14-يونيو-2019

معرض السيارات بقصر المعارض في الجزائر العاصمة (تصوير: فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

مؤخّرًا، وجّهت إدارة الجمارك الجزائرية إخطارًا إلى مصانع تركيب السيارات تُطالبهم بـ تقليص فاتورة استيراد التجهيزات والغيار الذي يدخل في صناعة المركبات، في أوّل إجراءٍ يضع حدًا لتآكل احتياطي الصرف، والفشل الذريع في خفض أسعار السيارات في الجزائر، عكس ما كان منتظرًا.

بعد مرور خمس سنوات، منذ بداية تسويق سيارات "رونو" الفرنسية، المركّبة محليًا، يُجمع متابعون على فشل هذا المشروع 

مشروع إنشاء مصانع تركيب السيارات في الجزائر، الذي أطلقته حكومة الوزير الأسبق عبد المالك سلال، تجسّد في تركيب أوّل "سيارة جزائرية" في نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2014.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير البنك العالمي..احتياطي الصّرف في الجزائر يتآكل

نفخ العجلات

بعد مرور نحو خمس سنوات، منذ بداية تسويق سيارات "رونو" الفرنسية، المركّبة محليًا، بمصنع واد تليلات في محافظة وهران غربي البلاد، يُجمع كثير من المتابعين على فشل هذا المشروع في تحقيق الأهداف المرجوة منه، وأصبحت مصانع تركيب السيّارات في الجزائر تُعرف بـ "مصانع نفخ العجلات"، نظرًا لأن هذه المنشآت لا تصنّع نسبة معيّنة من قطع الغيار كما هو معمول به في بعض الدول مثل المغرب، وتكتفي فقط بالتركيب.

 هنا، لا يتردّد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش كغيره من الجزائريين بوصف صناعة السيارات في الجزائر بـ"الكذبة الكبرى" التي أطلقتها الحكومة، مبرّرًا ذلك، أن هذا القطاع لم يُبن على أسس اقتصاد السوق الحقيقية، التي كانت كفيلة بخفض أسعار المركبات، وتقلّل من عجز الميزان التجاري لقطاع السيارات على حدّ تعبيره.

 

 

خطوة أولى

في هذا السياق، اعتبر حميدوش في حديث إلى "الترا جزائر"، أن القرار المتّخذ مؤخرًا بتخفيض فاتورة استيراد أجزاء وقطع الغيار التي تدخل في صناعة السيارات، هو بداية السير في الطريق الصحيح لتطوير هذا المجال، وفق قواعد اقتصاد السوق المتعارف عليها.

نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، أن المديرية العامة للجمارك تلقت إخطارًا من وزارة الصناعة والمناجم، تطلب فيه إعلام أربعة من مصنعي السيارات بتخفيض فاتورة استيراد قطع الغيار في 2018، والتي حُدّدت بـ600 مليون دولار لشركة "رونو" و360 لـ علامة "هيونداي" التي يملكها رجل الأعمال محي الدين طحكوت، و600 مليون دولارًا أيضًا لشركة "سوفاك" المختصّة في العلامات الألمانية لمالكها مراد عولمي، إضافة إلى 380 مليون دولارًا لشركة غلوفيز الممثلة لعلامة "كيا".

وجاء هذا القرار، بعد أن أشارت الإحصاءات إلى بلوغ تكلفة استيراد أجزاء السيارات مبلغ 1.234 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من 2019، في مقابل 1.025 مليار دولار سجلتها الاحصائيات في الفترة ذاتها من السنة الماضية.

ويرى مراقبون، أنّه لا يُمكن الحديث عن صناعة سيارات حقيقية والبلد لا يضمن توفير 40 في المائة من قطع غيار السيّارات المركبّة محليًا، داعين إلى أن يكون قرار تخفيض الاستيراد، متبوعًا بتسهيلات إدارية واستثمارية للمهتمّين بهذا المجال، ومنح قروض لشركات المناولة المحليّة لصناعة قطع الغيار.

خسائر معتبرة

على أرض الواقع، كانت تجربة صناعة السيارات خلال السنوات الخمس الماضية، سلبية على كل المستوياتّ؛ حيث أدّى ظهور هذه المصانع إلى ارتفاع جنوني لأسعار السيارات، وحرمان المواطنين من استيراد سيارات مستعملة أقل من ثلاث سنوات من الخارج بسبب قوانين صيغت على مقاس أصحاب مصانع التركيب.

تقارير إعلامية واقتصادية، أجمعت على أن مصانع التركيب التي أُنشأت حتى اليوم، رفعت سعر المركبات إلى أضعاف الأسعار التي كان يدفعها المواطن سابقًا، وانعكس ذلك أيضًا على الخزينة العمومية التي فقدت ملايير الدولارات، بإعفاء المصنّعين أو المركّبين كما يصفهم الشارع، من الرسوم الجمركية، ما جعل فاتورة استيراد السيارات أقلّ خسارة من تصنيعها محليًا.

وتُظهر إحصاءات الجمارك؛ أن فاتورة استيراد مجموعة الأجزاء الموجّهة للصناعة التركيبية للسيارات، قد تجاوزت 3.37 مليار دولار سنة 2018، بعدما كانت في حدود 2.2 مليار دولار سنة 2017.

العام الماضي، أطلق جزائريون حملة "خليّها تصدّي" أو دعها تصدأ، الداعية إلى مقاطعة شراء السيارات المركّبة في الجزائر، وحظيت الحملة باهتمام واسع في الشارع الجزائري، وأدتّ إلى خفض نسبي لأسعار المركبات، إذ جاءت هذه الخطوة، بعدما نشرت وزارة الصناعة الأسعار الحقيقية للمركبات المنتجة محليًا.

 

 

فتح المجال للمنافسين

قراءات في الوضع، تُشير إلى أن الشروع في تصنيع قطع غيار السيّارات في الجزائر وتصديرها إلى الخارج، واستيراد السيارات الجاهزة، أفضل بكثير من الاستمرار في انتهاج سياسية صناعية مبنية على تقليص كميّات السيّارات المركّبة في السوق، بالنظر إلى أن تخفيض المعروض مقابل ارتفاع الطلب حسب ما هو واقع اليوم، يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار لا محالة.

يؤّيد مواطنون، دعوات حكومية إلى إعادة فتح باب استيراد السيارات المستعملة لأقل من ثلاث سنوات، كونه سيساهم في عودة الأسعار إلى مستواها الحقيقي، ويلغي تحكّم أصحاب مصانع تركيب السيّارات في الأسعار.

درست الحكومة شهر ماي/ أيار الماضي، ملف استيراد السيارات المستعملة بهدف تقليص ميزان المدفوعات الخاص بأجزاء تركيب السيارات.

إلى تحقيق هذه الدعوات، التي يراها أستاذ التعليم المتوسّط صالح علي، السبيل الوحيد لإمكانية اقتنائه سيارة تتناسب مع راتبه الشهري المتوسّط، يقول في حديث إلى "الترا جزائر".

امتصاص الحراك الشعبي

إسقاط موضوع فتح مجال استيراد السيّارت الأقل من ثلاث سنوات المطروح من طرف الحكومة، على الوضع السياسي الذي يشهد حراكًا شعبيًا في الشارع، يقدّم تفسيرًا، بأن التحقيقات التي تُجريها العدالة اليوم مع بعض ملاك مصانع تركيب السيارات، هو بداية لتطهير هذا القطاع من السماسرة والمحتكرين.

في هذا السياق، أمر قاضي التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد بالعاصمة الثلاثاء الماضي بإيداع رجل الأعمال محي الدين طحكوت صاحب مصنع علامة "هيونداي" في الجزائر الحبس المؤقّت، بعد أن وُجّهت له تهمٌ تتعلّق بالفساد والحصول على صفقات بغير وجه حقّ.

أودع رجل الأعمال محي الدين طحكوت صاحب مصنع علامة "هيونداي" في الجزائر الحبس المؤقّت بتهمٍ متعلّقة بالفساد

كما شرعت الخميس الماضي، مصالح الدرك الوطني في التحقيق مع مراد عولمي صاحب شركة "سوفاك" التي تقوم بتركيب السيارات الألمانية في الجزائر.

وفي انتظار، ما ستحمله الأيّام القادمة لقطاع السيّارات في الجزائر، يؤكّد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش في حديث إلى "الترا جزائر"، أن تطبيق الإجراءات الجديدة، وفتح السوق للجميع سيشكّل امتحانًا حقيقيًا، يسمح إن تم تنفيذه وفق رؤية اقتصادية حقيقية، بدخول نادي مصنّعي السيّارات في القريب العاجل، وتصحيح العثرات التي ارتكبت في السنوات الخمس الماضية على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اعتقال أغنى رجل في الجزائر.. عدالة انتقالية أم انتقائية؟

"توتال" الفرنسية والبترول الجزائري.. هل أصبحت القضيّة سياسية؟