19-أبريل-2021

الإمام ياسين لراري (يوتيوب)

 
كان إغلاق الفضاءات العامّة في الجزائر شاملًا، خلال الموجة الأولى من انتشار فيسروس كورونا، مطلع عام 2020، بما فيها تلك المصنّفة في خانة "المؤسّسات الحيويّة"، مثل المدارس والأسواق.
تعدّى التّضامن مع الإمام الموقوف الأشخاص والنّشطاء إلى الهيئات الحقوقيّة والدّينيّة
ثمّ راح التّخفيف يفرض نفسه لاحقًا، شيئًا فشيئًا، حتّى مسّ الفضاءات الشّعبيّة ذات الاحتكاك الواسع، مثل الأسواق والحدائق والمراكز التّجاريّة الكبيرة، ولم تبق إلّا الفضاءات المسجديّة والثقافيّة مطالبةً بتحقيق إجراءات التّباعد الاجتماعيّ التّي  تفرضها الوقاية من الفيروس. 
ففي المساجد؛ ما تزال إجراءات استبعاد النّساء من الصّلاة؛ مثلًا، ومنع لمس المصاحف، وغلق الأماكن المخصّصة للوضوء سارية المفعول. وهو الاستثناء الذّي جعل قطاعًا واسعًا من الجزائريّين يتساءلون عن خلفيته وجدواه؛ بما دفع وزير الشّؤون الدّينيّة والأوقاف يوسف بلمهدي إلى القول إنّ هناك مخطّطًا يهدف إلى كسر سياسة الإجراءات الوقائيّة في المساجد وفضاءات العبادة وحذّر من ذلك. 

أمام هذا الوضع، تناقلت مواقع التّواصل الاجتماعيّ خطبةً لإمام مسجد التّوبة في ضاحية بوزرّيعة بالجزائر العاصمة ياسين لراري قال فيها إنّه ليس ضدّ إجراءات التّباعد في المساجد؛ "فهي من السّنّة النّبويّة وتدخل في المصلحة العامّة؛ لكنّني أبحث عن مبرّر واحد يجعل المساجد هي الفضاءات الوحيدة التّي بقيت مطالبةً بتطبيق هذه الإجراءات". 

وأعطى الإمام الجزائريّ أدلّة كثيرة على اختراق المصالح الحكوميّة للإجراءات الوقائيّة، هي المطالبة بإعطاء القدوة؛ حسبه، لعموم المواطنين حتّى يواصلوا الالتزام بها، من ذلك احتفالات عيد المرأة في قاعات مكتظّة، وعناق وزيرة البيئة الحالية لزميلها الذّي سُحبت منه الثّقة في التّغيير الحكوميّ الأخير. 
لم يلبث صاحب الخطبة التّي نافست في انتشارها كلمة وزير القطاع بمناسبة حلول شهر رمضان، حتّى أتاه قرار الفصل، الخميس؛ من الوصاية بمبرّر الخروج عن دائرة التحفّظ في أمر أقرَّته. وهو ما كان مقدّمة لحملة وطنيّة تتضامن معه وتطالب بإعادته إلى المنبر. 
يقول النّاشط رياض سقني، إنّ قوّة هذه الحملة التّضامنيّة لم تأتِ فقط من كون الجزائريّين لمسوا الصّواب في ما ذهب إليه الإمام؛ بل لأنّهم اشتاقوا أيضًا إلى إمام يخرج عمّا هو مسطّر له من الوصاية ويقول ما يعتقده حقًّا. 
لقد أعطت مواقف الأئمّة المساندة لخيارات الحكومة؛ خاصّة خلال مسارات الحراك الشّعبيّ، يقول محدّث "الترا جزائر"؛ انطباعًا بأنّهم ناطقون باسم حكومة الأرض لا باسم حكومة السّماء كما هو منتظر من طبيعة وظيفتهم. لذلك مثّل الشّيخ ياسين لراري النّموذج الجريئ الذّي ضحّى بمنصبه لأجل هيبة ومصداقية هذا المنصب.
ويقول الكاتب وطبيب الأسنان عمر عبّاس إنّ المساجد في الجزائر باتت منابر سياسيّة تنويميّة. "وإن تجرّأ إمام، فقال كلمة حقٍّ يُدخلونه السّجن أو يطردونه من منصبه! إنّ هذا الإمام لم يطلب من النّاس أن يخرجوا على الحاكم، بل دافع عن المساجد التّي يُراد تغييبها والتّضييق عليها أو غلقها نهائيًّا". 

ويضيف عمر عبّاس: "المساجد يبنيها الشّعب بأمواله وجهوده الخاصّة، فيجب أن تكون عامرة بالذّكر وحفظ القرآن والدّروس النّافعة. وحتّى لو نام الواحد منّا في المسجد، فإنّ نومه فيه أفضل من أن يبقى يتسكّع في الشّوارع". ودعا الكاتب وطبيب الأسنان الجزائريّ إلى التحرّك من أجل ما أسماها إعادة الاعتبار لمؤسّسة المسجد، "حتّى تقوم بدورها الذّي لا توجد مؤسّسة أخرى مؤهّلة للقيام به".

وورد في تدوينة فيسبوكيّة للنّاشطة الجمعويّة وأستاذة التّعليم القرآنيّ مريم عمارة إنّ الشّيخ ياسين لراري ختم خطبته بقوله: "اللّهمّ هل بلّغت. اللّهمّ فاشهد". وإنّ الله يشهد. ونحن جميعًا نشهد أنّك قد بلغت. وأعدت لنا الأمل في وجود أمثالك ممّن يصدعون بالحقّ".
وأنتم أيّها الأئمّة؛ تختم مريم عمارة تدوينتها، قد فتح لكم هذا الشّيخ  الباب، وأقام عليكم الحجّة، ولا عذر لكم بعد اليوم". 

 

وتعدّى التّضامن مع الإمام الموقوف الأشخاص والنّشطاء إلى الهيئات الحقوقيّة والدّينيّة؛ منها "الرّابطة الجزائريّة للدّفاع عن حقوق الانسان" التّي أصدر مكتبها في ولاية الجزائر بيانًا ورد فيه أنّ الشّيخ ياسين لم يفعل سوى أنه قال كلمة الحقّ. والتي صدرت في بياننا قبل أيّام نصرةً للمساجد وإنكارًا لقرارات وزارة الشّؤون الدّينيّة. وإنّ مناقشة الأفكار والدين ومواضيع المجتمع بكلِّ حرية في المساجد لا أحد يُقيِّدها".
من جهتها نشرت جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين، في صفحتها الرّسمية، كلمة كتبها الأكاديميّ محمّد هندو جاء فيها أنّ المصلّي يفعل في المقهى المجاور للمسجد ما يُمنع من فعله في هذا الأخير؛ و"وإنّ معاملة كلّ من يدلي برأي وينتقد سياسة ما؛ بالتّوقيف والتّحبيس، عسكرة متخلّفة تجاوزتها الأمم النّاهضة بمراحل ضوئيّة".
وزارة الشؤون الدينية عاقبت قامت كلّ الأئمّة الذّين خالفوا خطّها الافتتاحيّ بما أثّر في صورة الإمام شعبيًّا
لقد أثبتت وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف، منذ تعيين الوزير الحالي، ضمن حكومة نور الدّين بدوي، التّي جاءت في مسعى إجهاض مسعى الحراك الشّعبيّ، أنّها من أكثر الوزارات سعيًا إلى التّضييق على الرأي المخالف، فقامت بمعاقبة كلّ الأئمّة الذّين خالفوا خطّها الافتتاحيّ، بما أثّر في صورة الإمام شعبيًّا.