بمجرد إعلان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في لقائه الدوري مع ممثّلي الصحافة الوطنية، بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2022 عن إمكانية إجراء تعديل حكومي، يقيل من خلاله الوزراء الذين لم يلتزموا بـ"السرعة القصوى" في تنفيذ تعليمات مجالس الوزراء، تعالت أصوات تتحدث عن تعديل قريب في الجزائر وعن أسماء ستغادر قصر الدكتور سعدان وأخرى قد يتم تجديد الثقة فيها.
حمزة بوغادي: الأزمات الاجتماعية في الفترة الأخيرة تضع بعض الوزراء في عين الإعصار على غرار وزيري التجارة والصناعة
هنا، يؤكّد مراقبون أن هذه التحليلات جاءت بناءً على تصريحات الرئيس، الذي تحدث عن بعض الخبراء الذين أبانوا في السابق عن قدرات عالية في التحليل والتنظير في بلاطوهات التلفزيون، ليكتشف أن أداءهم كان محدودًا في الحكومة عند استوزارهم، كما دافع بالمقابل عن وزراء آخرين، يتوفّرون على الإرادة في العمل، إلا أن التجربة التي تنقصهم حسبه، تُكتسب بالممارسة والمثابرة.
وقال الرئيس تبون بشكل مباشر إنّ مقياس إقالة الوزير أو الاحتفاظ به في الطاقم الحكومي، متعلّق بمدى تطبيق قرارات مجالس الوزراء، مشدّدًا على أن عملية التقييم ستشمل كل قطاع على حدة، ويأتي ذلك بالموازاة مع شروع رئاسة الجمهورية بعد أسبوعين من هذه التصريحات في عقد مشاورات مع قادة الأحزاب السياسية، يقول مراقبون إنّ أحد أهمّ الملفات التي تطرّقوا إليها في هذه اللقاءات المغلقة التعديل الحكومي واقتراح أسماءٍ جديدة لتنضمّ إلى الطاقم الوزراي.
تغيير في توقيت استثنائي
في هذا السياق، تُثار تساؤلات كثيرة في الجزائر، حول ما إذا كان الوقت مناسبًا اليوم لإجراء تعديل حكومي أو تغيير وزاري، خاصّة في ظل الظروف الصعبة التي تتسم بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وتراجع القدرة الشرائية، وغياب الاستثمارات، واستمرار أزمة ندرة السيارات الجديدة، وتعطّل المشاريع وتضاعف طلبات الجبهة الداخلية، وأيضًا في ظلّ التحولات التي تشهدها الساحة الدولية والتي تفرض توحيد الصفوف والاجتهاد والذهاب بالسرعة القصوى لتحقيق النهضة الاقتصادية.
هنا، يؤكد المحلّل السياسي علي ربيج في تصريح لـ"الترا جزائر" أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قالها صراحة إن التعديل وارد ومنتظرٌ، خاصّة وأن التغيير اليوم أصبح ضرورة ملحة، بالنظر إلى الغليان الذي تشهده بعض الجبهات، إذ يعدّ سببه الرئيسي ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية رغم الزيادات الطفيفة في الأجور والتي لم تغيّر من هذا الواقع شيئًا، مشدّدًا على أن الأحداث التي شهدتها الجزائر في الأشهر الثلاث الماضية، على رأسها ثالوث الغلاء والندرة وتعطل المشاريع، تفرض تعديلا وزاريا فوريا.
وحسب ربيج، وبصفته ملاحظًا للشأن السياسي، فإن بعض القطاعات شهدت حالة جمود غير مسبوق، ولم تحرز أيّة إنجازات، بما في ذلك التعهدات الـ 54 التي أتى بها رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي، كل ذلك يجعل الرئيس مقبلًا على تعديلٍ، لن يكون بسيطًا حسبه، وقد يشمل أكثر من 12 وزيرٍ في حكومة أيمن بن عبد الرحمان، مناشدًا كل وزير بتحمل مسؤوليته.
الناجحون والراسبون
في هذا الإطار، يُفترض أن يُجري رئيس الجمهورية تعديلًا حكوميًا بعد تقييم أداء الوزارات، حيث سبق وأن ثمّن التزام وزيري العمل والشغل والضمان الاجتماعي والسكن بتنفيذ التعليمات الموجهة إليهم بالسرعة القصوى في حواره الأخير مع الصحافة الوطنية، الأول؛ في إعداد بطاقية منحة البطالة والتعجيل في تسوية الملف في ظرف أسبوعين، والثاني؛ في الالتزام بتنفيذ الأوامر الخاصة بالتعجيل في إنجاز ملعب براقي، وهو ما فُهِم على أن هذين الوزيرين تمكّنا من الاحتفاظ بمقعدهما في الحكومة المقبلة.
في السياق نفسه، يقول المحلل الاقتصادي حمزة بوغادي في تصريح لـ"الترا جزائر"، إنّه من الصعب الحكم بفشل وزير معيّن دون امتلاك أدوات القياس التي تعتمد على توفّر المعلومات عن كل قطاع ونسب تقدّم المشاريع، إلا أن الأزمات الاجتماعية في الفترة الأخيرة، بحسب المتحدّث، تضع أسماء بعض الوزراء في عين الإعصار على غرار التجارة الذي لم يتمكن مسؤوله الأول من التحكم في دولاب النشاط التجاري وبورصة الأسعار، إضافة إلى قطاع الصناعة التي أخفق وزيرها في الإفراج عن قانون الاستثمار بعد أن رُفض مشروع نسخته الأولية مرتين في مجلس الوزراء، واستمرار أزمة استيراد السيارات وتعطّل دفتر الشروط.
من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في حيث إلى "الترا جزائر"، أن التعديل الحكومي إذا ما تم بناء على مدى تنفيذ تعليمات مجالس الوزراء، فسيشمل ثلاثة وزراء وهم التجارة بسبب عدم ضبط تموين السوق بالمواد الأساسية والانتقال الطاقوي بسبب تأخر تحضير الإطار القانوني والتشريعي لتطوير الطاقات المتجدّدة ووزارة المجاهدين بسبب غياب النتائج في ملف الذاكرة.
أما إذا ما أُقيل الوزراء بسبب عدم فك بعض الملفات القطاعية، فسيشمل التعديل وزير الداخلية نتيجة انخفاض وتيرة التنمية المحلية بالبلديات والولايات، ووزير الصناعة بسبب تعطل نصوص الاستثمار وتركيب واستيراد السيارات، والوزير المنتدب المكلف بالمؤسّسات الصغيرة بسبب تعطل القروض، وفشل المؤسّسات المصغرة وعدم حصولها على المرافقة اللازمة ووزارة الشركات الناشئة بسبب غياب مساهمة المؤسّسات المستحدثة في التنمية الاقتصادية.
أما إذا ما حدث التغيير بناءً على ما يقتضيه الظرف الراهن، فسيمس وفقًا لخرشي، وزارة الصحة بالنظر إلى انتهاء فترة الجائحة، وضرورة التغيير لبدء مرحلة جديدة، ووزارة التعليم العالي بسبب عدم توظيف حاملي شهادة الدكتوراه، ووزارة الشباب والرياضة بعد الخيبة التي عاشها الجزائريون نتيجة إخفاق الفريق الوطني لكرة القدم
التحديات المنتظرة
يذهب محدّث "الترا جزائر" إلى أن التعديل الوزاري هذه المرة يفرض استحداث وزارة جديدة، للدبلوماسية الاقتصادية بالنظر إلى الملفات التي تنتظر الجزائر في الخارج على رأسها أنبوب الغاز الجزائرـ نيجيريا، ومراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وعمليات الاستثمار الخاصة بإعادة إعمار ليبيا، ومشروع طريق الحرير مع الصين، كما طالب بفصل وزارة الطاقة عن المناجم، لإعطاء دفع جديد لقطاع المناجم.
مخابر صناعة الوزراء
واعتاد الجزائريون على استقدام الوزراء في كل تعديل حكومي إما من الجامعات والمعاهد أو تنصيب مسؤولي الهيئات والمؤسسات العمومية بصفتها شخصيات تكنوقراطية مشهود لها بالكفاءة في عملها والمستوى العلمي العالي، أو من البلاطوهات التلفزيونية، وهم الخبراء الذين تداولوا على تحليل مختلف الأحداث، فيتم استوزارهم لإثبات خبرتهم في الميدان، رغم أن الرئيس تبون انتقدهم في تصريحاته الأخيرة.
يُجمع كثيرون، على أن الأحزاب السياسية كانت ولا تزال المخبر الأول لصناعة الوزراء في الجزائر، لاسيما الأحزاب التي تشكل الأغلبية في البرلمان، يضاف إليها الإطارات والأمناء العامين للوزارات وولاة الجمهورية وعادة ما يكونون خريجي المدرسة العليا للإدارة، كما يتوقّع مراقبون الاستعانة بشخصيات حملت حقائب وزارية في حقبة النظام السابق، بحكم الخبرة والتجربة التي تتمتع بها.
إلى هنا، يرى رئيس الكتلة البرلمانية لحركة البناء الوطني كمال بن خلوف في إفادة لـ"الترا جزائر"، أنه بالنظر إلى الواقع الذي عاشته الجزائر في الفترة الماضية، فقد أصبح انتقاء حكومة سياسية ذات طابع حزبي أكثر من ضرورة، وهذا للتمكن من تجسيد خيارات الشعب الجزائري التي عكسها في الانتخابات التشريعية من جهة.
ومن جهة أخرى لتتحمل هذه الأحزاب مسؤوليتها أيضًا في حال فشل الوزير في تسيير قطاعه وتحمّل الأعباء، هنا يكون ـ حسبه ـ الوزير محاكم من جهتين، الرئيس والحزب.
وحسب بن خلوف فإن الحكومة التكنوقراطية أثبتت فشلها، وأكدت في الفترة الأخيرة أنها لا تصلح إلا لقيادة مرحلة انتقالية، وأنه حان الوقت اليوم للعودة إلى الحكومة السياسية التي تعبّر عن خيارات الشعب، على حدّ قوله.
وزارات أم مراكز تكوين؟
في مقابل ذلك، يرفض كمال بن خلوف، فكرة قدوم وزراء غير مؤهلين لتسيير القطاعات ولا يتمتّعون بخبرة سياسية ولا إدارية، مشدّدًا على أن الحكومة والبرلمان ليسا مكانًا للتكوين؛ "فالبرلماني والوزير يفترض أن يكونا اليوم في مرحلة العطاء، أما حقبة التدريب فتكون في الإدارات والمجالس المحليّة".
يعلّق المتحدّث على هذه الفكرة بالقول: 'إنّ من يحمل حقيبة وزارية يُفترض أن يتمتّع بقدرٍ كبيرٍ من الخبرة في إدارة الشأن العام لأنه عُيّن لمنح الإضافة، حتى وإن كان خبيرًا اقتصاديًا أو أستاذًا جامعيًا، فالأجدر حسبه جلب سياسيّ محنّك يتمتّع بباعٍ كبيرٍ في تسيير الشأن العام".
ولم يعارض بن خلوف تنصيب وزراء سبق وأن شغلوا مناصب وزارية في حقبة النظام السابق، إذا كانوا يتوفّرون على المعايير المطلوبة، فليس كلّ من اشتغل في وقت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة فاسدًا، حسبه.
من جهته، يرد عليه الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية بالبرلمان الجزائري البروفيسور عبد القادر بريش في حديث إلى "الترا جزائر" بالقول إن ليس كل أستاذ جامعي ناجح في التنظير وفاشل في التسيير، بل يمكن حسبه، أن يجمع بين الإثنين معًا، وينجح في تقديم ما يعجز عنه السياسيون، على حدّ قوله.
تظل فكرة التعديل الحكومي متداولة في جميع الأوساط في الجزائر، إلى غاية قيام رئيس الجمهورية بأيّة خطوة تؤكّد أو تنفي ذلك
وتظلّ فكرة التعديل الحكومي متداولة في جميع الأوساط في الجزائر، إلى غاية قيام رئيس الجمهورية بأيّة خطوة تؤكّد أو تنفي ذلك، سواءً بتنصيب حكومة جديدة، أو الاكتفاء بتعديل جزئي يمس بعض الوزراء، أوتأجيل الملف إلى وقتٍ لاحقٍ والاحتفاظ بالطاقم الحكومي الحالي.