06-أبريل-2019

ينتظر الشعب الجزائري أن تكمل المؤسسة العسكرية ما بدأته في خطاباتها المؤكدة على سيادة الشعب (أ.ب)

استقال الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم الثّلاثاء الماضي تحت ضغط الحراك الشعبي والسّلمي، ومؤسّسة الجيش معًا. وترك خلفه مقرّبيه في الحكومة والمجلس الدستوريّ ومجلس الأمّة، ليواصلوا الإشراف على المرحلة الانتقاليّة، مستعملين المادّة 102 من الدستور غطاءً قانونيًّا لذلك. وهو الأمر الواقع الذّي ترفضه قوى الحراك.

انطلق الحراك الشعبي يوم أمس الجمعة بأعداد نافست أعداد المشاركين في الجمعات السّابقة، ورافعين شعار "لا للباءات الثلاثة"

"لا للباءات الثلاثة"

في مختلف ولايات الجزائر خرج المواطنون يوم أمس الجمعة بأعداد نافسوا بها أعدادهم في الجمعات السّابقة، "لأنّنا فهمنا أنّها جمعة حاسمة، من زاوية إعطاء الضّربة القاضية لبقايا الرّئيس المستقيل من جهة، ومن جهة ثانية لإعطاء شرعيّة شعبيّة لسعي المؤسّسة العسكريّة إلى تعزيز المادّة 102 من الدّستور بروح المادّتين سبعة وثمانية، اللّتين تمنحان السّلطة الكاملة للشّعب في اختيار ممثّليه، حتّى لا يُفهم تدخّلها انقلابًا عسكريًّا"، يقول النّاشط والكاتب رشيد بلمومن.

اقرأ/ي أيضًا: أول جمعة بدون بوتفليقة.. وعي الحراك الشعبي بمطالبه

ويضيف بلمومن لـ"الترا جزائر": "لقد أعطتنا المؤسّسة العسكريّة إشارتين مهمّتين على مرافقتها الفعليّة لمطالب الحراك، هما: إقالة الجنرال بشير طرطاق مدير جهاز المخابرات، والجنرال عبد الحميد بن داود مدير الاستعلامات الخارجيّة". 

وكان الجنرالان المقالات بمثابة ذراعين أمنيين للجماعة الرئاسية. وعلى إثر هذه الإقالة نقل الإشراف على الأجهزة الأمنيّة من مؤسّسة الرّئاسة إلى وزارة الدّفاع.

الجمعة السابعة
من مظاهرات الجمعة السابعة في مدينة بوعريرج

أمّا الإشارة الثّانية، بحسب بلمومن، فكانت "من خلال افتتاحيّة مجلّة الجيش، التّي قالت إنّ الشّعب الجزائريّ هو ساحب السّلطة الوحيد، ولا بدّ أن يفرضها في الميدان".

كان شعار "لا للباءات الثلاثة" أكثر الشّعارات ترديدًا في المسيرات الشّعبية، التّي أعطت انطباعًا بأنّ الجزائريّين خرجوا كلّهم إلى الشّوارع والسّاحات العامّة. والمقصود بها نور الدّين بدوي رئيس الحكومة، التّي أعلن عنها بوتفليقة قبل أيام من استقالته ، وعبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمّة، وطيّب بلعيز رئيس المجلس الدّستوريّ، إذ تمنحهم المادّة 102 الحقّ في الإشراف على المرحلة الانتقاليّة، في حالة شغور منصب الرّئيس باستقالته أو وفاته.

ويشدد الناشط والجامعيّ عماد عبد السّلام على أن الحراك "إذا لم يستطع أن يفرض خيار إزاحة الباءات الثّلاثة، فهو لم يفعل شيئًا"، مفسرًا: "فرئيس الحكومة الحالي كان وزيرًا للداخليّة، وقد زوّر الانتخابات التشريعيّة والبلديّة الأخيرتين. ورئيس المجلس الدّستوريّ قبل في البداية ملفّ ترشّح الرّئيس بوتفليقة، رغم المانع الصّحّي. ورئيس مجلس الأمّة رافق المرحلة البوتفليقيّة منذ بدايتها".

على هذا يتساءل عبد السلام: "كيف يثق الشّعب في إشراف هؤلاء على انتخابات رئاسيّة نطمح إلى أن تكون منصّة الانطلاق إلى الجمهوريّة الجديدة؟".

هل هو تفويض للجيش؟

سأل "الترا جزائر" نخبة من شباب الحراك في مدينة برج بوعريريج عمّا إذا كان رفضهم لـ"الباءات الثّلاثة" تفويضًا منهم للمؤسّسة العسكريّة، فكان ثمة إجماع على أن الجيش مطالب بالمادة 28 من الدستور، أن يكون حاميًا للإرادة الشعبية بأن يكون مرافقًا لإرادة الحراك في المزاوجة بين الحلّين الدّستوريّ والسّياسي، من خلال تعزيز المادّة 102، التّي تتعلّق بشغور منصب الرّئيس، بالمادّتين سبعة وثمانية، اللّتين تقضيان بجعل السّلطة في يد الشّعب.

يشرح أسامة الفكرة: "ما دام الشّعب يرفض الوجوه التي خلّفها بوتفليقة، ويُطالب بوجوه نظيفة تشرف على انتخابات رئاسيّة نظيفة؛ فعلى الجيش، بصفته الجهة الدّستوريّة الوحيدة في السّلطة الآن، أن يفرض تطبيق المادّتين بتعطيل المؤسّسات القائمة واستبدالها بوجوه يرضى عنها الحراك"، فيما يضيف نصر الدّين: "إذا فعل رئيس الأركان هذا الأمر، فسنثق فيه فعلًا، ونغفر له كونه كان ضمن العاملين مع بوتفليقة".

تجاوز الفخاخ وإعلان الأفراح

من المواضيع التّي شغلت شباب الحراك خلال الأيّام التي سبقت الجمعة السّابعة، إمكانية تمييع المسيرات من طرف بعض الأطراف، التّي قالوا إنّها تهدف إلى التشويش على المسعى برفعها مطالب فئويّة وأيديولوجيّة لم يحن موعدها بعد، في ظلّ أنّ الحراك لم يحقّق هدفه الرّئيسي، الذي هو إزاحة ما باتت تسمى بـ"العصابة" نهائيًّا، وبناء جمهورية جديدة.

وقد خرجت بعض المجموعات تحت مظلة الحراك الشعبي، بمطالب أيديولوجية أو متعلقة بتعديلات في قوانين مدنية، الأمر الذي دفع قطاعًا واسعًا من النشطاء والمشاركين في الحراك إلى نبذ مثل هذه الممارسات في هذا الوقت، مع التأكيد على حق المطلب.

الحراك الشعبي
أكد الجزائريون بوضوح رفضهم للمؤسسات التي خلفها بوتفليقة

يوضح الروائي سيف الدين بنعجة، والناشط في الحراك الشعبي، قائلًا: "إنّ الشّباب كانوا واعين بالدّور المشوّش لهذه المجموعات في هذا الظّرف، فتجاوزا الاهتمام بها بالتجاهل، حفاظًا على سلمية الحراك".

ويؤكد بنعجة: "نحن لسنا ضد مطالبهم، فالحراك قام أساسًا لتعزيز الحريات"، لكنه مع ذلك يتساءل باستنكار: "هل هذا وقت رفع المطالب الأيديولوجية؟"، ليجيب نفسه: "نحن الآن مطالبون بالتوحد على مطلب إقامة دولة مدنية. وبعد تجاوز فخاخ تحقيقها، يصبح بإمكان كلّ صوت أن يعلن عن نفسه، في إطار ديمقراطيّ واضح".

وبقدر ما كان المظهر الاحتجاجيّ بارزًا في مفاصل الجمعة السّابعة، بقدر ما كان مرفوقًا بالمظهر الاحتفاليّ، من خلال مشاركة الخيّالة مثلما حدث في مدينة سطيف، والفرق النّحاسيّة، مثلما حدث في مدينة برج بوعريريج، والممثلين المسرحيين، مثلما حدث في مدينة معسكر.

يقول الممثّل نصر الدّين شرقي لـ"الترا جزائر"، إنّ نخبة من الممثلات والممثلين المسرحيين قدّموا عرضًا في قلب ساحة الأمير عبد القادر، بمدينة معسكر.

ويصف شرقي العرض قائلًا: "رافقنا فيه روح الحراك، حتّى لا يبقى بلا مضمون فنّي وثقافيّ، لأنّه هو نفسه حركة حضاريّة، بالموازاة مع كونه حركة سياسيّة"، مختتمًا حديثه: "لقد فشلت كلّ الثّورات العربيّة، التّي هيمنت عليها التّعابير الدّينيّة، وهذا ما لم يحدث في الحراك الجزائريّ، فأردنا تعويضها بالتّعابير الفنّيّة".

ينتظر الجزائريون من الجيش أن يؤكد ما جاء في خطاباته المؤيدة للشعب، بتحقيق مطالب الشعب بتعطيل المؤسسات التي خلفها بوتفليقة

وبعد أن أعلن الجزائريون بوضوح رفضهم للمؤسسات التي خلفها بوتفليقة، ينتظرون تجاوبًا من المؤسسة العسكرية بتعطيل هذه المؤسسات، واستبدال أفرادها بوجوه انتقالية مرضيٌّ عنها شعبيًا للإشراف على انتخابات الرئاسة خلال فترة متفق عليها. لكن السؤال الذي يفرض نفسه على ساحات النقاش الجزائرية: هل سيتمّ ذلك بالتّشاور مع قوى الحراك أم تنفرد المؤسسة العسكرية بذلك، فتنتقل من مقام المرافقة إلى مقام التّوجيه؟!      

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهازيج الألتراس.. هنا صُنعت الأناشيد الرسمية للحراك الشعبي

هل سيستولي قايد صالح على ثمرة الحراك الشعبي الجزائري؟