14-أكتوبر-2023
الدينار

مصرفي يعد الدينار الجزائري (فيسبوك/الترا جزائر)

أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان أن احتياط الصرف الجزائري سيرتفع إلى 85 مليار دولار نهاية العام الجاري، وهو ما سيشكل اختبارًا للحكومة بشأن كيفية استثمار هذه المليارات المخزنة لتعود بالإيجاب على الاقتصاد الجزائري دون الاكتفاء بتركها مخزنة لصرفها في أيام تراجع الإيرادات، مثلما حدث في السنوات الماضية التي لم تستفد فيها البلاد من وصول احتياطاتها الأجنبية إلى عتبة 200 مليار دولار.

أستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي لـ "الترا جزائر": احتياطي الصرف وصل في وقت سابق إلى 200 مليار دولار سرعان ما تآكل بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2014

وإن كان ارتفاع احتياطي الصرف مؤشر اقتصادي إيجابي، فإنه في الوقت ذاته يبعث على الحذر والانتباه في الجزائر، بالنظر للتجاوزات التي فتحها ارتفاعه في العقدين الماضيين، من دون الاهتمام بتنويع الاقتصاد وتطويره.

معدل النمو 

وعرض الوزير الأول الثلاثاء الماضي بيان السياسة العامة للحكومة خلال عام 2023، والذي حمل كما كان متوقعًا مؤشرات اقتصادية إيجابية بالنظر لبقاء أسعار النفط مرتفعة رغم انخفاضها مقارنة بأسعار 2022.

وقال الوزير الأول إن " الجزائر عرفت كيف تثبت صمودها من خلال الحفاظ على نمو اقتصادي معتبر سيقدر بنسبة 5,3% نهاية سنة 2023، في حين سيبلغ معدل النمو خارج المحروقات نسبة 4,9%، مقابل نسبة 4,3% سنة 2022. فيما بلغ التضخم خلال الأشهر الأولى من سنة 2023 نسبة 9,5 %، متأثرًا لاسيما بارتفاع أسعار المواد الغذائية (+13,2%).

 وساعدت هذه المؤشّرات على توقع الحكومة ارتفاع احتياطي الصرف لتصل مع نهاية السنة إلى 85 دولار، إضافة إلى احتياطات الجزائر من الذهب، وذلك بالرغم من تراجع عائدات النفط العام الجاري.

وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، عبد الصمد سعودي، في حديث إلى "الترا جزائر" أن هذا الارتفاع في احتياطي الصرف يزيد بأكثر من 23 مليار دولار عما سجل العام الماضي، كما أنه يغطي سنتين من واردات الجزائر.

وأضاف أن هذا الرقم يعطي أريحية للاقتصاد الوطني، لأن أهمية احتياطي الصرف تظهر في مدى تغطيته لاحتياجات البلاد من السلع والخدمات المستوردة، وهو ما تستطيع الجزائر تغطيته اليوم للعامين القادمين.

وجاء في بيان السياسة العامة أنه "من المرجح أن تتراجع قيمة الصادرات نهاية السنة الجارية إلى 52,8 مليار دولار مقارنة بسنة 2022، وذلك بسبب انخفاض أسعار البترول الذي شهد سعره المتوسط تراجعا من 104 دولار للبرميل في سنة 2022، إلى 85 دولار للبرميل هذه السنة".

وارتفع احتياط الصرف الجزائري  بالرغم أيضًا من وضع الحكومة توقعات تترقب ارتفاع قيمة الواردات إلى 41,5 مليار دولار نهاية السنة الجارية مقابل 39 مليار دولار تم تسجيلها سنة 2022، وهو ما سيبقى رصيد الميزان التجاري إيجابيًا، مسجلًا فائضًا في حدود 11,3 مليار دولار".

وأضاف  الوزير الأول أنه "فيما يخص وضعية المالية العمومية، فقد عرفت الإيرادات ارتفاعا بنسبة 25% بين سنتي 2022 و2023، لتصل إلى 8.900 مليار دينار، بينما ارتفعت النفقات بنسبة 52% لتصل الى 14.700 مليار دينار".

رمزية اقتصادية

بالنسبة لأستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي، فإن أهمية ارتفاع احتياطي الصرف لا تتعلق فقط بحاجة البلاد لتغطية وارداتها دون الحاجة للاستدانة الخارجية، إنما أيضا في صورة الاقتصاد التي يعكسها، حيث يعبّر في جوانب عدة عن الاستقرار الاقتصادي.

وأضاف سعودي أن احتياط الصرف المرتفع يعني تحسنًا في مناخ الاستثمار، ومؤشر جاذب للاستثمار الأجنبي، لأن هذا الارتفاع يترجم على وجود ارتفاع في الدخل الفردي والوطني، وحركية تجارية في العرض والطلب، لتحديد مؤشرات المنتجين والمستهلكين، فالعلاقة طردية بين ارتفاع احتياطي الصرف ومناخ الاستثمار الاقتصادي.

وكشف الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان الصيف الماضي خلال إشرافه على مراسم تنصيب المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، بلوغ عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة، الحائزة على كل الشروط والتحفيزات إلى غاية 20 تموز/جويلية 2023، 2984 مشروعًا، والتي ينتظر أن توفر أكثر من 76300 منصب شغل.

وكانت الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار إجمالي قد سجلت 1877 مشروعًا استثماريًا في 2021 بمبلغ مالي قدره 526 مليار دينار جزائري، بمعني أن الأرقام المسجلة خلال النصف الأول من العام الجاري قد تضاعفت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أكثر من عام.

وتسعى الحكومة لتوسيع عدد الاستثمارات خارج قطاع النفط، لرفع قيمة الصادرات غير البترولية، حيث بلغت إلى حد اليوم ثماني مليارات دولار، في حين أن السلطات تأمل أن تتعدى هذا العام حاجز 10 مليارات دولار بعدما وصلت العام الفارط إلى عتبة سبع مليارات دولار.

حذر

باسترجاع ما حدث خلال السنوات الماضية، فإن ارتفاع احتياطي الصرف وإن كان قد جنّب البلاد اللجوء إلى المديونية الخارجية، فإنه في الوقت ذاته قد "استغل من قبل رموز الفترة السابقة لنهب المال العمومي وتبديده وتكريس الاقتصاد الريعي بكل أبعاده"، حيث لم تستفد الجزائر من بلوغ احتياط الصرف مستوى 200 مليار دولار قبل 2014 لتنويع اقتصاد البلاد، إنما هذا الارتياح الماضي استغل حينها لتوزيع الملايير على رموز النظام الرئيس السابق الراحل في مشاريع استهلاكية لم تضف شيئًا للاقتصاد الجزائري.

وأشار عبد الصمد سعودي إلى أن "احتياطي الصرف الذي وصل إلى 200 مليار دولار سرعان ما تآكل بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2014، حيث استُغِل بالأساس في تغطية العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وجعله يصل في ظرف قياسي إلى حدود 41 مليار دولار، أي أن البلاد لم تصبح قادرة سوى على تغطية عام واحد فقط من  وارداتها".

دعا أستاذ الاقتصاد عبد الصمد سعودي إلى ضرورة انتهاج العقلانية في استغلال احتياطي الصرف، بعدم تبذيره على الواردات من المواد الاستهلاكية

ودعا سعودي إلى ضرورة انتهاج العقلانية في استغلال احتياطي الصرف، بعدم تبذيره على الواردات من المواد الاستهلاكية، ولكن الحرص على استثماره في المشاريع المنتجة التي توفر مناصب عمل إضافية وصادرات جديدة خارج قطاع المحروقات وزيادة الدخل الوطني، وذلك لتجنب الفساد الذي حدث سابقا، والذي كشفت فظاعته المحاكمات التي جرت وما تجال تجري اليوم في أروقة العدالة.