعلق بمكافحة جريمة المضاربة غير المشروعة بهدف حماية الحقوق الاقتصادية للمستهلك، وذلك بتشديد العقوبات على المضاربين والمحتكرين، والتي تصل إلى السجن لمدة تفوق 10 سنوات.

وتظهر ثمار هذا القانون من خلال تراجع جرائم المضاربة في 2023، فقد أشار مدير الأمن العمومي بالدرك الوطني العقيد ميلي لونيس قبل أيام في ندوة صحفية إلى تورط 788 شخصا في هذا النوع من الجرائم، بتراجع مقدر بـ30 في المائة مقارنة بسنة 2022.

أستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي لـ "الترا جزائر": تأخر صدور قانون المنافسة إلى أن السوق الجزائرية كانت تعاني غياب الإحصاءات الدقيقة المتعلقة بالاستيراد والتصدير والسلع المتداولة في غياب الرقمنة

لكن هذا التراجع يبقى غير كاف، فقد تم حجز ما قيمته الإجمالية 298710365 دج، حيث جاءت على رأس المواد المحجوزة القمح اللين والفرينة والسكر وزيت المائدة، وهي مواد كلها مدعمة، ما يعني ضرورة بذل مزيد من الجهود للحد من هذه الظواهر التي تعيق تطوير الاقتصاد الجزائري الباحث عن تنافسية أكثر في السوق العالمية.