11-أكتوبر-2019

داخل مصنع شركة "رونو" لتركيب السيارات في الجزائر (تصوير: فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

استبعدت عدّة علامات لتركيب وتصنيع السيّارات في الجزائر، فكرة مغادرة البلاد، بسبب إيداع شركائها المحلّيين من رجال الأعمال الحبس المؤقّت، في قضايا فساد وتجميد أرصدتهم، إضافة إلى الإجراءات "التقشّفية" التي اتخذتها الحكومة، مقلّصة من حصص استيراد أجزاء المركبات، وفتح المجال للمواطنين أمام استيراد السيّارات المستعملة من الخارج.

أكدت شركة "رونو" الجزائر، عدم تسريحها للعمال رغم توقّف الإنتاج خلال الشهرين الأخيرين من سنة 2019

وتوقّع متابعون فشل تجربة تصنيع السيارات في الجزائر، بعد أن أبانت التحقيقات الأولية تورّط رجال الأعمال الذين شاركوا العلامات العالمية، تحت بند القاعدة الاقتصادية 51/49 في قضايا فساد، وهم محي الدين طحكوت صاحب علامة "هيونداي" الكورية، وحسان العرباوي ممثل علامة "كيا"، ومراد عولمي وكيل "فولسفاغن" وعلامات ألمانية أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: استيراد السيارات المستعملة.. بين التبرير الاقتصادي والدواعي السياسية

"رونو" باقية

في أيلول/سبتمبر الماضي، ذكرت عدّة صحف جزائرية، أن مصنع "رونو" الكائن مقرّه بواد تليلات بولاية وهران غربي البلاد، سيوقّف نشاطه في تشرين الأول/أكتوبر، ويغلق نهائيًا في تشرين الثاني/نوفمبر، بسبب نفاذ كميات أجزاء السيارات التي حدّدتها السلطات، بألا تتجاوز الكمية المستوردة منها عن قيمة 600 مليون دولار، بهدف تشجيع صناعة قطع غيار السيارات محليًا.

 لكن الشركة سرعان ما كذّبت الخبر على لسان أحد مسؤوليها، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، رغم اعترافه باحتمال نفاد مخزون مجموعة الأجزاء الموجّهة لتركيب السيّارات (آس كا دي- سي كا دي)  بداية الشهر المقبل.

وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، "نحن على وشك استنفاد مخزوناتنا من مجموعة الأجزاء الموجّهة لتركيب السيّارات (أس كا دي-سي كا دي)، وسلسلة الإنتاج توشك أن تعلق ابتداء من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بسبب عدم توفر هذه المواد بعد استنفاد الحصص المسموح لنا بها، لكن نستبعد غلق المصنع لأن الإنتاج سيستأنف مع وصول الحصص الجديدة ربما مع  بداية 2020".

في هذا السياق، أكدت شركة "رونو" الجزائر، عدم تسريحها للعمال رغم توقّف الإنتاج خلال الشهرين الأخيرين من سنة 2019، مشيرةً إلى أنها ستبحث عن حلول بديلة منها إعادة توزيع الموظفين في فروع أخرى للعلامة الفرنسية.

وأضاف المصدر ذاته: "نحن نحاول تفادي تعليق النشاط، هناك عدّة احتمالات ممكنة، مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة توزيع الموظفين خلال فترة صيانة مرافق المصنع، وكذا فرض عطل إجبارية خلال شهر كانون الأوّل/ديسمبر، غير أننا نستبعد نهائيًا احتمال تسريح العمال".

التوجّه نحو التصنيع

 بعد "رونو"، جاء الدور على علامة "كيا" الكورية، التي يوجد شريكها في الجزائر حسان عرباوي، رهن الحبس المؤقّت بالحراش شرق العاصمة الجزائر، بتهم تتعلق بتبييض أموال واختلاس أموال عمومية، والحصول على امتيازات غير مستحقّة، فقد أعلن الرئيس المدير العام لـ"كيا موتورز" كوربورايشن في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، كيم هيونغ كيونغ، اختيار الجزائر لاحتضان أحدث مصنع للسيارات في إفريقيا والشرق الأوسط، باعتماد نظام التصنيع الحديث "FULL CKD".

وأضاف كيم، أنّ هناك "تقدّمًا سريعًا في تصنيع قطع ولواحق السيارات بهدف الوصول إلى نسبة إدماج عالية والاستثمار في الشباب وضمان التكوين المتميز عن طريق جلب التكنولوجيا إلى الجزائر آفاق سنة 2020"، ما يعني أن العلامة الكورية مصرة على البقاء في السوق الجزائرية وعدم مغادرتهم رغم حبس شريكها المحلي.

وأوضحت شركة "كيا" أن اختيارها لشريكها "قلوفيز" التابع لمجمع "غلوبال" الذي يملكه حسان عرباوي، كانت "لأسباب تجارية بحتة، وفقا للمعايير المعمول بها دوليًا، ولم نتعرّض مطلقًا لأيّ ضغط في اختيار هذا الشريك".

وتُحاول العلامة الكورية بهذا الخطوة التغلّب على الإجراء الحكومي القاضي بعدم تجاوز استيراد أجزاء السيارات عتبة 600 مليون دولار سنويُا، بالتوجّه نحو تصنيعها محليًا لعدم توقّف الإنتاج في مصنعها بولاية باتنة شرقي البلاد.

سوق مربحة

رغم تهمة الفساد التي لحقت علامات السيارات المختلفة عبر شركائها المحليين، تتمسّك هذه المؤسّسات بالبقاء في السوق الجزائرية التي دخلتها بتسهيلات خيالية، تمثلت في الإعفاء الضريبي والجمركي على مستورداتها وامتيازات في منع العقار الصناعي، وهو ما جعل مشاريعها رابحة على كل الجوانب، خاصّة الشركة الفرنسية "رونو" التي كانت أوّل علامة تدخل مجال تركيب السيّارات في البلاد عام 2013، بتسهيلات لم تستفد منها حتى العلامات التي دخلت مجال التركيب بعدها.

ووصل الطلب الجزائري على السيّارات إلى أكثر من نصف مليون مركبة سنويًا، ففي عام 2013، تم توريد 513566 سيّارة من مختلف العلامات المطلوبة إلى الجزائر، حين كان الاستيراد مفتوحًا دون تقييد بالرخص، التي حدّدت بعد ذلك لوكلاء السيّارات الحصص المسموح لهم باستيرادها.

وما يُبقي السوق الجزائرية مغرية لعلامات السيارات، هو أن الطلب يتزايد على منتوجاتها كل عام، وهو ما يتجلّى في أن معظم مصانع السيّارات في الجزائر توجد لديها طلبات مسبقة على السيّارات، خاصّة بعد تجميد استيراد السيارات الجديدة أو المستعملة من الخارج من طرف الحكومة.

 يبدو أن جميع شركات تركيب السيّارات تتمسّك بالبقاء في الجزائر رغم التحذيرات

 يبدو أن جميع شركات تركيب السيّارات تتمسّك بالبقاء في الجزائر، رغم المخاوف التي أطلقها خبراء بعد حبس شركائها من رجال الأعمال، بالنظر إلى أنّ إلزامية الشريك المحلّي المفروض على علامات السيارات الناشطة في الجزائر، سيتم التخلّي عنه بإلغاء المادّة 51/49 في قانون المالية 2020.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تركيب السيارات في الجزائر.. 5 سنوات من "النفخ"

ركود وتجميد لمشاريع قطاع الاتصالات.. الجيل الخامس في المزاد!