29-سبتمبر-2023
البرلمان الجزائري

المجلس الشعبي الوطني الجزائري (السلام أونلاين)

يحلم زين الدين زداوغ وهو شاب ثلاثيني جزائري، بالاستثمار في مجال العملة الصعبة عبر تدشين مكتب صرف، خاصّة وأن القانون النقدي والمصرفي الجديد يتيح ذلك، إلا أنه يقف مكتوف الأيدي منذ أشهر، في انتظار صدور النص التطبيقي المحدد لهامش الربح وكيفيات البيع والشراء لدى هذه المكاتب، متسائلًا عن سر تأخّر المرسوم المؤطر للعملية.

لطالما شدّد نواب وخبراء وأخصائيون  على ضرورة التعجيل في الإفراج عن النصوص التطبيقية

ورغم الحجم الكبير والكم الهائل من القوانين الصادرة في الجزائر منذ بداية العهدة التشريعية الحالية، والتي تجاوزت الـ 50 نصًا، إلا أن عددًا كبيرًا منها يقارب النصف، لا يزال غير مجسد بنسبة مائة بالمائة بسبب تأخر نصوصه التطبيقية.

لطالما شدّد النواب والخبراء والأخصائيون وحتى القانونيين في الجزائر، على ضرورة التعجيل في الإفراج عن النصوص التطبيقية وألا تبقى هذه الأخيرة حبيسة أدراج الوزارات، خاصة وأن القانون يظل غير قابل للتنفيذ قبل صدور نصوصه التنظيمية.

فما الذي يجعل هذه النصوص معطلة في الجزائر رغم وعود الحكومة بالتعجيل في الإفراج عنها، وما تأثير ذلك على الاقتصاد والسياسة؟

النصوص التطبيقية

لا يزال 20 نصًا قانونيًا صادر خلال العهدة التشريعية التاسعة ينتظر إطلاق نصوصه التطبيقية، منها بعض المراسيم التنظيمية الجاهزة، التي توجد اليوم على طاولة الأمانة العامة للحكومة، والبعض الآخر قيد الإعداد لدى الوزارات.

إلى هنا، يقول النائب ورئيس الكتلة البرلمانية لحركة البناء الوطني عبد القادر بريش، إن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن وعدهم خلال لقاء جمعهم به بعد اختتام الدورة البرلمانية السابقة بإصدار كافة النصوص التطبيقية للقوانين الجديدة في أسرع وقت ممكن، وأكد أن صدور هذه النصوص سيكون خلال أسابيع، وكان ذلك شهر جويلية / تموز 2023.

وحسب تصريح النائب البرلماني لـ "الترا جزائر"، لا يزال زملاؤه بصفتهم ممثلين للهيئة التشريعية ينتظرون صدور النصوص، ويستعجلون السلطات في ذلك، بعد التأخّر الملحوظ الذي شهدته العملية.

في هذا السياق، استبق الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، عرض بيان السياسة العامة أمام البرلمان المنتظر نهاية الشهر كأقصى حدٍ، بتوجيه مراسلة إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني، تحتوي هذه الأخيرة تفاصيل النصوص التطبيقية والتنظيمية المتعلقة بـ 53 قانونًا صادرًا في الفترة التشريعية ما بين 2021 و2023 أي خلال العهدة النيابية الحالية، واعترف الوزير الأول بوجود 20 قانونا لا تزال نصوصه التطبيقية قيد الإعداد.

وحسب تفاصيل المراسلة الموجهة بتاريخ 10 أوت/ آب المنصرم إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني، تلقى النواب توضيحات حول كافة النصوص المؤطرة للقوانين، والصادرة خلال الفترة التشريعية الحالية، بما فيها تلك التي ينتظر النواب صدورها على غرار قانون الصفقات العمومية والقواعد المنظمة للمناطق الحرة والقانون النقدي والمصرفي.

كيف تصاغ النصوص التطبيقية؟

يقول النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني أحمد ربحي، إن النصوص التطبيقية للقوانين المصادق عليها من قبل البرلمان يفترض أن تصدر آليا بعد نشر هذه النصوص في الجريدة الرسمية، مضيفا "هذه الأخيرة يفترض أن تستغرق شهرين أو ثلاثة أشهر كأكثر تقدير كي تكون جاهزة".

وأوضح ربحي في حديث إلى "الترا جزائر" أن تجهيز النصوص التطبيقية تنضوي ضمن مهام الجهاز التنفيذي، فكل وزارة مسؤولة حسبه عن تجهيز هذه المراسيم التي تسهر مديرية التشريع على مستواها على استكمال إعدادها في وقت قصير، وهو عكس ما نراه اليوم، يقول المتحدث، مصرحا:" هذه مهمة المستشارين والملحقين بالديوان والمكلفين بالتلخيص وكذا إطارات الأجهزة المكلفة بالتشريع".

فكل قطاع وزاري مسؤول عن جاهزية النصوص التنظيمية التابعة له، في وقت قياسي لاسيما وأن القوانين اليوم باتت حبرا على ورق، في ظل تأخر صدور هذه النصوص، فأغلب المشاريع التي مرت على البرلمان خلال هذه العهدة، والتي تجاوزت 50 قانونا لا يمكن الحديث عن نجاعتها دون دخولها حيز التطبيق.

من جانب آخر، يرى ربحي أن تجهيز النصوص التطبيقية يجب أن يتم بعد المصادقة على القوانين، رافضًا المطالب الداعية إلى ضرورة إرفاق القوانين بالنصوص التنظيمية، بمجرد إحالتها على البرلمان على اعتبار أن رؤية الحكومة يمكن ان تتغير بناء على مقترحات وتعديلات النواب، قائلا: "الشروع في دراسة الآليات التنفيذية يجب أن يكون بعد الصدور الرسمي للقوانين".

أزمة تأخر النصوص التطبيقية

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الهواري تيغرسي أن تأخّر الحكومة في إصدار النصوص التنظيمية والتطبيقية دليل على عدم نضج القانون المعروض على البرلمان للتصويت والمصادقة.

وحسب تيغرسي فإن تأخير صدور هذه المراسيم في وقتها لأكثر من ستة أشهر رغم صدور القانون في الجريدة الرسمية، يجعل من هذه الوثيقة أي القانون عديم الفعالية لا سيما وأن 50 بالمائة من محتواه عبارة عن نظريات تحتاج إلى تفعيل عبر المراسيم التنفيذية، وهو ما شدد عليه رئيس الجمهورية يقول المتحدث، في عدة مناسبات من خلال تأكيده على ضرورة أن يكون كل قانون مصحوبا بمراسيمه التنفيذية.

ويشير المتحدث إلى أن أغلب القوانين المصادق عليها سنة 2023، لم تصدر مراسيمها التطبيقية إلى اليوم، مضيفًا "على سبيل المثال أين النصوص التطبيقية الخاصة بقانون الصفقات العمومية والقانون النقدي المصرفي، كما أن قانون الاستثمار لا جدوى له دون صدور قانون العقار الاقتصادي ومراسيمه".

ويرى الخبير أن المتصفح لبوابة الوكالة الوطنية للاستثمار يرى أن التسجيلات المدونة فيها ما هي إلا أسماء لمستثمرين يرغبون في التأسيس لمشاريعهم إلا أن غياب العقار يجعل منها مشاريع صورية دون فائدة".

كما يصف تيغرسي القانون الذي لا يزال في انتظار مراسيمه التطبيقية بالمعطوب، حيث أن القوانين التي لم تؤسّس بعد مراسيمها تظل غير ناضجة قائلا: "عندما يكتمل المرسوم يمكن الحديث عن القانون خاصّة وأن بعضها صدرت منذ أزيد من 10 سنوات غير أنها لم تطبق بسبب غياب المراسيم".

بالمقابل يرى  محدث "الترا جزائر"، أن التأخر في صدور المراسيم يجعل من السلطة التنفيذية تتحكم في كيفية التطبيق وترجئه في أحيان أخرى، خاصة وأن البرلمان الذي في الأصل يتمتع بدور رقابي يكون قد منح بذلك للجهاز التنفيذي صكا على بياض، لتنفيذ ما يراه مناسبا، فهذا الأخير لا يتحكم أو يراقب محتوى المراسيم التي قد تتعارض مع روح القانون.

ويعتبر تيغرسي أن التحكم في فعالية القوانين على أرض الواقع مرتبط بمدى وضوح المراسيم التطبيقية المرافقة له فالدستور الجزائري واضح حسبه، أي " لا قانون دون مراسيم تنفيذية".

ومن إيجابيات صدور المراسيم التطبيقية مباشرة بعد صدور القوانين، تفعيل النص مباشرة وتجسيده على أرض الواقع، لذلك اقترح المتحدث في هذا الصدد أن يحدد تاريخ لصدوره في شهر أو شهرين من صدور القانون في الجريدة الرسمية كأقصى تقدير.

الخبير الهواري تيغريسي: التأخر في صدور المراسيم يجعل من السلطة التنفيذية تتحكم في كيفية التطبيق

ويضرب تيغريسي مثالًا بقانون الاستثمار الذي صدرت مراسيمه التطبيقية مباشرة بعد صدوره غير ان التأخر في إعداد المراسيم المتعلقة بالقوانين ذات الصلة به أثر على سيرورة بعث عجلة الاقتصاد.