24-أغسطس-2015

وجدوا أنفسهم بعد الإفراج عنهم تائهين بلا عمل ولا إدماج (أ.ف.ب)

"ضاع مستقبلي وعوقبت مدى الحياة رغم أنني لم أخطئ. هذا ظلم شديد وعلى الدولة أن تراجع قوانينها وتعيد كرامتنا الضائعة وتسهل اندماجنا في المجتمع واسترجاع حقوقنا المدنية"، يتحدث حكيم لـ"الترا صوت" عن معاناته التي يتخبط فيها منذ سنوات.

حكيم شاب في نهاية العقد الثالث من ساكنة بلدية "أحمر العين" بمحافظة "تيبازة"، والتي تبعد عن الجزائر العاصمة 75 كم غربًا. هو واحد من عشرات الشباب الذين أدخلوا السجن سابقًا بسبب ارتكابهم جريمة سواء عمدًا أو عن غير قصد أو بتهمة وقضية باطلة لفقت لهم، فوجدوا أنفسهم بعد الإفراج عنهم تائهين في الشارع فلا عمل ولا إدماج ولا كرامة ولا تعويض حتى بعد الحصول على حكم البراءة.

يبقى مستقبل خريجي السجون الشباب في الجزائر غامضًا بسبب غياب برامج جادة لإدماجهم في المجتمع 

يشتكي حكيم من نظرة المجتمع، ولكن أيضًا من حقوقه المدنية الضائعة والبطالة رغم صدور حكم البراءة في حقه. وقد حرم حكيم من المشاركة في مسابقات التوظيف الحكومية بسبب ما يكتب في صحيفة السوابق العدلية بأن المشارك قد ولج السجن سابقًا. يصف حكيم بحثه اليومي عن عمل بـ"رحلة العذاب" فكل عمل يترشح للظفر به يقابله رفض مباشر بسبب قضيته السابقة.

وأصدرت محكمة "حجوط" في حق حكيم حكمًا بأربع سنوات سجنًا نافذة في سنة 1998 بعد أن وجهت له تهمة تتعلق بتمويل الإرهاب والتستر على مكان مجموعة إرهابية في منطقة "بورقيقة" بمحافظة "تيبازة". وبعد سنة من دخوله السجن، حصل على البراءة إثر تحقيقات قامت بها مصالح الأمن بينت أن المعني لا علاقة له بالإرهاب، غير أنه لم يحصل على التعويض المادي والمعنوي من العدالة الجزائرية.

يقول حكيم أنه "كان يجهل في ذلك الوقت إجراءات إعادة الاعتبار التي تؤدي إلى حذف الأحكام الصادرة ضده من صحيفة السوابق العدلية". ورغم قيامه بهذه الإجراءات مؤخرًا فقد تفاجأ بقرار العدالة الذي يجبره الانتظار ثلاث سنوات من تاريخ إيداع الملف للحصول على صحيفة سوابق خالية من أي حكم قضائي.

يشتغل حكيم الآن كعامل في ورشات البناء والحفر عند بعض المقاولين بطريقة غير قانونية، ولا يحظى بتأمين اجتماعي يضمن له جراية تقاعد مستقبلاً أو جزءًا من مستحقات العلاج والدواء. لكن الكثير من خريجي السجون الشباب لا يستطيعون العمل في ورشات البناء التي تتطلب قوة جسدية وصحة جيدة فيبقى مستقبلهم غامضًا بسبب عدم وجود برامج جادّة، حسب حكيم، لإدماجهم داخل المجتمع أو في الحياة المهنية ويلتجئ بعضهم إلى السرقة أو الإجرام.

في سياق متصل يقول الأستاذ حسان عيط، المختص في علم الاجتماع، لـ"الترا صوت": "إن عدم متابعة خريجي السجون نفسيًا واجتماعيًا ومهنيًا يشعرهم بالاقصاء الاجتماعي والتهميش والقهر". ويعاني خريج السجون في بعض المناطق الجزائرية من نظرة سيئة جدًا من قبل بيئته، ويكون مرفوضًا من طرف محيطه، وهو ما يساهم في عودته في أحيان كثيرة إلى الإجرام من جديد.

تنادي العديد من المنظمات المهتمة بشؤون المساجين وخريجي السجون بضرورة إعادة النظر في بعض القوانين الخاصة بمسابقات التوظيف، من أجل منح الفرصة لبعض المواطنين الذين ارتكبوا أخطاء في حياتهم للاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية والاستقرار وتكوين أسرة والتخلص من هاجس البطالة والفقر.

ويرى العديد من الفاعلين في قطاع حقوق الإنسان أن الاعتماد على صحيفة السوابق العدلية في الحكم على الأشخاص وعلى سلوكياتهم والحيلولة بينهم وبين الاندماج، "سياسة قد تجاوزها الزمن" ويجب الاعتماد حاليًا على آليات جديدة لمساعدة هؤلاء ليكونوا مواطنين إيجابيين في المجتمع.

وكانت المنظمة الوطنية لإعادة إدماج المساجين التي يرأسها المحامي عمار حمديني قد طلبت من وزارتي الداخلية والعدل التخلي عن صحيفة السوابق العدلية في مسابقات التوظيف، وتفعيل آليات ناجعة لإعادة إدماج المساجين داخل المجتمع. فبالرغم من بعض المبادرات التي قامت بها الحكومات الجزائرية في هذا المجال، والمتمثلة في منح الفرصة للمسجونين للخضوع للتكوين في مجالات مختلفة داخل السجون والحصول على شهادة بعد التكوين، غير أن هذه الإجراءات تبقى غير مجدية وفعالة في نظر الكثيرين.

ودعا حمديني إلى توقيع اتفاقيات ين إدارة السجون والمؤسسات العمومية من أجل تسهيل عملية إدماج المساجين بعد مغادرتهم السجن. وترجح بعض المنظمات الحقوقية ضرورة أن تقوم الجهات القضائية بإلزام الشركات والمؤسسات بتوظيف نسبة من الشباب الخارج من السجون لتجنب عودتهم للإجرام بحجة صعوبة توفير ضروريات الحياة.

وشدَد رئيس منظمة إدماج المساجين على أن من أهم العوائق التي تواجه خريجي السجون، الجهل بالقانون والإجراءات التي تخص طريقة مسح السوابق من صحيفة السوابق العدلية إضافة الى طول فترة الانتظار في ما يخص قضايا رد الاعتبار.

في المقابل، يقول المدير العام لإدارة السجون مختار فليون لـ"الترا صوت" "إن ما يقارب 11800 سجين قد استفادوا من برامج إعادة الإدماج بفضل الآليات الجديدة المتمثلة في منح القروض الصغيرة لفتح ورشات بعد الحصول على شهادات داخل السجون". ويؤكد فليون "أهمية مساهمة المجتمع المدني في المرافقة والنشاطات التوعوية وأثرها الإيجابي في تقليص ظاهرة عودة الشباب إلى الجريمة".

ويتحدث فيلون عن ما قامت به الحكومة الجزائرية من تشريعات قصد ضمان إعادة إدماج المفرج عنهم، من خلال استحداث "مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون ومصالح وزارة الداخلية والتي يبلغ عددها 12 مصلحة"، وأشار إلى أنه يتم حاليًا تهيئة 14 مصلحة لتغطية كافة المحافظات.