لا حديث يعلو هذه الأيام داخل الكثير من العائلات الجزائرية عن كيفية تأمين دخول مدرسي جيّد لأبنائهم، في جانبه المتعلق بتوفير الأدوات المدرسية والهندام المقبول، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الملتزمات التعليمية كل عام، والتي صارت تثقل كاهل العائلات خاصّة ذات الدخل الضعيف.
يوعز كثيرون تراجع الإقبال على اقتناء الأدوات المدرسية بأسابيع مبكرة قبل موعد الدخول المدرسي إلى تراجع القدرة الشرائية للجزائريين
ورغم أن التعليم مجاني في الجزائر لجميع الأطفال البالغين سن التمدرس بقوة القانون، إلا أنّه ليس كذلك في مواضع كثيرة؛ حيث لا تستطيع المنح والعمليات التضامنية التي تقدّمها الحكومة في كثير من الحالات تغطية تكاليف الدخول المدرسي، في ظلّ بقاء أسعار المستلزمات المدرسية خاضعة لثنائية العرض والطلب.
اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. تأجيل الدخول المدرسي إلى 21 سبتمبر
أسعار مرتفعة
قبل أقل من أسبوعين من حلول السنة الدراسية الجديدة، غزت الأدوات المدرسية ومختلف مستلزمات التعليم الأسواق والمكتبات بمختلف ولايات البلاد، فبحي أول ماي بالعاصمة الجزائر، تحدثت "الترا جزائر" مع عمر، صاحب مكتبة لبيع الأدوات المدرسية حول خصوصية هذا العام، فأكد أن معظم الأدوات الورقية عرفت على الأقل ارتفاعًا بقيمة 10 دنانير بالنسبة للسلع المنتجة العام الماضي، أما بالنسبة للأدوات المدرسية المنتجة هذا العام فالارتفاع كان أعلى.
ويقول مسؤول محل علامة "تكنو" بدرارية، المختصة في بيع الأدوات المدرسية، والتي تملك ثمانية نقاط بيع بالعاصمة الجزائر لوحدها لـ"الترا جزائر"، إن الارتفاع في أسعار الأدوات المدرسية الورقية، وخاصة الكراريس يقدر بين 20 إلى 25 بالمائة بالنسبة للمنتج المحلّي، أما الكراريس ذات العلامات التجارية المستوردة فقد زادت أسعارها بـ 30 في المائة مقارنة بالموسم الدراسي الماضي.
ويشير المتحدث ذاته إلى أن أسعار باقي الأدوات المدرسية، خاصّة المصنوعة من البلاستيك، فقد ارتفعت بنحو 30 بالمائة، سواءً المصنوعة محليًا أو كانت مستوردة، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع أسعار البلاستيك في الجزائر والعالم ككل.
سوق فوضوية
تبقى سوق الأدوات المدرسية في الجزائر كغيرها من المنتجات الأخرى تتميز بالفوضى وعدم التنظيم، بالنظر لكثرة من يبيعونها في الأسواق الموازية، إضافة إلى التنافس وكسر الأسعار أو رفعها من قبل المؤسسات النشطة في هذا المجال، وهو ما يؤثر على النوعية، ويجعل المستهلك ضائعًا في الحصول على أدوات مدرسية تجمع بين الثمن المنخفض والجودة العالية.
هنا، يقول ممثل محلات "تكنو" بدرارية بالعاصمة الجزائر (رفض ذكر اسمه) لـ"الترا جزائر"، إن اقتناء المستهلك للأدوات المدرسية يكون على حسب قدرته الشرائية، فالبعض يبحث عن الأرخص ثمنًا حتى ولو كان ذلك على حساب الجودة التي قد تتوفر في المنتجات المحلية، في حين أن البعض مدمن على اقتناء كل ما هو أجنبي حتى ولو كان بسعر عالٍ، مبينًا أن معظم الأدوات المدرسية المستوردة المتداولة في السوق الجزائرية قادمة من الصين خاصّة المحافظ.
وفي السوق المحلية، يشتكي بعض تجار التجزئة من انعكاس التنافس الموجود بين بعض الشركات الجزائرية والذي كبدهم خسائر لم يتوقعوها، بعد أن خفضت إحدى شركات المنتجات الورقية الأسعار بشكلٍ واضح ضدّ مؤسسات معروفة في هذا المجال كشركتي الهلال والريان، وهو ما جعل بضاعتهم تتكدس بالنظر إلى أن أغلب المستهلكين يهتمون بالسعر أكثر من الجودة.
وساهمت عمليات الرسكلة لنفايات الورق والبلاستيك التي بدأت تشهدها الجزائر في السنوات الأخيرة، في ظهور تباين في أسعار الأدوات المدرسية كغيرها من السلع المصنوعة من هاتين المادتين.
وبعيدًا عن صراع التجار، يبقى المستهلك هو الضحية الأبرز، بالنظر إلى الفرق الواضح في الأسعار بين أسواق الجملة والتجزئة، والتي تكون فيها نسب الفائدة التي يحصل عليها التجار عالية، متحجّجين بأنّ هذه التجارة شبه موسمية تقتصر على بداية السنة التعليمية فقط.
وإن كان لفوضى الأسعار والجودة تأثير على المستهلك الذي هو التلميذ، فإن الأخطر يبقى في تداول أدوات مدرسية في بعض الأحيان غير صحية، أو تحمل رسائل لا تتماشى مع تقاليد وعادات المجتمع الجزائري، لذلك وجب على السلطات الرسمية العمل على ضبط سوق الأدوات المدرسية.
إقبال متواضع
يجمع كثيرون ممن تحدثوا لـ"الترا جزائر" أن الإقبال على اقتناء الأدوات المدرسية هذه السنة ليس بالشكل التي كانت تعرفه مكتبات العاصمة الجزائر خلال السنوات الماضية، فالإقبال متوسط على حد تعبيرهم، وذلك لاعتبارات مختلفة، منها ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا بالجزائر خلال الأسابيع الماضية، لكن هذا الجانب يبقى تأثيره حسب البعض محدودًا.
ويوعز كثيرون تراجع الإقبال على اقتناء الأدوات المدرسية بأسابيع مبكرة قبل موعد الدخول المدرسي إلى تراجع القدرة الشرائية للجزائريين في السنوات الأخيرة، بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار مختلف السلع والخدمات جراء تهاوي قيمة الدينار مقابل العملات الصعبة، وفقدان العديد من العمال لوظائفهم بسبب جائحة كورونا والأوضاع السياسية التي عاشتها البلاد بداية من 2019، وجراء سياسات التقشف التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة جراء تراجع أسعار النفط.
غير أن البعض، يرجع هذا التراجع في الإقبال أيضًا إلى لجوء الكثيرين إلى اقتناء الأدوات المدرسية الكترونيًا، لتفادي التنقل إلى الأسواق بسبب الجائحة، وكذا لأن شبكة الواب توفر للمستهلك خيارات من كل الأنواع، وبأسعار لا تختلف عن المعروض في المكتبات.
الكتب المدرسية المقررة والمساعدة ودروس الدعم فاتورة أخرى تنتظر أولياء التلاميذ مع كل موسم تعليمي جديد
الأكيد أن اقتناء الأدوات المدرسية يمثل جانبًا واحدًا من الظروف التي أصبحت العائلات مطالبة لتوفيرها لأبنائها لضمان تعليم عادي لهم؛ فالكتب المدرسية المقررة والمساعدة ودروس الدعم فاتورة أخرى تنتظر أولياء التلاميذ مع كل موسم تعليمي جديد.
اقرأ/ي أيضًا:
الحكومة تفصل في تاريخ الدخول المدرسي الأسبوع المقبل
قبيل الدخول المدرسي.. هذه حلول وزارة التربية لتفادي انتشار كورونا