22-فبراير-2024
معبر تندوف

المعبر الحدودي البري بتندوف (الصورة: فيسبوك)

تستعدُّ الجزائر لإطلاق مناطق للتبادل الحر مع خمس دول أفريقية مجاورة بغية تعزيز المبادلات التجارية البينية مع هذه الدول، وتدارك التأخر المسجل في ولوج السوق الأفريقية، فما هي الفوائد التي ستجنيها من خلال إنشاء هذه المشاريع؟ وما هي العوائق التي تقف في وجه تحقيق الأهداف المرجوة منها؟

الخبير الاقتصادي مراد كواشي: فشل تجارب سابقة خاضتها الجزائر في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية للتبادل الحر، وخيبة بريكس جعلها تحاول الاستفادة من أخطاء الماضي، والتوجه نحو "اقتصاد المعابر"

وأصبحت عودة الجزائر إلى الساحة الأفريقية على كل المستويات السياسية والاقتصادية تشكل أولوية للحكومة الباحثة عن الحفاظ على ثقلها أكثر في منطقة أصبحت اليوم محل تنافس دولي من قبل مختلف القوى العالمية الكبرى.

خطوة جديدة

أعلن الرئيس تبون الأسبوع الماضي في كلمة  ألقاها افتراضيًا خلال مشاركته الاجتماع الـ41 للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي (نيباد) أن "الجزائر ستعرف في 2024 إنشاء مناطق حرّة للتبادل بينها وبين أشقائها، بداية بموريتانيا الشقيقة، ثم دول الساحل، مالي والنيجر ، بالإضافة إلى دولتي تونس وليبيا".

ويتضح من خلال هذا الإعلان أن المشاريع ستشمل كل دول الجوار عدا المغرب بسبب قطع العلاقات بين البلدين، فحتى مالي التي مرت العلاقات بين البلدين بفترة توتر جراء إعلان المجلس العسكري الحاكم في بماكو الانسحاب من اتفاقية الجزائر 2015 للأمن والسلم موجودة ضمن هذه الإستراتيجية الوطنية.

ويأتي هذا الإعلان ليؤكد ما بحثه مجلس الوزراء في تشرين الأول/أكتوبر 2022 لدى بحثه مشروع قانون المالية لسنة 2023 في اجتماع استثنائي، حيث أمر الرئيس تبون باستحداث مناطق حرة، في كل من تندوف، وتيمياوين، وتينزواتين، وطالب العربي، بما يساعد على تحقيق مرونة اقتصادية، وهو ما يعني أن القرار الجديد وسّع هذه المناطق لتشمل أيضا ليبيا والنيجر،  كون المناطق الأربعة التي كانت محددة سابقًا محاذية فقط لتونس ومالي وموريتانيا.

وأمر الرئيس تبون في اجتماع تشرين الأول/أكتوبر الماضي بالترخيص للمصدّرين، في إطار التبادل الحر، بتصدير المواد غير الاستهلاكية المنتجة محليًا، كالمواد البلاستيكية ومشتقاتها، بناء على قائمة تحددها وزارة التجارة، وتصدير الفائض من الإنتاج الصناعي الوطني مع التصريح الجمركي.

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة أم البواقي البروفيسور، مراد كواشي، لـ"الترا جزائر" إن دولة قارة بحجم الجزائر لها حدود شاسعة مع عدة بلدان  من واجبها الاستثمار في هذه الميزة، واستغلال هذه الحدود الطويلة مع مختلف جيرانها، وذلك بتعزيز ما يعرف بـ"اقتصاد المعابر".

وبيّن كواشي أن هذا النوع من الاقتصاد من الاستراتيجيات التي تنتهجها الدول  لتعزيز المبادلات البينية مع بلدان الجوار، وذلك بإنشاء مناطق التبادل الحر لتنشيط الحركة التجارية وجلب الاستثمارات وتسهيل تنقل الأشخاص وحركة رؤوس الأموال.

الجزائر موريتانيا
طريق تندوف زويرات الرابط بين الجزائر وموريتانيا

نقاط قوة

يرى البعض أن فكرة مناطق التبادل الحر مع الدول المجاورة قد لا تقدم شيئًا للاقتصاد الجزائري، بالنظر لتشابه بعض الصناعات والمنتجات الموجودة بالمناطق الحدودية للجزائر وجارتها من الدول المجاورة، إضافة إلى أن ضعف اقتصاديات هذه الدول قد يجعل الجزائر لا تستفيد من الجار الشريك.

غير أن الدكتور مراد كواشي يرى في هذه الجوانب ميزات للاقتصاد الجزائري ونقاط قوة مطالب بالاستثمار فيها، بالنظر إلى أن معظم أسواق الدول المجاورة غير متشبعة ومتعطشة لولوج منتجات جديدة تضمن التنوع في السلع والخدمات المطروحة للمستهلك، مبينا أن هذه الصفة تنطبق على جميع الأسواق الأفريقية التي ما تزال في حاجة لمزيد من المنتجات لتحقيق الإشباع.

وأوضح كواشي أن ضعف اقتصاديات الدول المجاورة يعني قدرة المنتج الجزائري على المنافسة والوصول للمستهلك في بلدان الجوار، بما أن التشابه الموجود بين سكان المناطق المعنية بمشاريع التبادل الحر يجعلها متشابهة أيضا في العادات الاستهلاكية، وبالتالي وجود فرص لوصول المنتج الجزائري لهذه الدول.

وإذا ما تم الاستناد لكمية السلع الجزائرية التي تُهرّب لدول الجوار، فإنه يتضح أن المُنتوج الوطني مطلوب في هذه الدول وهو في حاجة فقط للإطار التجاري المقنن لتسهيل وصوله إلى المستهلكين في دول الجوار.

تصحيح

لأول مرة تُظهر الحكومة جدّية في تعزيز العلاقات التجارية مع دول الجوار، رغم أن هذه الفكرة تطرح في كل اجتماعات اللجان المشتركة الثنائية، وهو في نظر أستاذ الاقتصاد مراد كواشي تصحيح لرؤية سابقة كانت تعول على تطوير اقتصاد البلاد من خلال التكتلات الاقتصادية المعروفة.

وقال كواشي إن التجارب غير الناجحة التي خاضتها الجزائر في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية للتبادل الحر، وخيبة بريكس جعلتها تحاول الاستفادة من أخطاء الماضي، بالتوجه نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية كونها الأفيد للجزائر مقارنة بالاتفاقات والتكتلات  الجماعية.

وعند النظر إلى ما تحقق في السنوات الأخيرة تتأكد هذه النظرة، فعلى سبيل المثال لم يساهم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقّع مع الجزائر في 2002 في تطوير الاقتصاد الجزائري على الأقل ماليًا، في حين أن الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول كإيطاليا وتركيا وقطر وحتى الصين وإسبانيا كان لها انعكاس إيجابي على اقتصاد البلاد من عدة جوانب.

ضرورة

لا تنظُر الجزائر لهذا التعاون مع جيرانها على أنها مجرد استثمار في أسواق كانت مهملة ، إنما تؤكد على أن الشراكة البينية مع دول الطوق ضرورية لتحقيق التكامل الاقتصادي.

وقال الرئيس تبون إن "الجزائر تتمسك بتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والتكامل القارّي وتؤكد على أهمية العمل لتحسين مستوى كفاءة عمليات التكامل الاقتصادي الأفريقي"، وذلك بتحسين البنية التحتية من خلال زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستفادة من الموارد الوطنية، وكذا تحسين الشبكات الإقليمية للإنتاج والتجارة من خلال تعزيز القدرات الإنتاجية.

وترافع الجزائر لرؤيتها  من خلال ما قامت بها من مشاريع ذات بعد قاري، كالطريق العابر للصحراء الرابط بين سِتُّ دول أفريقية،  ومشروع الطريق الرابط بين مدينة تندوف في الجزائر ومدينة الزويرات بموريتانيا، ومشروع شبكة الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء لتطوير الاقتصاد الرقمي الإقليمي في منطقة الساحل، ومشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء الرابط بين نيجيريا والجزائر وصولا إلى أوروبا، ومشروع تطوير شبكة النقل بالسكك الحديدية عبر مختلف جهات الجزائر، واحتمال مدها إلى الدول المجاورة وبالخصوص الجنوبية منها.

ويربط الدكتور مراد كواش إنشاء مناطق التبادل الحر مع الدول المجاورة، وإن كانت غايته الأساسية اقتصادية، بالأبعاد السياسية، لأن المجالين وجهان لعملة واحدة، مذكرًا أن الجزائر بَنَتْ استراتيجيها لحل حالة عدم الاستقرار بدول الجوار دائمًا  بالمزاوجة بين الحل السياسي والتنموي.

الخبير كواشي لـ"الترا جزائر": ضعف اقتصاديات الدول المجاورة يعني قدرة المنتوج الجزائري على المنافسة والوصول للمستهلك في بلدان الجوار، خاصة وأن التشابه الموجود بين سكان المناطق المعنية بمشاريع التبادل الحر يجعلها متشابهة أيضًا في العادات الاستهلاكية

خطوة أولى

مرة أخرى خصص الرئيس تبون اجتماعًا جديدًا لمجلس الوزراء يعني بمناطق التبادل الحر، فالثلاثاء الماضي، ترأس اجتماع عمل خُصّص لمناطق التّجارة الحرّة، لا سيّما تلك المتعلّقة بتندوف مع موريتانيا الشقيقة.

ويظهر أن تندوف ستكون الإنطلاقة لهذه المشاريع المغاربية، حيث تشير مصادر إلى أن طريق تندوف – الزويرات  قد يدشن خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الموريتاني إلى الجزائر.

وبداية الشهر الجاري، كان وزير التجارة وترقية الصادرات الطيب زيتوني قد أكد أن المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي "المقار" بولاية تندوف ستكون بوابة نحو أفريقيا الغربية، مشيرًا إلى أن زيارته للولاية تندرج في إطار "التحضير لفتح المعبر البري الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد بين الجزائر وموريتانيا وكذا التحضير لوضع حجر الأساس لهذه المنطقة الحرة''.

وكشف زيتوني وقتها أن "المقار" هي واحدة من أصل خمس مناطق حرة للتبادل التجاري التي تقرر استحداثها بجنوب الوطن في كل من تين زاوتين وتيمياوين وبرج باجي مختار والدبداب.

وقال زيتوني إن "المعبر البري الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد أصبح جاهزًا للدخول حيز الخدمة"، مبرزًا أن حجم التبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا الشقيقة يعرف "تناميا مستمرًا".

من المؤكد أنه لا أحد ينكر أهمية  مناطق التبادل الحر في تعزيز التجارة البينية مع دول الجوار، وهو أمر ضروري لاقتصاد الجزائر الباحث عن الخروج من التبعية للبترول. لكن تحقيق ذلك يبقى مرتبطًا بمدى جاهزية صانع القرار لجعل الهدف الاقتصادي أولوية هذه الخطوة رغم ضرورة مراعاة الجوانب السياسية والتاريخية بما أن الأمر يتعلق بدول جارة.