29-ديسمبر-2023
عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية (الصورة: أ.ف.ب/Getty)

عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية (الصورة: أ.ف.ب/Getty)

واجهت الجزائر في سنة 2023 تحديات خارجية على جميع المستويات، حيث عرفت هذه السنة عد توترات وصراعات، ففي جوارها الجنوبي ازدادت منطقة الساحل تأزمًا بانقلاب في النيجر ،وانتخابات مؤجلة في مالي من طرف حكومة عسكرية، ما زاد في إطالة المرحلة قبل عودة البلاد إلى الوضع الدستوري، فيما استأنفت شمالًا العلاقات مع إسبانيا واللقاءات مع فرنسا في رسالة إلى الغرب أنها حريصة على إقامة علاقات متعدّدة رغم تعزيزها لعلاقاتها مع قطبي الشرق الصين وروسيا.

عاشت الدبلوماسية الجزائرية في سنة 2023 اختبارات حقيقية بشأن تعاملها مع دول الجوار بدءًا بدولة مالي التي ما تزال تعيش وضعًا أمنيًا وسياسيًا متأزمًا

وضع الرئيس تبون تعزيز تموقع الجزائر في الساحة الدولية ضمن الالتزامات الـ54 التي تعهد بتحقيقها ضمن برنامجه الرئاسي،وبعيدًا عن شكليات هذه التعهدات والسياق الدعائي الذي جاءت فيه، يبد أن تحقيقها هذه الالتزامات ليس أمرًا سهلًا، وقد يتطلب تصليح مع تعطل في العقد الماضي، أكثر من مجرد قرار تتخذه الحكومة، وبالخصوص لما يتعلق الأمر بسنة 2023 التي كانت مليئة بالأحداث التي تدخل ضمن نطاق نشاط الدبلوماسية الجزائرية.

هيئات دولية

بعد غياب لسنوات عن كثير من الهيئات الدولية، وضعت الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الماضية الحضور ضمن مناصب مختلف الهيئات الدولية ضمن أولوياتها، فظهر ذلك في عدة تحركات أفرزت انتخابها عضوًا في مجلس حقوق الأنسان الدولي، وحصولها على الدعم الدولي لتكون عضوًا غير دائم بمجلس الأمن الذي تطالب بتوسيع عدد أعضائه ابتداءً من العام الداخل لعهدة تمتد سنتين.

واستطاعت الجزائر أن تفوز بالأغلبية الساحقة بعد دعم واسع من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتكون هذه المرة الرابعة في تاريخها، بعد عهدات 1968-1969 و1988-1989 و2004-2005. وانتخبت الجزائر نهاية أيلول/سبتمبر الماضي في فيينا بالإجماع من طرف الدورة الـ67 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عضوًا في مجلس محافظي الوكالة للفترة الممتدة من 2023 إلى 2025.

ونهاية تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، انتخبت الجزائر مرة أخرى من طرف الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بالإجماع في المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن منطقة أفريقيا لعهدة مدّتها سنتين ابتداء من 12 أيار/ماي 2024.

كما انتخبت الجزائر لرئاسة لجنة تعزيز التعاون والمساعدة في اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لسنة 2024, خلفًا لتايلاندا، بالنظر لتجربتها في مكافحة الألغام المضادة للأفراد و التي تعود إلى الثورة التحريرية ومساهمتها الفعالة في تحقيق الأهداف الإنسانية للاتفاقية.

لكن السؤال المرتبط دائمًا بهذه التحركات الخارجية للجزائر، هو حول  جدواها وتأثيرها على أرض الواقع، وهل سيضيف ذلك وزنًا للدول المنخرطة في هذه الهيئات ويساعدها في المشاركة في صناعة القرارات المرتبطة بالمنطقة، أم جاء الانخراط فيها من باب إثبات الالتزامات الانتخابيئة للرئيس عبد المجيد تبون، دون أن يكون هناك أثر فعلي حقيقي على مستوى الدبلوماسية الجزائرية في الخارج؟

رهانات الجوار

عاشت الدبلوماسية الجزائرية في سنة 2023 اختبارات حقيقية بشأن تعاملها مع دول الجوار، بدءًا بمالي التي ما تزال تعيش وضعًا أمنيًا وسياسيًا متأزمًا، بالنظر إلى أن تاريخ العودة إلى الشرعية الدستورية ما يزال بعيدًا، بعد أن قرر المجلس العسكري في أيلول/سبتمبر الماضي تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في فبراير/شباط 2024، وإلغاء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة نهاية العام الجاري، ومن دون أن يحدد تاريخًا جديدًا لهذه الاستحقاقات.

ووضع هذا الوضع الجزائر في وضع صعب بالنظر إلى أنها المتحمل الخارجي الأول لحالة عدم الاستقرار التي تعيشها جارتها الجنوبية، كونها ترعى الوساطة الدولية وفقًا لاتفاقية الجزائر 2015 الموقعة بين حكومة بماكو والفصائل الأزوادية في شمالي البلاد.

وحاولت الجزائر الوقوف على الدوام على مسافة واحدة من جميع الأطراف في مالي إلا أن ذلك لم يكن كافيًا، فقد رأى المجلس العسكري المتحالف اليوم مع قوات فاغنر الروسية أنه باستطاعته الإخلال بالتزاماته من خلال شن حملات ضد مناطق الأزواد في شمالي البلاد.

وقبل أسابيع نشب خلاف بين البلدين، من خلال استدعاء السلطات الحاكمة في مالي سفير الجزائر في بماكو عقب استقبال الجزائر للسياسي والداعية محمود ديكو، وهو ما جعل الجزائر تردّ على ذلك بالمثل، لكن المجلس العسكري أضاف على ذلك باستدعاء سفيره في الجارة الشمالية للتشاور، وهو ما لم ترد الجزائر عليه، بما أن تصريحات المسؤولين الماليين تشير إلى التزامهم باتفاقية الجزائر 2015.

وفي الجارة النيجر التي شهدت انقلابًا في الـ 26 من شهر تموز/جويلية الماضي ضد حكم الرئيس محمد بازوم، استطاعت الجزائر عبر تحركاتها الدبلوماسية من تجنيب نيامي تدخلًا عسكريًا أجنبيًا كانت تسعى إليه فرنسا المطرودة من البلاد، وذلك بعد أن استطاعت الجزائر إقناع مجموعة "إيكواس" بوجهتها لحل الأزمة في نيامي.

وساهمت اللقاءات التي خاضتها الدبلوماسية الجزائرية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية كإيطاليا وألمانيا، إضافة إلى دعم وجهتها من قبل المعسكر الشرقي في تجنب تكرار ما حدث ليبيا ومالي سابقًا.

 وطرحت الجزائر مبادرة للوساطة في النيجر قبل لها في البداية المجلس العسكري الحاكم حاليًا، لكنه تراجع فيما بعد، ما جعل الجزائر تسحب مبادرتها مؤقتًا، لكن الزيارة التي أداها وزير خارجية النيجر نهاية كانون الأول/ديسمبر الحالي تنبئ بعودة الجزائر للعب دورها في الجارة الجنوبية.

وبليبيا، ماتزال الجزائر تصرّ على ضرورة الذهاب إلى انتخابات في أقرب وقت لتحقيق المصالحة الوطنية، لكن الحل هناك تتحكم فيه عدة أطراف دولية أظهرت السنوات أن رؤيتها لا تتقاطع مع نظرة الجزائر التي عملت في 2023 على تعزيز عودتها لهناك اقتصاديا بعدما كانت سابقًا سياسيًا من خلال إعادة فتح السفارة الجزائرية في طرابلس.

وتتمثل العودة الاقتصادية في إعلان سوناطراك عن استئناف نشاطها في ليبيا، وكذا المشاورات المتقدّمة لإعادة فتح معبر الدبداب- غدامس الحدودي الذي من شأنه رفع المبادلات التجارية بين البلدين، وبالخصوص فتح منفذ جديد للمنتوج الجزائري إلى هناك خاصة في القطاعات التي أصبحت الجزائر مصدرة فيها مثل قطاع البناء من حديد وإسمنت وسيراميك وغيرها، والتي يوجد كبير بشانها في الجارة الشرقية.

أما بالنسبة للمغرب، فالعلاقات ماتزال تزداد توترا، ولا يظهر أن ميعاد عودة العلاقات قريب، وبالخصوص بعد أن رفضت الرباط استقبال مساعدات للمتضررين من الزلزال الذي ضرب مراكش، ورفض وزير خارجيتها التفاعل مع المكالمة الهاتفية لنظيره أحمد عطاف مثلما صرح الأخير لقناة الجزيرة.

شراكات معمقة

حرصت الدبلوماسية الجزائرية في 2023 على تعزيز تعاونها مع شركائها الاقتصاديين والسياسين، وهو ما ظهر من خلال الزيارات التي أداها الرئيس تبون إلى خارج البلاد، فعربيًا أصبحت الشراكة القطرية الجزائرية أنموذجًا للتعاون العربي البيني، الأمر الذي جعل الاستثمارات القطرية في الجزائر تتجاوز الاستثمارات الاوروبية مجتمعة خارج المحروقات، وفق تصريح وزير الخارجية أحمد عطاف.

ويظهر هذا التعاون في الزيارات المتبادلة بين البلدين ،منها الزيارة التي أداها الرئيس تبون إلى الدوحة الصيف الماضي، ومشاركة وزير الخارجية أحمد عطاف في منتدى الدوحة الذي خصّص للوضع في غزة، في وقت شاركت الجزائر بأدنى تمثيل في لقائي القاهرة والرياض المخصصين للقضية الفلسطينية.

وكانت سنة 2023 موعدًا جديدًا لتاكيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع الجزائر بتركيا،وبالخصوص في جانبها الاقتصادي، فقد شهد العام زيارة الرئيس تبون إلى تركيا في شهر تموز/جويلية الماضي، فيما حل أردوغان بالجزائر شهر تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم لحضور الاجتماع الثاني لمجلس التعاون رفيع المستوى بين البلدين.

ويظهر هذا التعاون في ارتفاع الاستثمارات التركية بالجزائر إلى ستة ملايير دولار لتكون بذلك أول دولة مستثمرة بالجزائر، فيما يطمح البلدين لرفعها قريبًا إلى 10 ملايير دولار.

وشكلت 2023 فرصة للجزائر للتأكيد على شراكتها التاريخية مع المعسكر الشرقي، حيث زار الرئيس تبون روسيا شهر حزيران/جوان الماضي، والتي توجت بالتوقيع على  إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمّقة بين البلدَين، والذي خصص لأول مرة للاقتصاد وتوج بالتوقيع على اتفاقات في التسليم بين البلدَين والتعاون في مجال الاتصالات العامة، وحماية النباتات والموارد المائية، والعدل والثقافة، واستكشاف الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

وقُرئت زيارة تبون في سياق أن الجزائر لن تذعن للتهديدات الغربية الداعية لمقاطعة روسيا جرّاء تدخلها العسكري في أوكرانيا، فقد قال تبون إن "الضغوط الدولية لن تؤثر على علاقتنا مع روسيا"، مشيرًا في تصريح مشترَك مع بوتين عن "ارتياحه لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تمَّ تناولها خلال المحادثات، ومنها قضية الصحراءوالوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية، وكذا التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عمّا يجري في ليبيا".

وبعد موسكو، كانت وجهة تبون الصين التي حل بها في تموز /جويلية الماضي، وتوجت بالتوقيع على 19 اتفاقية في عدة قطاعات، منها النقل بالسكك الحديدية وتحويل التكنولوجيا، والتعاون الفلاحي والاتصالات، والرياضة والاستثمار والتعاون التجاري، والداخلية والتهيئة العمرانية والبحث العلمي والقضاء والتنمية الاجتماعية والطاقات المتجددة والهيدروجين، وقطاعات أخرى.

وقال تبون وقتها "إن الصين ستستثمر 36 مليار دولار في مجالات مختلفة بالجزائر كالصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة".

وفي زيارتيه لروسيا والصين حصل تبون على تعهدات بدعم الجزائر في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" في اجتماع جنوب أفريقيا، إلا أن ذلك  ما لم يتم وهو ما شكّل ضربة دبلوماسية للجزائر حسب متابعين، إلا أن البعض الآخر رأى في ذلك تجربة يجب الاستفادة منها لتطوير اقتصاد البلاد، وهو ما يظهر أن الحكومة تعمل عليه ولن تتخلى عن سياسة التوجه شرقًا، حيث أعلن وزير الخارجية أحمد عطاف منذ أيام تقديم الجزائر طلبًا رسميًا للانضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون لمنظمة "آسيان" لدول جنوب شرق آسيا.

استئناف العلاقات أوروبيًا

لم تكن علاقات الجزائر مع المعسكر الغربي بالإستراتيجية ذاتها الموجودة مع الشرق، وبالخصوص في بداية 2023، إلا أن الشطر الثاني من العام الذي على وشك الانتهاء عرف استئنافًا للعلاقات، وبالخصوص مع إسبانيا، فقد أعلنت وزارة الخارجية منتصف الشهر الماضي تعيين سفير جديد في مدريد بعد قرابة 20 شهرًا من المغادرة، بعدما أعلنت الجزائر في آذار/مارس 2022 استدعاء السفير احتجاجًا على تغيير مدريد موقفها من الحل فيقضية الصحراء، والتنصل من مسؤوليتها هناك كسلطة استعمارية، وهو القرار الذي انجر عنه تعليق الجزائر العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين البلدين بداية الألفية.

وحسب الوزير عطاف، فإن إعادة السفير إلى مدريد جاء عقب عودة إسبانيا إلى موقفها السابق الذي عبرت عنه صراحة من خلال خطاب رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالعودة إلى الموقف الأوروبي، والذي عبرت عنه صراحة أيضًا عبر البوابة الإلكترونية لوزارة الخارجية.

وإن كانت العلاقات مع باريس لم تصل إلى المستوى ذاته الذي كان مع إسبانيا، إلا انها عرفت هي الأخرى توترًا في بداية العام، واختلاف في عدة وجهات نظر تسبب في تأجيل زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا التي كانت مقررة في حزيران/جوان الماضي، والتي لم يحدد موعدها حتى اليوم رغم انها ماتزال قائمة حسب تصريحات المسؤولين الجزائريين، إلا أنها ترتبط بتحضير الترتيبات اللازمة للقيام بها.

ورغم هذا إلا أن العلاقة بين البلدين بدأت في الفترة الأخيرة تعرف نوعًا من التحسن بالرغم من رفض الجزائر عبور طائرات عسكرية فرنسية على أقليمها الجوي للتوجه نحو النيجر، حيث زار وزير الداخلية الفرنسي الجزائر، وتوجه الأمين العام الخارجية إلى باريس، مع العلم أن كانون الثاني/جانفي 2023 شهد زيارة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة إلى باريس.

وشهدت سنة 2023 تعزيز للعلاقات مع إيطاليا التي أصبحت أهم شريك أوروبي، إضافة إلى زيارة الرئيس تبون إلى البرتغال، فيما زال وزير الخارجية أحمد عطاف عدة دول أوروبية لتعزيز التعاون مع الجزائر مثل ألمانيا وبريطانيا وغيرها.

وفي المجمل حافظت الجزائر في سنة 2023 على المبادئ الرئيسية التي تبني سياستها الخارجية كرفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، ودعم الشعوب في تقرير مصيرها ممثلة في الدعم الكامل لفلسطين، ورفض محاولات إلحاق صفة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية، وجاء الموقف الجزائر منددًا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة التي يرتكبها في حق الفلسطينيين، ولكنه موقف مثل مواقف كثيرة في العالم، لم يخرج عن سياق خطابات التنديد والشجب.

تركز الحكومة في الوقت الحالي على التحركات الداخلية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي تجري نهاية العام المقبل

ومهما كانت الصعوبات والمسؤوليات التي واجهتها الدبلوماسية الجزائرية في 2023، فإنها ستظل أقل مما هو منتظر منها العام الداخل بانضمامها إلى مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم، في مقابل تركيز الحكومة في الوقت الحالي على التحركات الداخلية وتوجهها نحو تفعيل التزامات الرئيس التي أطلقها منذ مجيئه إلى الحكم، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي تجري نهاية العام المقبل.