24-ديسمبر-2021

مسيرة شعبية بالعاصمة مارس 2021 (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

قبل أيام من نهاية سنة مليئة بالمشاهد والتطورات السياسية، ترصد "التر جزائر" أهمّ الأحداث التي عاشتها الجزائر على مدار سنة 2021،  كان أبرزها التغييرات الحكومية والرغبة السياسية الملحة لرئيس الجمهورية لاستكمال برنامجه السياسي عبر انتخابات بلدية مبكرة، سبقتها تعديلات حكومية وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية، في ظل الأزمة الصحية التي تعرفها البلاد، وما لازمها من إجراءات الوقاية المفروضة على أغلب ولايات الوطن.

عرفت تطورات الأحداث السياسية هذه السنة عودة وزير الدفاع الأسبق المثير للجدل خالد نزار إلى الجزائر من منفاه في إسبانيا، وتبرئه الفريق محمد مدين من تهمة التآمر

استهلت سنة 2021 بتعديل حكومي، أجراه عبد المجيد تبون أواخر شهر شبّاط/فيفري من السنة الجارية، وجاء على إثره إقالة عبد المجيد عطار لأسباب مجهولة، ووزير الصناعة إبراهيم أيث علي، الذي تعرض إلى انتقادات حادة على خلفية إدارته لملف صناعة واستيراد السيارات. 

اقرأ/ي أيضًا: الخارجية الفرنسية تصدر أوّل بيان لها بعد تصريحات ماكرون

مسار انتخابي طويل

بعد الموافقة على نص الدستور الجديد في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2020، باشرت السلطات الجزائرية مسار البناء المؤسساتي، وتم في الـ 12 حزيران/جوان 2021 انتخاب 407 نائبًا للمجلس الشعبي الوطني، مسجلة نسبة مشاركة الأدنى تاريخيًا في البلاد، حيث بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم 5.6 ملايين من أصل أكثر من 24 مليون ناخب، أي 23 بالمئة وهي أدنى نسبة مسجّلة في تاريخ البلاد، ليس فقط على صعيد الانتخابات التشريعية بل على صعيد الانتخابات بأسرها، وفق الأرقام الرسمية.

وحصل حزب جبهة التحرير على 105 مقعدًا، تلته حركة مجتمع السلم بـ 64 مقعد، ثم التجمع الوطني الديمقراطي بـ 57 مقعد، وشهدت الانتخابات صعود قوائم الأحرار بعدما تحصلوا على 78 مقعدًا، أما جبهة المستقبل فازت بـ 48 مقعد، وهو ما يعكس عودة الأحزاب التقليدية الموالية لنظام بتوفليقة السابق إلى الواجهة السياسية.

في السياق، رحبّت كافة الأحزاب السياسية بنتائج الانتخابات البرلمانية، بينما نَدد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، بالتجاوزات الخطيرة التي سُجلت والتي أثرت على نتائج الانتخابات. بحسب أقواله.

رحيل حكومة عبد العزيز جراد

حتمت الانتخابات البرلمانية، رحيل حكومة عبد العزير جراد، وتعيين في الفاتح من تموز/جويلية الفارط وزير المالية السابق أيمن عبد الرحمان، وزيرًا للحكومة مع احتفاظه بحقيبة وزارة المالية.

وشكلت الحكومة مزيج من التكنوقراطيين والسياسيين، وجاء تعيين أيمن عبد الرحمان يَحمل رسائل اقتصادية بالدرجة الأولى في ظلّ استمرار أزمة السيولة، والرهان على استعادة الأموال المنهوبة، وإعداد برنامج اقتصادي تنموي.

أزمة كورونا 2021

وبالكاد جاء تنصيب المجلس الشعبي الوطني وتعيين أيمن عبد الرحمان وزيرًا للحكومة، وفي خضم تسارع انتشار فيروس كورونا "دلتا" أو الموجة الثالثة، شهدت المستشفيات الجزائرية تشبعًا، نتيجة ارتفاعًا محسوسًا في عدد الإصابات بالفيروس كوفيد المستجد، أربك الحكومة والقائمين على القطاع الصحي، خاصة بعدما سٌجل نقص في إمدادت مادة الاكسجين بالمستشفيات، ما أثار حملة استياء جزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي بدت منصة استغاثة الجزائريين في الطلب على الحصول على قارورات الاكسجين، أو معدات التنفس الاصطناعي.

وبلغ معدل الوفيات اليومية بحسب الأرقام الرسمية بين 20-30 وفاة، بينما يقول خبراء إن معدل الإصابات اليومية بلغ حينها 25 ألف إصابة وأن أعداد الوفيات أكثر من الأرقام الحكومية المعلن عنها.

صيف ساخن

وشهدت الجزائر صيف 2021 سلسلة من الحرائق مست مناطق مختلفة من الوطن، كان أخطرها بغابات تيزي وزو ومنطقة القبائل الأكثر تضررًا، وحسب السلطات الجزائرية فإن معظم الحرائق التي اندلعت في الجزائر مفتعلة، وتقف وراءها أيادي خارجية واجراميه، وقال عبد المجيد تبون في خطاب متلفز أن معظم حرائق الغابات التي اجتاحت البلاد مدبرة من جهات تعرف جيدًا المنطقة وتضاريسها، وقصدوا أن تكون النيران بمناطق عامرة بالسكان.

وبينما  لاتزال الجراح مفتوحة، طغت على الساحة السياسية، والميدل سوشيال جريمة قتل شاب، تَبين أنه كان بمنطقة القبائل بدافع التضامن ومساعدة المتضررين، والعمل على إطفاء الحرائق، وانتشرت مقاطع فيديو تداولت بشكل واسع على مواقع التوصل الاجتماعي توضح طريقة قتل الشاب جمال بن سماعين، والتنكيل بجثته في وضح النهار، وكانت مقاطع الفيديو صادمة، وأثارت استنكار واستهجان الشارع الجزائري والعالمي.

وفي خضم التراشق وتبادل التهم، وصعود خطابات الكراهية والعنصرية، داعا والد جمال بن سماعين إلى ضبط النفس وعدم وقوع في الفتنة وتقسيم الوطن، رافضا تحميل منطقة القبائل وزر مقتل ابنه جمال، مطالبًا بتحقيق العدالة وكشف الجناة.

ووُصفت تصريحات والد جمال بن سماعين بالحكيمة والهادئة، تعبر على تشبع بالوطنية، ولَقت عائلته حملة تضامن وطنية واسعة، وباتت منطقة خميس مليانة مقر إقامة العائلة محجًا لزيارة عائلة الشاب المغدور.

اجتماع المجلس الأعلى للأمن  

على إثر هذه الأحداث، أدرجت الجزائر رسميًا، حركتي "رشاد" و"الماك" الانفصالية على قوائم الإرهاب، خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن، وجاء في بيان المجلس الأعلى للأمن، الذي ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون، أنه "درس الاجتماع الأفعال العدائية والتحريضية المرتكبة من قبل ما يسمى بحركتي رشاد والماك، التي ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد والمساس بأمنها"، واتخذ وفق ذلك قرار يقضي بوضعهما "ضمن قائمة المنظمات الإرهابية والتعامل معهما بهذه الصفة".

كما تم إدراج نصوص تشريعية جديدة في قانون مكافحة الإرهاب على ضوء المستجدات والمعطيات الجديدة، مع اعداد بطاقة وطنية تحدد فيه الأشخاص والهيئات التي تهدد استقرار وأمن الوطن.

حملة اعتقالات واسعة

وبحسب "اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين" شهدت سنة 2021 حملة اعتقالات واسعة مست نشطاء في الحراك الشعبي وصحافيين ومحاميين بسبب نشاطهم السياسي، وبحسب اللجنة يوجد  حوالي 300 شخص ما يزالون رهن الحبس، ويطالب محامون وحقوقيون بالإفراج الفوري عن رئيس الحزب السياسي فتحي غراس وباقي النشطاء السياسيين.

وكتبت اللجنة وهي هيئة رصد محلية، في منشور لها على صفحتها على فيسبوك العدد 300 دون أن ترفقه بأي تعليق، وهو رقم لم يسبق أن سجلته البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي.

وعاد عدد المعتقلين إلى الارتفاع، بعد أن سجّل انخفاضًا تبعًا لقرارات الرئيس عبد المجيد تبون التي أعلن عنها في خطابه يوم 18 شباط/فيفري 2021، والتي تم على إثرها الإفراج على 33 شخصا بصيغ مختلفة.

واتهمت منظمة العفو الدولية، في آخر بياناتها السلطات الجزائرية باستخدام القوانين القمعية لمقاضاة عشرات المحتجين السلميين بموجب تهم مثل "المساس بالوحدة الوطنية" أو "المساس بالمصلحة الوطنية" أو "التحريض على التجمع غير المسلح" أو "إهانة موظفين عموميين" أو "الأساة إلى رئيس الجمهورية".

عودة نزار وتبرئة توفيق

عرفت تطورات الأحداث السياسية هذه السنة عودة وزير الدفاع الأسبق المثير للجدل خالد نزار إلى الجزائر من منفاه في إسبانيا، وتبرئه الفريق محمد مدين من تهمة التآمر على الجيش والدولة، بعدما أيدت المحكمة العسكرية الأحكام الابتدائية بالسجن 15 عامًا.

وتم تحويل السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق إلى سجن مدني ليتابع في قضايا فساد، بينما تم الإبقاء على بشير طرقاق في الحبس العسكري في انتظار محاكمته في قضايا أخرى.

بدروه تم إدانة الجنرال واسيني بوعزة، مدير الأمن الداخلي سابقًا بـ 20 سنة حبسًا، وتجريده من رتبته العسكرية، بعد تورّطه في محاولة تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ 12 كانون الأوّل/ديسمبر 2019.

وشهدت سنة 2021 مواصلة محاكمة مسؤولين سابقين من وزراء وإطارات دولة ورجال أعمال تورّطوا في قضايا فساد ورشوة، وتم استلام وترحيل مدير سوناطراك السابق عبد مومن ولد قدور من الإمارات العربية إلى الجزائر بتهمة قضية فساد أيضًا.

تعديل وزاري جزئي

وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلنت الرئاسة الجمهورية أن الرئيس عبد المجيد تبون أجرى تعديلًا وزاريًا محدودًا،  شمل وزارات الاتصال العمل والفلاحة.ولم ترد تفاصيل عن أسباب إعفاء الوزراء الثلاثة، لكن مصادر إعلامية كانت قد أشارت إلى تورّط ابن وزير الاتصال في قضايا مخدرات وقد أجلت هذه المحاكمة، بينما باقي الوزراء فالأمر مرتبط بالنتائج السلبية المحققة في القطاعين.

الانتخابات المحلية

واستكمالًا للمسار الانتخابي والمؤسساتي، فقد شهدت الجزائر انتخاب المجالس الولائية والبلدية المبكرة، والتي جرت في الـ 27 تشرين الأوّل/ نوفمبر السابق، وسجلت نسبة المشاركة بـ .35.97 بالمئة وبلغ عدد المشاركين أكثر من 8.5 ملايين ناخب.

يجدر الإشارة أن منطقة القبائل شهدت مشاركة وُصفت بالمتوسطة، بعد حملة مقاطعة الانتخابات الرئاسية سنة 2019 ولاستفتاء على الدستور سنة 2020، وأخيرًا الانتخابات التشريعية 2021، وتعود الأسباب إلى مشاركة حزب قوى الاشتراكية الذي يمتلك قواعد نضالية بالمنطقة في المحليات الأخيرة.

ووسط كل هذه المحطات السياسية والأحداث الساخنة، ينتظر الجزائريون انتهاء سنة 2021 مثلما انتظروا مغادرة 2020، آملين في سنة جديدة بعيدًا عن أزمة كورونا ومخاوف عودة الحجر الصحي، وطامحين في عودة الاستقرار السياسي وتحقيق التنمية الاقتصادية بعد الركود الذي عرفته البلاد منذ أزيد من سنتين.

خارجيًا شهدت الجزائر أزمات على الصعيد الخارجي طغت على أحداث هذه السنة، أبرزها التوترات الدبلوماسية التي عرفتها البلاد مع المغرب وفرنسا.

وكانت الجزائر في آب/أوت الماضي قد أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وسحب سفيرها من العاصمة الرباط، بعد توتر في العلاقات بين البلدين ازداد بشكل كبير مؤخرًا.

واتهم وزير الخارجية الجزائري المغرب بالتعاون مع منظمات إرهابية"، و"التجسّس على مواطنين ومسؤولين جزائريين"، و"التخلي عن التعهدات بشأن الصحراء ".

وقال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، في مؤتمر صحفي إن بلاده "ترفض الخضوع لسلوكيات وأفعال من المغرب وتدينها بقوة".

في هذا السياق، عرفتالعلاقات الجزائرية الفرنسية في الفترة الأخيرة توترًا شديدًا أدى إلى سحب السفير الجزائري بباريس عنتر داود، وذلك بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بداية الشهر الماضي والتي هاجم فيها السلطة في الجزائر بعبارات غير مسبوقة وطعن فيها في التاريخ الجزائري.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، اليوم الاثنين، أسفها لاستدعاء الجزائر سفيرها لدى باريس، إثر تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول الذاكرة الجزائرية.

يبدو أن السلطة ماضية في استكمال المسار الانتخابي والديمقراطي في البلاد ولو كان ذلك صوريًا وعلى حساب الأصوات التي قاطعت الانتخابات

يبدو أن السلطة ماضية في استكمال المسار الانتخابي والديمقراطي في البلاد ولو كان ذلك صوريًا وعلى حساب الأصوات التي قاطعت الانتخابات ورفضت الانخراط في هذا المسار بسبب حالة الجمود التي تعرفها البلاد منذ احتجاجات الحراك الشعبي، حيث سادة حالة من عدم الثقة بين السلطة والشعب، خاصة مع عودة الأحزاب الموالية للنظام السابق إلى الواجهة السياسية وتصدّرها القوائم الانتخابيات في المحليات والتشريعيات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لعمامرة: الجزائر تقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب

تحرّكات دبلوماسية لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة