13-مايو-2018

جثة جمل بعد حادث، في وقت سابق في ورقلة (Getty)

بعد "جنون البقر"، ثمة وجود لمرض "جنون الإبل". هذا ما اكتشفه مؤخرًا عالمان جزائريان بمعية باحثين إيطاليين. نتائج البحث المذهل ستنشر في عدد 12 حزيران/يونيو 2018 للمجلة العلمية الأمريكية المختصة "الأمراض المعدية المستجدة" (Emerging Infectious Diseases). 

اكتشف عالمان جزائريان برفقة باحثين إيطاليين حالات من جنون الإبل في منطقة ورقلة الجزائرية

شارك في البحث كل من بعيسى بابلحاج (طبيب بيطري) من جامعة قاصدي مرباح بورقلة، سمير بشير سهيل غوار (مختص في الوراثة الجزئية) من جامعة أبي بكر بلقايد بتلمسان، وثمانية باحثين إيطاليين بقيادة (غبريالي فيكاري) من "المعهد العالي للصحة الغذائية والسلامة البيطرية" بروما.

اقرأ/ي أيضًا: من الجمل إلى الجَمال ومن الناقة إلى الأناقة

من المعروف أن تغيير شكل "البريون " (prion) هو من يتسبب في مرض جنون البقر. "البريون" هو جسم معدٍ بروتيني لا يحتوي على حمض نووي، بخلاف الجراثيم والفيروسات، وهو قابل للانحلال يكسو الخلايا العصبية للثديات. هذا في الحالة الطبيعية غير المرضية. ولكن بمجرد استعصاء انحلال هذا الجزيء، يتراكم ويتكاثر ليتلف المناطق الدماغية الحساسة.

كل شيء بدأ في مذبح ولاية ورقلة، وقد حدَّد العلماء نسبة الإصابة بـ"البريون" غير الطبيعي المؤدي إلى "جنون الإبل" بـ 3%. الأعراض الأولية للإبل المصابة كانت: ضعف الأطراف وصعوبة النهوض، العدوانية والعض، انخفاض الوزن، اضطراب السلوك، الارتجاف، الإفراط في الحركة، حركة الرأس متهيجة، الترنح، فقدان الشهية، والابتعاد عن القطيع. فحص الباحثان الجزائريان في المخبر عينات من أدمغة ثلاث نوق (عمرها 10 سنوات إلى 14 سنة) مصابة بأعراض مرض "البريون" وناقة سليمة كشاهدة غير مرضية، وأُرسلت أخرى إلى مخابر روما للتأكد من الاكتشاف الجزائري. أصحاب المقال العلمي رجّحوا أن تكون الجِمال الثلاثة التي أُصيبت في منطقة ورقلة قد التهمت مواد حيوانية مصابة بالالتهاب الدماغي الإسفنجي البقري. كيف؟ من المعروف أن ورقلة (777 كلم جنوب شرقي الجزائر العاصمة) هي عاصمة البترول في الجزائر، وتوجد فيها قواعد حياة للعمال الجزائريين والأجانب، ولم يُستبعد أن تكون بعض اللحوم المستوردة قد رُميت خارجًا على شكل نفايات وجدتها بعض الجِمال في طريقها وأكلتها. وظاهرة الحيوانات الأليفة التي تقتات من القمامة موثقة عالميًا، وبالكاميرا! 

جِمال في منطقة ورقلة
جِمال في منطقة ورقلة

سابقًا، أثبت علماء الأحياء أن تكتل بروتينات "البريون" غير القابلة للانحلال تتسبب في الالتهاب الدماغي الإسفنجي البقري، إذ ينكمش الدماغ وتظهر فيه فراغات كالإسفنجة. الأعراض الظاهرة على الحيوان تتمثل في تغير السلوك وارتجاف وفقدان التناسق العصبي الحركي، وتنتهي بالنفوق. قبل سنتين، وُجدت حالات "جنون الأيائل" بالنرويج وأمريكا الشمالية. وهذا يبرهن أن كل الثدييات معرضة لطفرات بروتين "البريون".

اكتُشف جزيء "البريون" عام 1982 من طرف طبيب الأعصاب الأمريكي ستانلي بروسينر (نوبل الطب 1997). بروتين "البريون" العادي يساهم في نضج الخلايا العصبية لدى الجنين. عند البلوغ، "البريون" له دور في النخاع الشوكي والوظائف الدماغية كالتماسك بين العصبونات. كما يرجح أن "البريون" يحمي الخلايا العصبية من الموت الخلوي المبرمج بمقاومته للأكسدة الخلوية. "البريون" السليم عند الإنسان هي سلسلة تضم 209 حمضًا أمينيًا، ويتدخل في الحفاظ على الذاكرة طويلة المدى. لدى الإنسان، تغير بنية "البريون" تؤدي إلى ظهور مرض عصبي قاتل يدعى "كروتزفيلد جاكوب".

إبان التسعينات، إثر وفاة 177 مواطنًا بريطانيًا جراء انتقال مرض جنون البقر إلى الإنسان، اضطرت السلطات إلى ذبح أربعة ملايين رأس من البقر

إبان التسعينات، إثر وفاة 177 مواطنًا بريطانيًا جراء انتقال مرض جنون البقر إلى الإنسان، اضطرت السلطات إلى ذبح أربعة ملايين رأس، متكبدة خسارة مالية قدرها خمسة ملايير جنيه إسترليني. عانى المربون من حضر تصدير اللحوم بضع سنوات. سنة 2000 توصلت نتائج التحقيقات في بريطانيا إلى سبب ظهور المرض، والذي كان أساسًا من تداعيات تغذية الأبقار بأعلاف مدعمة بمواد حيوانية مفرومة. أي تحويل آكلات أعشاب إلى كائنات تجتر أغذية مُعدَّلة بروتينيًا!

اقرأ/ي أيضًا: البطالة تدفع شباب الجزائر إلى الصحراء

يبلغ تعداد الإبل في العالم 28 مليون رأس. وتعد الصومال دولة رائدة، إذ تبلغ ثروتها نحو سبعة ملايين رأس وتليها السودان فموريتانيا. وحيدة السنام (الجمال العربية) تقدر بنحو ثلثي الثروة العالمية من هذه الفصيلة. ارتبط الجمال بالحياة البدوية العربية منذ القدم، كمَصدر للحليب واللحم، واستُغلت في قوافل تجارتهم وتنقلاتهم وحروبهم. حتى أنهم أثروا القاموس العربي بالمئات من المفردات وعظموها في أشعارهم. وقد عرف العرب كثيرًا من أمراض الجمال ووصفوها مع طرق معالجتها. وكانت تُعد مقياسا للثراء، واستعملوها في دفع الدية ومهورا للزواج، كما كان حليبها ولحمها يستخدم في إكرام الضيف. تعيش ثنائية السنام في المناطق المرتفعة في أواسط آسيا وهي أقل عددًا من وحيدة السنام.

ما يثير مخاوف العلماء كون الإبل تعيش في مناطق جغرافية واسعة، وأنها تحتك بالمربين في بيئتهم (غذائيًا)، مما يجعل اتخاذ الاكتشاف على محمل الجد ضروريًا لمنع انتشار المرض وانتقاله إلى الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا:

حتّى التّماثيل لم تسلم من المسخ في الجزائر!

شمس الدّين بوروبي الجزائري.. خذ فتوى ومعها نكتة