16-ديسمبر-2022
الصحراء الجزائرية (تصوير: زكريا قجالي/Getty)

سائح في الصحراء الجزائرية (الصورة: Getty)

احتضنت ولاية غرداية جنوبي الجزائر هذا الأسبوع الطبعة الخامسة لمهرجان السياحة الصحراوية، في تظاهرة تحاول منها الحكومة إبراز أهمية الالتفات إلى هذا القطاع بالولايات الجنوبية التي تتوفر على مناطق سياحية ليست لها نظيرًا في العالم، إلا أنها تظل بعيدة عن اهتمام السياح ومحبي الترحال والسفر، فما هو سبب عدم تحول صحراء الجزائر إلى قبلة  للزوار من البلاد وخارجها رغم توفرها على كل المقومات اللازمة لذلك.

العروض التي تقدمها الوكلات السياحية في هذه الفترة من السنة تستهدف المناطق الصحراوية كجانت وبشار وتاغيت وغرداية وتميمون

ورغم خطابات تنشيط قطاع السياحة بالجنوب التي رددتها مختلف الحكومات، إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل المطلوب إلى اليوم، وهو ما يراه مختصون أنه يخالف توجه الحكومة نحو تنويع اقتصاد البلاد، والتي يشكل فيها قطاع السياحة أحد محاوره، بالنظر لما تتوفر عليه الجزائر من مناطق بصحرائها الشاسعة التي تشكل أكثر من 70 بالمائة من مساحة البلاد، والتي تجعل من جنوب البلاد ذا إنتاج اقتصادي خارج قطاع المحروقات

مستقبل السياحة 

قال وزير السياحة والصناعة التقليدية ياسين حمادي لدى إشرافه على انطلاق الطبعة الخامسة للمهرجان الدولي للسياحة الصحراوية إن الجزائر تطمح إلى الاستفادة من قدراتها السياحية، لاسيما السياحة الصحراوية التي تسمح بجذب استثمارات وطنية وأجنبية بالنظر للإمكانات السياحية الهائلة التي تتوفر عليها البلاد.

وأضاف حمادي أن "قطاع السياحة يتجه نحو مستقبل واعد بالنظر للإمكانات الطبيعية والثقافية الفريدة التي يتوفر عليها، فضلًا عن المواقع المصنفة عالميا بالصحراء الجزائرية"، مذكرًا أن "تطوير السياحة، كقطاع ذو آفاق واعدة جدا ببلادنا، يعد من أولويات برنامج الرئيس تبون".

وحسب المتحدث، فإن السلطات تعمل على جعل الجزائر وجهة سياحية بامتياز، لأن "التحدي يتمثل في بناء الوجهة الجزائرية في مجال السياحة  من خلال إستراتيجية حقيقية للترويج السياحي الشامل الذي يعتمد على تضافر جهود جميع المتدخلين، لا سيما مهنيو القطاع المطالبين بالعمل سويا لتجسيد هذا التحدي".

وأردف الوزير قائلًا "لدينا الإمكانات والقدرات الهائلة الطبيعية والثقافية والمعمارية والسياحية التي تتوفّر عليها القصور التي يبلغ عمرها ألف عام بالجنوب الجزائري من أجل جعل الجزائر وجهة رئيسية للسياحة تحترم الثقافة والبيئة ووجهة سياحية أساسية، فبعض مواقع التراث مصنفة في تراث البشرية كالأهقار وطاسيلي ناجر والقصور".

إقبال متفاوت

يتفاوت الإقبال على زيارة المناطق الصحراوية من ولاية إلى أخرى، ومنطقة إلى أخرى، مثلما أوضحه  لـ"الترا جزائر" أبو بكر ناصر مدير شركة "تولاغ للخدمات" التي تملك وكالة سياحية بولاية تنمراست، مشيرًا إلى أن وكالته وصلتها طلبات رغبة لقضاء عطل بتمنراست من سياح أجانب من فرنسا وتونس والمغرب والبرتغال، وهي الطلبات التي يأمل ترسيمها في الأيام المقبلة.

وأوضح ناصر أن الإقبال بولاية تمنراست على مستوى وكالته السياحية منخفض مقارنة بالسنة الماضية، لكن يتوقع ارتفاعه مع عطلة نهاية السنة الجارية، مضيفًا في الوقت ذاته أن مناطق أخرى تشهد توافدًا كبيرًا منها جانت التي تم تسجيل إقبال كبير لزيارتها سواء من داخل الوطن أو خارجه.

وينتظر أن تستفيد جانت هذا العام من الميزة التي حصلت عليها، والمتمثلة في إقامة رحلات جوية مباشرة من العاصمة الفرنسية باريس نحو مطار جانت، وهي الخطوة التي يجب أن توسع بتنظيم رحلات من دول أخرى نحو جانت، وبتطبيق هذه التجربة في مطارات الولايات الأخرى كبشار وتمنراست وتميمون.

وعند النظر إلى العروض المقدمة من عديد الوكالات السياحية على الإنترنت، يتضح أن أغلب الوجهات السياحية في هذا الوقت تستهدف المناطق الصحراوية كجانت وبشار وتاغيت وغرداية وتميمون، كون الوجهات السياحية في شمال البلاد تكون في هذا الوقت من السنة في الغالب الأماكن الجبلية كالشريعة وتيكجدة، غير أن عدم تساقط الثلوج بها بشكل كبير أجل تنظيم الوكالات السياحية رحلات إليها حاليا، وذلك في انتظار ما يحمله الطقس في الأيام الماضية.

اهتمام أكثر

بالنسبة لأبوبكر ناصر، فإن الجزائر تتوفر على مناطق سياحية بإمكانها منافسة مختلف الوجهات العالمية، وبالخصوص المناطق الصحراوية التي لا يوجد لها مثيلا في العالم، مثل تمنراست التي  يمكن بها مشاهدة أجمل غروب للشمس في العالم، إلا أن الاستثمارفي هذه المقومات السياحية يتطلب إرادة سياسية حقيقية لتنشيط السياحة الصحراوية وهذا القطاع الاقتصادي ككل.

ويرى مدير وكالة تولاغ أن أول جانب يجب القيام به لتحويل هذه الإرادة إلى أفعال ميدانية هو اعتماد سياسية تسويقية وترويجية محترفة وفعالة لجعل الجزائر وجهة سياحية بامتياز.

ويعتقد رئيس الفيدرالية الوطنية للسياحة سعيد بوخليفة أن تطوير قطاع السياحة يتطلب اهتمامًا أكثر بالسياحة الداخلية لإنجاح الموسم السياحي الجديد، داعيًا في هذا الإطار إلى تنظيم زيارات استكشافية وفتح مقاصد جديدة، خاصة بمناطق الأهقار والطاسيلي وغرداية وتيميمون وأدرار والساورة وبني عباس وتاغيت وتمنراست التي تتوفر على مناظر فريدة من نوعها.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن بوخليفة قوله إن تطوير السياحة الصحراوية يستدعي وجود "إرادة سياسية قوية"، خاصّة وأن "منطقة الجنوب تتوفر على إمكانيات سياحية فريدة من نوعها، لكنها تبقى لحد الآن غير مستغلة  بالقدر المطلوب"، مما يستدعي "تجسيد مشاريع استثمارية واستغلال كل الكفاءات الوطنية لتحسين المنتوج السياحي وتقديم عروض تنافسية وفتح المسالك التي بقيت مغلقة منذ ،2012 لاسيما بمنطقة الطاسيلي وفتح مقاصد سياحية جديدة".

وحسب مختصين، فإن تطوير قطاع السياحة سواء بالمناطق الصحراوية أو غيرها يرتكز بالأساس على أماكن الاستقبال التي تبقى رغم ارتفاع عددها مقارنة بالسابق غير كافية، كما تظل أسعارها أحيانا مرتفعة وتقارب أو تزيد عن تكاليف التوجه إلى الوجهات الأجنبية المفضلة للجزائريين كتركيا وتونس، إذ أن تكلفة الاستفادة من أسبوع إقامة في تمنراست وزيارة مناطقها السياحية المميزة تتراوح اليوم بين 65 ألف إلى 100 ألف دينار، وفق تصريحات أبو بكر ناصر لـ"الترا جزائر".

الاستثمار في قطاع السياحة كفيل ببلوغ 3 ملايين سائح سنويًا إلى الجزائر 

من المؤكد أن معالجة مختلف هذه المشاكل والعوائق التي تقف أمام مهنيي قطاع السياحة من شأنها أن تسرع وتيرة نمو هذا القطاع، ويكون ذلك أيضًا بالاستفادة من فترة كورونا التي جعلت الجزائريين يكتشفون جمال بلادهم وثرائها، وذلك بالاستثمار الحقيقي في قطاع السياحة، وهو وحده الكفيل بتحقيق ثلاثة ملايين سائح في هذا الموسم.