30-مايو-2022

معرض السيارات بقصر المعارض في الجزائر العاصمة (تصوير: فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

استبشر الجزائريون  مطلع السنة الجارية خيرًا، بوعود رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حينما تحدّث عن طي أزمة السيارات في السوق الوطنية، وإنهاء ندرة عمّرت لأزيد من ثلاث سنوات قبل 31 آذار / مارس 2022، حيث صرّح الرئيس في حوار سابق مع الصحافة الوطنية بتاريخ 15 شباط/فيفري 2022 أن تفكيك الملف سيكون قبل نهاية الثلاثي الأول للسنة الجارية.

تشهد الحظيرة الوطنية تآكلًا حادًا للمركبات السياحية والنفعية ونقصًا غير مسبوق في قطع الغيار والآلات المتحركة والجرارات والحافلات والدرّاجات النارية

اصطدمت هذه التصريحات، حسب متتبعين، بجهات حاولت عرقلة تجسيدها أو على الأقلّ إبطاء سيرورة العملية، لتبقى إجراءات التنفيذ تراوح نفسها، حيث صرح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في حواره الأخير للصحافة الوطنية نهاية شهر تموز/جويلية 2022 بأن الجزائر ستتجه قريبًا نحو التصنيع، بالشراكة مع الإيطاليين "الأصدقاء المتفوقون في هذا المجال".

وفي وقت يتخوّف الجزائريون من "سنة بيضاء" دون سيارات في السوق الوطنية للعام الرابع على التوالي، سواء المستوردة أو المركّبة محليًا، تشهد الحظيرة الوطنية تآكلًا حادًا للمركبات السياحية والنفعية ونقصًا غير مسبوق في قطع الغيار والآلات المتحركة والجرارات والحافلات والدرّاجات النارية، وسط رفض سياسي غير مفهوم لعودة الاستيراد، وارتفاع الأسعار بنسبة 200 بالمائة مقارنة مع سنة 2017، وفقا لمهنيين.

https://www.youtube.com/watch?v=gbE132V1v4s

ومما لا شكّ فيه، أن الوكلاء المحتملين قاموا بإيداع 75 ملفًا على طاولة اللجنة التقنية المكلفة بفرز ودراسة الطلبات والفصل فيها على مستوى وزارة الصناعة، والتي تضم ممثلي أربع وزارات، وهي المالية والصناعة والمناجم والطاقة والتجارة لم يتم لحد الآن الرد إيجابًا أو سلبًا على هؤلاء، ما عدا تسعة تحفظات تم توجيهها بشأن بعض الملفات، التي أكّد أصحابها أنهم قاموا بتسويتها وينتظرون رد السلطات منذ مطلع شهر أيلول /سبتمبر 2022، ولم يستوعبوا هذه القطيعة والصمت حسبهم من طرف الجهات المعنية.

وتؤكد رسالة صادرة بتاريخ 23 أيار/ماي 2022 موجّهة من طرف تجمع وكلاء السيارات المحتملين؛ أي المودعين لطلبات استيراد لدى وزارة الصناعة ـ إلى الرأي العام، تلقت "الترا جزائر" نسخة عنها، أن العجز المسجل في المركبات في السوق الوطنية سيبلغ شهر حزيران/ جوان الماضي، 700 ألف سيارة، كما ستكون السلطات الجزائرية ملزمة ـ وفق ذات الرسالة ـ باستيراد 400 ألف سيارة سنويًا إلى غاية تحقيق التوازن في السوق التي تشهد تجميد الاستيراد منذ سنة 2018، أي قبل خمس سنوات ووقف التركيب منذ أربعة أعوام.

من يعطّل الملف؟

ويتساءل متابعون عن سبب تعطّل الملف، الذي استهلك منذ شهر آب/ أوت 2020 قرابة ثلاث سنوات من الدراسة والتمحيص دون نتيجة ملموسة، كما تداول على رأس قطاع الصناعة منذ ذلك الوقت ثلاثة وزراء وهم الوزير الأسبق فرحات آيت علي الذي وقّع على المرسوم التنفيذي المنظم لاستيراد السيارات رقم 20 ـ 227 الصادر بتاريخ 19 آب/أوت 2020، وأعقبه على رأس القطاع الوزير محمد باشا الذي عدّل دفتر شروط الاستيراد عبر مرسوم جديد صادر بتاريخ 15 أيار/ماي 2021، وتقرر بعد ذلك في مجلس الوزراء شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021 برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعديل دفتر الشروط مرة أخرى، وكلّف وزير الصناعة أحمد زغدار بمتابعة الملف، إلا هذا الدفتر لم ير النور لحد الساعة، وسط غموض كبير بشأن ملف السيارات.

ويعتقد الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنه لا وجود لسبب واضح لمنع استيراد السيارات ماعدا رغبة السلطات في الاحتفاظ بالعملة الصعبة واحتياطي النقد في خزائنها، بدل إهداره في جلب مركبات من الخارج ستزيد من استهلاك الوقود والاكتظاظ في الطرقات، وتتحوّل إلى عبء إضافي على الخزينة، وحتى على الحظيرة التي شهدت تشبعًا بالمركبات في سنوات خلت، إلا أن هذه "الشماعةّ" يقول سواهلية لم تستمر طويلًا، حيث أنه بارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق الدولية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضًا بتضاؤل حظيرة السيارات وتآكل عددٍ كبير ٍمن المركبات جراء اهترائها وارتفاع عدد حوادث المرور أصبح الاستيراد اليوم أكثر من ضرورة، يقول المتحدث.

أما من جهته عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني الشعبي العيد لخضاري، فيرى أن سبب تعطل الملف هو قضايا الفساد التي لازمت عملية تركيب السيارات في الجزائر في الفترة الممتدة بين سنوات 2015 و2019، والتي تم إماطة اللثام عنها بعد سقوط النظام السابق، وحظيت وقتها بتسمية فضيحة "نفخ العجلات" في مصانع كان يُفترض أن تكون للتركيب وتتحوّل تدريجيًا للتصنيع، معتبرا أن التخوّف من تكرار نفس سيناريو الفساد، أو إدانة إطارات قطاع الصناعة بعد منح الرخص والاعتمادات واتهامهم بتوزيعها بطرق غير نزيهة وراء التخوّف اليوم من أخذ هذه الخطوة.

وأضاف المتحدث: "يجب الخروج اليوم من هذه القوقعة ومنح الرخص لمن يستحق ودون ولاءات أو محسوبية، فالوضع أصبح لا يطاق والسوق الوطنية بحاجة لسيارات جديدة".

ويقول لخضاري أنه وجه سؤالًا شفهيًا لوزير الصناعة أحمد زغدار، بخصوص هذه القضية، حيث ردّ بدوره بأن مصالحه بصدد إعداد دفتر شروط جديد ينظّم العملية، وبالمقابل يعلّق تجمع وكلاء السيارات على هذه التصريحات عبر رسالة تلقت "الترا جزائر" نسخة عنها بأن سبب عدم الإفراج عن رخص استيراد السيارات لحد الساعة، هو غياب إرادة سياسية في فتح مجال استيراد المركبات في الظرف الراهن.

مخاطر الاستيراد الموازي

وتحذّر ذات الرسالة من الصيغ غير الشرعية المعتمدة لاستيراد السيارات، سواء عبر استقدامها من طرف وكلاء أجانب من أوروبا ودول الخليج، والذين يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لعروضهم، وشحنها عبر الموانئ لتصل للمواطن بضعف سعرها أو حتى تلك المستوردة عبر رخص المجاهدين.

ويؤكد تجمع وكلاء السيارات أن هذه الأطراف استغلت غياب استيراد رسمي قانوني، لتحقّق أرباحًا طائلة، نتيجة تضاعف الطلب على المركبات في السوق الجزائرية محذّرة من توّرط الوكلاء الأجانب في تحويل العملة بطرق غير شرعية وتضخيم الفواتير، وغياب خدمات ما بعد البيع والضمان، وعدم تناسب هذه السيارات مع طبيعة الوقود الجزائري، بسبب تصنيعها خصيصًا للسوق الأوروبية.

كما يحذّر من الاستيراد عبر رخص المجاهدين، والتي تستغل لتمرير سيارات مغشوشة وبوثائق مزوّرة في الكثير من الأحيان، إلى السوق الوطنية، وجلب قطع غيار مقلّدة، وهو ما يطرح العديد من المشاكل والعراقيل مستقبلًا، ويهدّد برفع نسبة حوادث المرور.

ويرد الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية بخصوص لجوء العديد من الجزائريين إلى هذه الطرق للاستيراد، في ظل الغلق الرسمي للعملية، بأنها مكلّفة جدا وغير مضمونة النتائج، وغير خاضعة للرقابة.

عودة التركيب.. حقيقة أم سياسة؟

وبالموازاة مع تصريح وزير الصناعة أحمد زغدار، بتاريخ 22 أيار /ماي 2022، والذي أكد وجود عدد من المتعاملين الأجانب الذين يرغبون في الدخول للاستثمار في سوق السيارات الجزائرية، يعترف رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عادل بن ساسي في تصريح لـ "الترا الجزائر" بقدوم عدد من المستثمرين الأجانب في مجال السيارات والصناعة الميكانيكية، الراغبين في الاستثمار في الجزائر في مجال التركيب والتصنيع، ويعادل عددهم ثلاثة مُصنّعين عالميين، قال إنهم مستعدين لإيداع ملفهم بعد صدور قانون الاستثمار الجديد، وموافقين على كافة الشروط، حيث تم عقد لقاء معهم بالمجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات، بحضورممثلي بورصة المناولة ـ هيئة صناعية تحت وصاية وزارة الصناعة ـ، وأكد هؤلاء أنهم لا يبحثون عن الامتيازات بقدر ما يريدون تخفيف الإجراءات الإدارية والوثائق.

ويطلب عضو لجنة المالية العيد لخضاري، توضيح رؤية الحكومة حول هذا الملف، وإذا كانت هذه الأخيرة تبحث عن الاستيراد، وهو ما يوحي به تخصيص لجنة لدراسة محاور دفتر الشروط الجديد المنظم للنشاط، أو التركيب خاصة وأن الوزير تحدّث مسبقًا عن عودة قريبة لمصانع التركيب في الجزائر أو التصنيع وهو ما يرى المتحدّث أنه غير ممكن في الظرف الراهن بسبب غياب مصانع المناولة، مضيفا "بعض التصريحات بخصوص ملف السيارات تحمل طابعًا سياسيًا أكثر منه اقتصاديًا، وهو ما عقّد الوضع بشكل أكبر".

في هذا السياق، تؤكد رسالة تجمّع وكلاء السيارات أنه "يستحيل تصنيع سيارة جزائرية قبل سنة 2027"، وتضيف "من الشائك جدًا العودة إلى ملف التركيب في القريب العاجل"، داعية إلى فتح أبواب الاستيراد لتوفير حاجيات السوق مؤقتًا ثم الذهاب نحو التصنيع خطوة بخطوة.

6 مراسلات دون جدوى

وخلال الفترة الممتدة بين أشهر آب/ أوت 2021 وأيار/ ماي 2022، يؤكد وكلاء السيارات المحتملين، توجيههم عبر التجمع المنضوين فيه ستة رسائل تطلب توضيحات والمسارعة في الإفراج عن حلول لملف السيارات لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ووزير الصناعة، إلا أن هذه الأخيرة لم تلق ردًّا ملموسًا لحد الساعة، وهو ما يجعل عددًا كبيرًا منهم يفكّر في الابتعاد عن النشاط الذي كلف كل متعامل ما لا يقل عن 100 مليار سنتيم لتجهيز المنشآت خلال الفترة الماضية، دون جدوى، وفق الرسالة ذاتها.

يبقى ملف السيارات أحد أهم القضايا التي يُفترض إيجاد حل لها عشية التحضير لإطلاق قانون الاستثمار الجديد

ويبدو أن سنة 2022 ستمر دون مركبات جديدة في السوق الجزائرية، حيث لم يعد يفصلنا أزيد من أربعة أشهر عن نهاية العام، فما تبقى من الوقت لا يكفي لا للاستيراد ولا التركيب ولا للتجميع، ولا حتى لبداية تجسيد مشروع جديد، ليدخل الجزائريون بداية من سنة 2023 عامهم الخامس دون مركبات، متسائلين عن اللغز الذي يقف وراء تجميد الاستيراد.