17-أبريل-2020

بعض الوزارات الجزائرية لا تملك مواقع إلكترونية عل الإنترنت (Getty)

تمثل أزمة فيروس كورونا، فرصة حقيقية وجدّية لتوجّه الجزائر نحو الحكومة الإلكترونية، واستخدام الإنترنت في التعليم والمعاملات التجارية؛ إذ لم تعد الرقمنة الآن بالنسبة للجزائر خيارًا متاحًا يُمكن تأجيله، لكنها بحكم التداعيات الشاملة لهذا الوباء، أصبحت مفروضة على السلطة لمسايرة التطوّرات.

 طرح العديد من أولياء التلاميذ إشكالية عدم تمكن أبنائهم من الولوج إلى الأرضية التي أعدتها الوزارة بسبب بطئ تدفق الإنترنت

تأخّر كلّف الكثير وفرصة

مع تمدّد الإصابات بفيروس كورونا، منتصف شهر آذار/مارس الماضي، بدأ الحديث عن ضرورة استخدام الإنترنت لتحقيق متطلّبات المواطنين في شتى القطاعات، غير أن واقع الحال، عكس مدى تأخّر الجزائر في استخدام تكنولوجيات الاتصال، حيث خلقت الأزمة الوبائية أزمات أخرى لم تكن في الواجهة.

اقرأ/ي أيضًا: انتصارات "حزب الهواتف الذكية " في الجزائر

هذا التوصيف للحالة الجزائرية، جاء على لسان الكثيرين من المختصّين في مجال التكنولوجيا الرقمية، إذ يذكر الخبير الأستاذ علي بوزار، أن أزمة كورونا كشفت أمرين؛ أهمّهما "إخفاق الحكومات السابقة في رقمنة التعليم، برغم توفّر الأموال وصرف المليارات، دون تخصيصها لتوفير الإنترنت والهواتف للعائلات الجزائرية".

وأضاف بوزار في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنّ الحاجة اليوم ملحّة وضرورية لرقمنة التعليم، ووضع منصّات تعليمية لتوفير الدعم التعليمي للتلاميذ في كلّ وقت، لكنها أكثر من ضرورة، تحسبًا لأية ظروف مستقبلية مشابهة لأزمة كورونا، على حدّ تعبيره .

التعليم عن بعد 

اللافت أن وزارة التربية، أطلقت الأحد الماضي منصّات تعليمية رقمية لتعويض التلاميذ، بعد توقف الدراسة منذ 12 آذار/مارس الماضي، نتيجة الأزمة الوبائية وفي إطار الوقاية من انتشار فيروس كورونا.

على الأرض، بدأ تفعيل جهاز الدعم المدرسي عبر الإنترنت في الجزائر، وإطلاق برامج تعليمية موجّهة لطلبة وتلاميذ الأقسام المقبلة على الامتحانات التأهيلية، وأعلنت وزارة التربية في الجزائر عن إطلاق الأرضيات الرقمية للتعليم عن بعد لفائدة تلاميذ السنة الرابعة متوسّط والثالثة ثانوي، كخطة طوارئ بديلة لمواجهة انقطاع التعليم عن التلاميذ، ودعت  الوزارة الأولياء والتلاميذ إلى تسجيل الدخول إلى هذه الأرضيات الرقمية، باستخدام الإسم والرقم السريّ الذي منح للطلبة في بداية السنة، غير أن البعض بدى لهم العمل بهذا المقترح الاضطراري مبهما بل واقعا غير مستساغًا.

في هذا الصدد، طرح العديد من أولياء التلاميذ إشكالية عدم تمكن أبنائهم من الولوج إلى الأرضية التي أعدتها الوزارة بسبب بطئ تدفق الإنترنت، تقول السيدة نعيمة لـ "الترا جزائر" التي تقطن بمنطقة بوروبة بالعاصمة الجزائرية. لافتةً إلى أنّ "شبكة الإنترنت في حدّ ذاتها ضعيفة، فكيف للتلاميذ أن يتمكّنوا من الولوج إلى الأرضية؟".

قبل هذا السؤال، طرحت السيّدة نعيمة هواجس كثيرين ممن لا يملكون أصلًا أجهزة للتمكّن من الدراسة عن بعد، وذهب إلى أبعد من ذلك، وهي فكرة أن الإنترنت كانت بالنسبة لكثير من العائلات، تستغل للترفيه وليس للدراسة.

يبدو أن مشكلة التعلّم عن بعد، في المستويات الدراسية الثلاثة، (الابتدائي والمتوسط والثانوي)، أخذت منحى آخر في المستوى الجامعي، وهو ما يشكّل حجر الزاوية لدى الأستاذة والمكوّنين في هذا القطاع الذي يتميّز بأنّه أكثر اتساعًا من حيث المادة النظرية الخام، وبالبحوث العلمية التي تتطلّب الكثير من التعامل الاتصالي الرقمي ذو الصبغة العالمية في زمن وباء كورونا، إذ باتت الجامعات الجزائرية متأخّرة جدًا في الرقمنة، يقول بعض أساتذة وكليات العلوم التكنولوجية على وجه خاص، حيث أنّ أغلبها لا تتوفّر على منصّات رقمية، وحتى وإن وجدت في الكثير من المؤسّسات الجامعية، إلا أنها "غائبة عن التداول كليًا".

هنا، تقول الأستاذة زهيرة لعظايمية من جامعة سوق أهراس لـ "الترا جزائر"، أنّ "الإنترنت والتعليم عن بعد يعتبر "كذبة كبرى في الجزائر، فالتعليم موجود كهياكل، لكنّه غير مفعّل ميدانيًا كعمليات يومية، من شأنها أن تنقص الجهد وتوفّر الكثير من المواد العلمية للطلبة، من جهة أخرى"، موضّحة بالقول إنّه "ليس هناك تعامل رقميّ، بل وأكثر من ذلك المنصّات التعليمة على توفّرها في الخارج، تعتبر نادرة التفعيل في الجزائر"، على حدّ تعبيرها.

بعيدًا عن الورق

بعيدًا عن المدرسة، طرحت أزمة فيروس كورونا أمام الجزائريين وخاصّة أمام السلطة السياسية الحاكمة، حقيقة أخرى في لغة الأرقام  والمدخلات والمخرجات، وخاصّة في المعاملات  البنكية والدفع الإلكتروني، واستبدال المعاملات بالأوراق النقدية، وتسهيل حياة للملايين من الجزائريين، خصوصًا بعد صدور قانون للدفع الإلكتروني لشراء السلع عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية منذ منتصف سنة 2018.

بالتجارب الحالية، على مستوى دفع الفواتير بالهاتف وعبر الإنترنت، كشف  مدير تجمع النقد الآلي مجيد مسعودان، في تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الرسمية أن "عمليات الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت، شهدت ارتفاعًا ملحوظًا منذ بداية تفشي وباء كوفيد-19 في البلاد، عل حدّ قوله.

ففي بداية الأزمة الوبائية، لاحظت المديرية أن التعامل المالي بالأنترنيت أصبح "مفروضًا على الجزائريين بسبب الحجر، إذ "يفضل كثير من الناس استخدام بطاقاتهم لتجنب الذهاب إلى البنوك أو فروع  شركة الكهرباء أو المياه".

وبالأرقام، كشف المصدر أن عدد عمليات الدفع عبر الإنترنت باستخدام البطاقة البينبنكية والبطاقة الذهبية لبريد الجزائر، بين 1 جانفي/كانون الثاني و 30 آذار/مارس، بلغ  441 ألف عملية، أيّ ما يعادل نصف عدد العمليات المسجلة في عام 2019 بأكمله.

رغم أهميّة الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت والمواقع الإلكترونية، وتسهيل يوميات الجزائريين، إلا أن هناك صعوبات جمّة تواجه المتعاملين، فمثلًا شركة الخطوط الجوية الجزائرية، لم تكن تقبل خدمة الدفع الإلكتروني على موقعها إلا قبل فترة قصيرة فقط، حسب تصريح مسعودان.

ثابت ومتغيرات المستقبل

على الرغم كل المتغيّرات الناجمة عن أزمة كورونا، إلا أن الثابت الوحيد الآن، هو اللجوء إلى تفعيل الحكومة الإلكترونية وتسهيل المعاملات الإدارية، وهو مشروع  قائم منذ سنوات ولم يتم تنفيذه بعد، خصوصًا على مستوى استخراج الوثائق أو دفعها.

إداريًا، يكشف الواقع أن بعض الوزارات لا تملك موقعًا إلكترونيًا لتوجيه المواطنين، ورغم امتلاكها صفحات فيسبوكية، إلا أنها غير تفاعلية، في مقابل أنها مازالت تستعمل الفاكس وأجهزة الاتصال القديمة، التي لم تعد تستجيب لتطوّر الحياة العامة.

رغم أهميّة الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت والمواقع الإلكترونية، إلا أن هناك صعوبات جمّة تواجه المتعاملين

"أن تصل متأخّرًا، أفضل من أن لا تصل أبدًا "، هذا ما يتّفق عليه الكثيرون، في مواجهة المشاكل التي تتخبّط فيها الجزائر خلال أزمة الفيروس، وغلق المدارس والجامعات ومختلف الإدارات العمومية، وإدارات الشأن العام، لكنه في مقابل ذلك يفتح الباب الآن لتزكية المشاريع المواكبة للتطور التكنولوجي، وتلافي ارتدادات أيّة أزمة مستقبلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مخاوف من الإعلام الإلكتروني في الجزائر

الصحافة الساخرة في الجزائر.. "تجارب بيضاء" و"مصائر سوداء"