05-مارس-2023
الدينار الجزائري

الدينار الجزائري (الصورة: Getty)

يتفق كثيرون على أن أهمّ ما احتواه مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد الموجود اليوم على طاولة النقاش بالبرلمان، هو استحداث دينار رقمي وبنوك ذكية واعتماد مزودي خدمات الدفع ووسطاء للسوق المالية، لأول مرة وتكريس الرقمنة، وهي خطوات جديدة وهامة من شأنها أن تحدث نقلة في التعاملات المالية في الجزائر.

يعتقد مهتمون أن أكبر عائق يمكن أن يجابه الدينار الرقمي هي سرعة الإنترنت في الجزائر

ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي قال في حوار للصحافة الوطنية، إنه يسعي لتعميم الرقمنة منذ ثلاث سنوات، ولم يتحقّق ذلك إلى اليوم، وتحدث بلهجة أكثر حدة قائلًا: "الرقمنة ستتحقق بإرادة بعض الجهات أو غصبًا عنها".

ووسط هذا الجدل، يعتقد خبراء وأخصائيون وحتى نواب ناقشوا مشروع القانون النقدي، أن أكبر عائق يمكن أن تصطدم به هذه المشاريع هي سرعة الإنترنت في الجزائر، وهو الملف الذي طرحه نواب الغرفة السفلى، وتحديدَا لجنة المالية والميزانية على وزيرين نزلا باللجنة لعرض أحكام مشروع القانون، وهما وزير المالية جمال إبراهيم كسالي، ووزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمصغرة وليد المهدي ياسين.

ويرتقب أن تستدعي اللجنة أيضًا وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والإتصال لفتح الملف معه، وذلك بالتزامن مع المشاريع العملاقة والمنتجات الضخمة التي تحضر اتصالات الجزائر لطرحها في السوق، والتي تستهدف تحسين جودة الخدمة ونوعية الشبكة.

 ويعمل المجمع العمومي بدءًا من السنة الجارية على توسيع اعتماد شبكة الويفي من الجيل السادس، وهي التجربة التي تم القيام بها في وهران خلال تنظيم الألعاب المتوسطية وحققت نتائج مبهرة، وامتدح وقتها جميع الأجانب الذين حلوا بالجزائر نوعية الخدمة، حيث وصلت سرعة الأنترنت 140 جيغا أوكتي، وارتفعت بنسبة 30 % مقارنة مع الجيل الخامس، فهل ستنجح السلطات في هذا التحدي؟

سرعة الأنترنت.. "الهمّ" الأكبر لنواب البرلمان

من جهته، يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن النواب قلقون من إمكانية نجاح تجربة الدينار الرقمي والبنوك الذكية، حيث تم طرح الإشكال عند استقبال مسؤولي قطاع المالية، مؤكدين تدهور سرعة الإنترنت في العديد من المناطق، مضيفًا: "هذه الإشكالية يمكن أن تكون أكبر عائق في وجه هذا المشروع الضخم".

ويشدد بريش على أن نجاح مشروع الدينار الرقمي، يفرض إبرام صفقات جديدة لتطوير البنى التحتية لخدمات الأنترنت، وبالتوازي مع ذلك تحسين الشبكة وجودتها وسرعة الخدمة، والقضاء على نقاط الظلّ التي لطالما يشتكي منها المواطنون في عدد م من الولايات خاصة الجبلية والحدودية والنائية والصحراوية، مشيرًا إلى أنه تم طرح الملف على وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمصغرة الذي رد بأن الإشكال خارج قطاعه، وسيتم توجيه دعوة أيضا لوزير البريد قريبًا لإعادة مناقشة الملف معه، بعد استقبال محافظ بنك الجزائر.

ويجزم عضو لجنة المالية أن عامل الثقة أيضًا يطرح نفسه بقوة في ملف اعتماد الدينار الرقمي، إذ يجب تعزيز ثقة المواطنين في الخدمات الرقمية، من خلال حملات توعية وتحسيس، وبرامج للتعريف بالخدمات الجديدة، وبأنها مؤمنة من الهاكرز أو أية اعتداءات.

خوصصة الأنترنت

ومعلوم أن نجاح مشروع الدينار الرقمي يرتبط مباشرة بالبنية التحتية والمنشآت التكنولوجية للبنوك، فالأمر لا ينحصر فقط ، بحسب الخبير الاقتصادي المتخصص في الحوكمة والرقمنة عبد الرحمن هادف، في سرعة الإنترنت بل يتعداه إلى تطوير البنى التحتية لشبكة التواصل والانترنت وصناعة البيانات والأنظمة المعلوماتية التي يجب أن تكون جد متطورة وتشتغل وفق أحدث التكنولوجيات وذلك من أجل إنشاء منظومة فعالة ومتطورة.

محدث "الترا جزائر" يجزم أن نظام العملات الرقمية يعمل أيضا بما يعرف بـ "بلوك تشين" وهي منظومة جديدة لتسير البيانات والمعلومات المؤمنة بصفة كبيرة ولديها خصوصيات تكنولوجية تستعمل في مجال المالية الرقمية، وهو ما يتوجب توفيره لنجاح المشروع.

وفيما يخص سرعة الإنترنت وتحسين نوعيتها، اقترح الخبير ضرورة الذهاب سريعًا نحو فتح سوق المنافسة في هذا المجال خاصة ما تعلق بشركات الخدمات في مجال الانترنت وتشجيع المؤسسات على الابتكار في هذا القطاع.

كما أن اعتماد الدينار الرقمي يجب أن يكون مرفوقًا بإصلاح كبير في مجال الدفع الإلكتروني؛ أي صناعة دفع من خلال الترخيص لشركات ومؤسسات الخدمات في مجال الدفع،  وسيتم استحداث أيضًا هيئة تسمى بـ"اللجنة الوطنية للدفع"، مع ضرورة إرفاقها بمؤسّسات خاصة في مجال شبكات الاتصال السلكي واللاسلكي، لأن نجاح هذا المشروع يتطلب بنية تحتية جد فعالة ومتطوّرة وآمنة في نفس الوقت.

 وعليه من الضروري، يشدد المتحدث، فتح باب المنافسة أمام الخواص لتحسين جودة الإنترنت وتبني مشاريع تصب في هذا الإطار.

الأمن "السيبيراني" ضرورة

وغير بعيد عن ذلك، يؤكد خبير المعلوماتية والرقمنة يزيد أقدال في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن البنوك مصنفة ضمن أهم المؤسسات المستهدفة من قبل الهاكرز ومرتكبي الجرائم السيبرانية، الأمر الذي يفرض قبل التفكير في إطلاق مشاريع رقمية جديدة العمل على تبني خطط تأمين لأقصى درجة وهو ما بادرت إليه البنوك الجزائرية التي "تعد آمنة اليوم"، حسبه.

وفي السياق، وجهت الجمعية المهنية للبنوك تعليمة تحمل ترقيم 139 بتاريخ 12 شباط/فيفري 2023، تحت عنوان تنصيب برنامج "سيبار سكول"، موقعة من طرف المفوض العام للجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية رشيد بلعيد، تؤكد أن "القطاع البنكي شهد في السنوات الأخيرة تحولات رقمية كبرى، وتطور التكنولوجيات الحديثة ما يفرض اليوم الانفتاح على نظام معلوماتي جديد، وتوفير أكبر عدد من المنتجات المبتكرة للزبائن".

 ويأتي ذلك، حسب التعليمة التي اطلعت "الترا جزائر" عليها، بالتزامن مع الخطر الكبير الذي باتت تمثله الجرائم الإلكترونية السيبرانية، التي تهدد المؤسسات في مختلف أنحاء العالم وقادرة على تجميد نشاطها.

ولمواجهة هذه المخاطر، يحاول خبراء وأخصائيون في المجال تطوير برامج إلكترونية وحلول للتصدي لمثل هذه الاختراقات السيبرانية، ومواجهة هذا النوع من الاعتداءات، حيث تم تطوير، حسب ذات التعليمة، برنامج "سيبار سكول" لمجابهة هذه المخاطر على مستوى البنوك والمؤسسات المالية والمصارف.

في هذا السياق عقد المفوض العام لجمعية البنوك اجتماعًا بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بمعهد التكوين للبنوك لتطوير التكوين في هذا البرنامج في الجزائر، والذي سيشمل الموظفين الناشطين في مجال الأمن المعلوماتي.

وفي هذا الإطار تمت الموافقة على مقترحات التكوين التي تم طرحها وقتها، حيث تطالب الجمعية المهنية اليوم البنوك بمراسلة معهد التكوين البنكي بحاجياتهم في مجال التكوين الخاصة بالأمن المعلوماتي.

تظلّ رقمنة البنوك ضرورة قصوى، رغم التحديات التي تواجه المشروع في الجزائر

وفي النهاية، تظلّ رقمنة البنوك ضرورة قصوى، رغم التحديات التي تواجه المشروع في الجزائر ، من ضمنها سرعة تدفق الإنترنت وبيروقراطية الإدارة في التعامل مع حركة الصرف في البلاد، وغياب حوافز بنكية تدفع بكثير من التجار إلى تخزين أموالهم بدل التوجه للمصارف.