الترا صوت – فريق التحرير
أظهر الجزائريون رفضًا واضحًا للحلول التّي لجأ إليها محيط الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد المسيرة الثالثة يوم الـ8 من آذار/مارس، حيث أعلن سحب ترشّحه لعهدة خامسة، وتأجيل الانتخابات الرّئاسيّة، التّي كانت مقرّرة يوم 18 نيسان/أبريل المقبل، وإلغاء المرسوم القاضي باستدعاء الهيئة النّاخبة، وحلّ "الهيئة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات"، وتعويض الوزير الأوّل أحمد أويحيى بوزير الدّاخليّة والجماعات المحلّية وتهيئة الإقليم نور الدّين بدوي، وتعيين وزير الخارجيّة السّابق رمضان العمامرة نائبًا للوزير الأوّل، للإشراف على حكومة كفاءات وطنيّة تدعو إلى ندوة وفاق وطنيّ تعدّ لانتخابات رئاسية "حرّة ونزيهة ومفتوحة للجميع"، قبل نهاية عام 2019.
بدت مسيرات الجمعة في الجزائر، بتضاعف روح سلميتها وتضامن المواطنين في ما بينهم، وبكثافة المشاركة فيها، وكأنها لم تترك للنظام منفذًا آخر، إلّا استقالة الرّئيس
رفض الالتفاف على المطالب
ظهر الوزير الأوّل الجديد لأوّل مرّة، رفقة نائبه، الذّي عُيّن أيضًا وزيرًا للخارجيّة يوم الخميس، في ندوة صحفيّة قال فيها إنّ الرئيس لم يُرد أن يُغادر من غير أن يضمن انتقالًا سلسًا للسّلطة، وإنّ ندوة الوفاق الوطنيّ ستعمل على تهيئة الظّروف لجمهوريّة جديدة. ودعا بدوي، الذّي يُعدّ من وجوه الجنوب الجزائريّ التّي استطاعت أن تتولّى مناصب عليا، المعارضة وشباب الحراك إلى حوار مفتوح.
اقرأ/ي أيضًا: بوادر عصيان مدني في الجزائر أمام إصرار النظام على ترشيح بوتفليقة
تولّى التّلفزيون الحكوميّ ونخبة من القنوات الخاصّة بثّ تفاصيل النّدوة، فتولّى روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك بدورهم التّعامل معها بتهكّم واضح، صبّ في فكرة أنّ نور بدوي هو الوجه الثّاني لأحمد أويحي، وأنّه كان مشرفًا على انتخابات سابقة اتّسمت بالتّزوير والفساد، فكيف يستطيع أن يُنظم انتخابات نزيهة، وكان مسئولًا عن سجن صحفيين ومدوّنين؟ وكيف يحقّ له أن يتحدّث عن حرّية التّعبير؟ كما تعدّى التهكّم الشّعبيّ إلى طريقة حديث الرّجل وما اتّسم به من الارتباك والأخطاء النّحويّة والصّرفيّة وخلوّه من الأفكار الجديدة والمقنعة.
ولم يسلم نائبه ووزير خارجيته رمضان العمامرة من التّهكّم الشعبيّ أيضًا، إذ اتّهموه بالعمالة لفرنسا، التّي دخلت على خطّ الحراك الجزائريّ، مستشهدين بأنّ أوّل تصريح إعلاميّ له بعد تعيينه، كان لصالح الإذاعة الفرنسيّة، لا لصالح منبر جزائري. وقيل إنّ المحيط الرّئاسيّ جاء به لإقناع الفرنسيّين بمساندة خيار الاستمراريّة والسّكوت على الالتفاف على المطالب الشّعبيّة.
التّشويش على الحراك
بالموازاة مع محاولته إقناع شباب الحراك والمعارضة الحزبيّة، التّي التحقت به بـ"وجاهة" القرارات التّي اتّخذها الرّئيس، عمل المحيط الرّئاسيّ على إطلاق إشاعات لزرع الخوف والشّكّ في صفوف الحراك، حتّى يكون الإقبال على مسيرات الجمعة الرّابعة خفيفًا، فيتّخذ من قلّة الإقبال دليلًا على القبول الشّعبيّ لخطّته.
من بين هذه الإشاعات التّي انتشرت بكثافة مكالمات وفيديوهات مسرّبة تقول إنّ مؤسّسة الجيش أمرت نخبة من جنودها ليرتدوا زيّ الشّرطة، ويقوموا باستفزاز المتظاهرين، قصد إيجاد المبرّر لإطلاق النّار عليهم، حتّى يتمّ تجريد الحراك من السّلميّة، التّي تعدّ سلاحه الأقوى مع الأطراف المعنيّة بإبقاء الوضع على ما هو عليه في الدّاخل والخارج.
خلال السّاعات الثّماني والأربعين التّي سبقت مسيرات اليوم الجمعة، بذل شباب الحراك جهودًا كبيرة في إجهاض مثل هذه الإشاعات، من خلال منشورات وتسجيلات مضادّة، بما أعاد الثّقة لصفوف الحراك، فطغت الدّعوات للمشاركة في الجمعة الرّابعة على الدّعوات الهادفة لمقاطعتها.
مسيرات مليونية سلميّة
ظهرت دلائل الانخراط الشّعبي في خيار رفض استمرار الرّئيس بوتفليقة ومحيطه ومقترحاته، قبل الموعد المحدّد للمسيرات وهو الساعة الثانية بعد الزوال، منذ الساعات الأولى للنّهار، إذ بدأت الشوارع والساحات تكتظّ بالأطفال والشّباب والنّساء والشّيوخ. وبدأ ناشطون في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك يتداولون تلك الّصور والمشاهد. ومن المشاهد المبكّرة التّي اكتسحت فيسبوك خروج شقيقة رمز الثّورة الجزائريّة العربي بن مهيدي، الذّي كان في طليعة الشّهداء الذّين حمل المتاظهرون صورهم.
ما أن انتهت صلاة الجمعة، حتّى لم يبق موضع قدم في الشّوارع والسّاحات الرّئيسيّة في الولايات الثّماني والأربعين، خاصّة الجزائر العاصمة، التّي انضمّ إليها عدد كبير من سكّان الولايات المجاورة، مثل البليدة وتيبازة وبومرداس والمدية. يُبرر النّاشط والمسرحيّ ربيع قشّي هذا السّلوك بالقول إنّ الجزائريّين لاحظوا تركيز الإعلام العالميّ على العاصمة، فأرادوا تعزيز الكثافة الشّعبيّة بالانتقال إليها". ويضيف محدّثًا "ألترا صوت": "قد يختلف الشّعب الجزائريّ خلال أيّام الأسبوع بسبب حيل الجماعة الحاكمة، لكنّ الجمعة توحّده من جديد بما يسقط أوراقها في الماء".
اقرأ/ي أيضًا: طلاب الجزائر يصنعون الفارق في الحراك الشعبي
تكيّفت الشّعارات المرفوعة في مسيرات الجمعة مع التّطوّرات، التّي عرفتها السّاحة خلال الأيّام الأخيرة. إذ انسحب شعار رفض العهدة الخامسة، بحكم أن المطلب بات محقّقًا، لصالح شعار رحيل النّظام. كما كانت هناك شعاراتٍ جديدةً من قبيل "لا تأجيل لا تمديد لا نريد بوتفليقة والسّعيد"، و"خلّونا نعيشو أحرار أو ادفنونا مع الشّهداء الأبرار".
تكيّفت الشّعارات المرفوعة في مسيرات الجمعة في الجزائر مع التّطوّرات الأخيرة، إذ انسحب شعار رفض العهدة الخامسة، إلى المطالبة باستقالة الرئيس
بدت مسيرات الجمعة، بتضاعف روح سلميتها وتضامن المواطنين في ما بينهم، إذ تمّ توزيع الأطعمة المعدّة في البيوت على المتظاهرين، وبكثافة المشاركة فيها، وكأنها لم تترك للنظام منفذًا آخر، إلّا استقالة الرّئيس وإعلان حالة شغور منصبه، والذّهاب إلى تطبيق المادّة 102 من الدّستور، التّي تقضي بانتقال رئاسة الدّولة إلى رئيس مجلس الأمّة، الذّي ينظّم انتخابات رئاسية لا يترشّح لها في غضون تسعين يومًا، فهل يستغلّون هذه الفرصة الأخيرة؟
اقرأ/ي أيضًا: