14-سبتمبر-2022
مصنع شركة رونو في الجزائر (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)

مصنع شركة رونو في الجزائر (تصوير: فاروق باتيش/أ.ف.ب)

رفض وزير الصناعة أحمد زغدار السبت تقديم تاريخ محدد لاستيراد السيارات أو الشروع في تركيبها أو تصنيعها بالجزائر، في تصريح جديد لا يخرج عن حالة الغموض التي تتبعها الحكومة بشأن هذا الملف الذي أصبحت طريقة معالجته لا تروق لوكلاء السيارات الذين ضاقوا ذرعا بالتسويف المتوالي في الرد على ملفاتهم لاستيراد المركبات، وهو ما دفهم للتهديد باللجوء إلى القضاء لحل هذا المشكل الذي قد يكون مفتاح لغزه في العودة إلى التركيب بدل التصنيع في أولى خطواته.

علامات السيارات التي أنشأت "مصانع نفخ العجلات" كما يطلق عليها البعض كانت تستورد أغلب قطع غيارها من الخارج

ووعد الرئيس تبون منذ وصوله إلى الحكم بعد انتخابات 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، في أكثر من مرة بمعالجة الاختلالات التي عرفها ملف تصنيع السيارات، والتي لم تكن حسبه إلا مجرد "نفخ للعجلات" في السنوات السابقة، ولم تكن على الإطلاق استثمارًا حقيقيًا لترقية هذه الصناعة بالبلاد، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق حتى اليوم وسط ارتفاع جنوني لأسعار المركبات، وقدم للحظيرة الوطنية للسيارات، وتصاعد ملفت في حوادث المرور.

تسويف جديد

وقال وزير الصناعة أحمد زغدار السبت الماضي  للصحافة ،عقب اجتماع مع المدراء المركزيين والمحليين لقطاع الصناعة جرى بولاية بومرداس إنه تم الشروع في التفاوض مع "شركات كبرى" لصناعة السيارات سوف يعلن عنها بعد صدور النصوص التطبيقية لقانون الاستثمار الجديد "في الأيام القليلة القادمة".

وأكد وزير الصناعة أن الحكومة "لم تقدم أي ترخيص لحد الساعة"، رابطًا مواعيد بداية هذا النشاط بمدى "تجاوب الشركات للشروط التي تفرضها الدولة بخصوص خلق صناعة حقيقية فعلية".

ولا يختلف التصريح الجديد لوزير الصناعة عن تصريحات سابقة له، ولمسؤولين آخرين صبت في مجملها حول ضبابية لا تزال تلازم هذا الملف الذي صار نقطة سوداء في أداء مختلف الحكومات المتعاقبة، بالنظر إلى إخفاقاتها المتتالية في إيجاد حل حقيقي لها.

وسبق لزغدار أن تحدث عن هذه "الشركات الكبرى" دون تقديم تفاصيل أو تاريخ أيضًا، ففي أيار/ماي الماضي لدى إلقائه كلمة بمناسبة اليوم الإعلامي المخصص للإطلاق الفعلي لنظام خطوط ومعدات الإنتاج التي تم تجديدها، كشف عن دخول شركات عالمية سوق صناعة السيارات في الجزائر.

وقال الوزير نفسه وقتها إن نسبة الإدماج المتعلقة بصناعة السيارات ستكون جد عالية، بالنظر إلى أن هذه السنة ستكون "اقتصادية بامتياز".

وبالنسبة لاستيراد السيارات، فقد أشار زغدار إلى أن قانون المالية يسمح باستيراد الأشخاص للسيارات، والأمر نفسه بالنسبة للشركات العمومية العاملة في مجال النقل، غير أن هذا الاستيراد يسير وفق الإجراءات السابقة التي لا تسمح لوكلاء السيارات بالاستيراد.

تنازل؟

جدد وزير الصناعة في تصريحه السبت الماضي ببومرداس أن قطاع الصناعة يسعى إلى أن تتم صناعة السيارات "بخطوات ثابتة صحيحة وبنسبة إدماج مقبولة"، وأضاف أنه من المنتظر السماح لشركات عالمية "دخول السوق في إطار عملية تركيب خلال السنة الأولى ثم تجسيد صناعة حقيقية خلال السنة الثانية".

وبما أن التفاصيل الجديدة لم تنشر بعد، فإن الحديث عن السماح بالتركيب في السنة الأولى قد يوحي بأن الحكومة قد تنازلت عن بعض شروطها السابقة، والتي وضعت التصنيع كأولوية، بما أن التركيب يعتمد في الغالب على الاستيراد في ظلّ غياب صناعة حقيقية لقطع الغيار بالجزائر.

وكان هذا المحور من أسباب فشل المحاولات السابقة، بالنظر إلا أن علامات السيارات التي أنشأت "مصانع نفخ العجلات" كما يسميها الرئيس تبون، كانت تستورد أغلب قطع غيارها من الخارج، ولم تعمل على إنشاء فروعا لها في هذا المجال بالجزائر، أو الاستفادة من شركات مناولة محلية، أو تعاقدت على إمكانية التصدير إلى الدول الأفريقية.

وإن كان قرار الانطلاق بالتركيب في  المرحلة الأولى مقبولًا اقتصاديًا لسوق لم تعرف سابقًا نشاطًا حقيقيًا في مجال تصنيع السيارات، إلا أنه يبعث في الوقت ذاته مخاوف من تكرار التجربة السابقة، بالنظر إلى عدم التزام مختلف المصانع السابقة بدفتر الشروط الذي كان ينص على الانتقال إلى مرحلة إدماج تتعدى 30 % في المرحلة الثانية، وهو ما لم يتم مطلقًا.

ويرجح أن هذه الخطط هي من  شجعت شركة "رونو" الفرنسية على استئناف نشاطها مجددًا الشهر المقبل، وفق ما نقل موقع "أوتوبيب" الذي أشار إلى أن مصنع رينو للإنتاج (RAP) المتواجد بوادي تليلات بوهران  يستعد لاستئناف نشاطه من جديد ابتداءً من السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2022، وذلك بعد موافقة " استثنائية" من طرف وزارة الصناعة لرفع التجميد عن قطع التركيب "SKD" وتسريحها من الموانئ.

ورغم أن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر شهر آب/أوت المنصرم وانتقل فيها إلى وهران، لم تتضمن إعلانًا رسميًا حول بحث الطرف الفرنسي مع المسؤولين الجزائريين ملف مصنع "رونو"، إلا أن هذا الاستئناف يوحي بأن الملف كان ضمن المباحثات.

وتحدث موقع "أوتوبيب" عن استئناف مصنع رينو بوهران عمله بتركيب 900 سيارة، دون الحديث عن تصنيع حقيقي، وهو ما يرفع من مخاوف تكرار التجربة السابقة، لأن الشركة الفرنسية تجاوزت مرحلة السنة الأولى التي يسمح فيها بالتركيب، وهي مطالبة اليوم بتصنيع حقيقي في البلاد.

عدم تحمس

يوحي كلام وزير الصناعة السبت الماضي بأن الحكومة ليست متحمسة لفكرة استيراد السيارات التي كانت مطروحة في السنوات الماضية بعد تجميد عمل "مصانع نفخ العجلات"، بالنظر إلى أن زغدار اقتصر في حديثه عن استيراد السيارات على الأشخاص والمؤسسات العاملة في مجال النقل.

وينافي التأخير في إصدار شروط عمل وكلاء السيارات ما أمر به الرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ  الخامس من كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، والذي شدد وقتها على ضرورة "المراجعة الفورية لدفتر شروط استيراد السيارات، والإسراع في الإعلان عن الوكلاء الذين يحوزون على الموافقة"، وهو ما قد يؤكد التخلي عن فكرة الاستيراد إن لم كن حاليا فلاحقا.

وبدوره، كان  وزير الصناعة قد أعلن في الثامن كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، الانتهاء من إعداد دفتر شروط جديد لاستيراد السيارات نهاية كانون الأول/جانفي 2022 مع تسليم اعتمادات فورية للوكلاء المعنيين، وهو ما لم يتم حتى اليوم.

وما يؤكد هذه الرأي، هو تأخّر الوزارة في الرد على  بالإيجاب أو السلب على الملفات التي تقدم بها وكلاء السيارات  لاستيراد المر كبات.

 وقال تكتل وكلاء السيارات إن "كل هذا التأخير الحاصل لم يعد له أي تفسير يصب في مصلحة الاقتصاد الجزائري، وعلى هذا سيشرع التكتل في دراسة استرجاع حقوق الوكلاء عبر السبل القانونية".

وأضاف الوكلاء "نذكر الوزارة والرأي العام مرة أخرى أننا كوكلاء رسميين تجمعنا عقود ومواثيق جاهزة مع شركائنا المصنعين الأجانب، وخريطة الطريق محضرة مسبقًا، وخطة العمل مرسومة بإستراتيجية محكمة وأهداف واضحة تناسب تمامًا رؤية الوزارة، وهو الأمر الذي يمكننا من الانطلاق مباشرة في المشاريع دون العودة إلى النقطة صفر".

الحكومة مطالبة بالإسراع في حل مشكلة استيراد السيارات بعد مرور عام عاى تعهدات الرئيس

وقبل أشهر معدودة من مرور عام على تعهد الرئيس تبون بحل ملف السيارات، ما يفرض على الحكومة خاصة بعدما نجا وزير الصناعة من مقصلة التعديل الحكومي الإسراع بحل هذه المشكلة التي صارت محلّ انتقاد من العام والخاص في البلاد.