30-نوفمبر-2021

عرفت الانتخابات المحلية في الجزائر مشاركة متواضعة (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

تشير نتاج الانتخابات المحلية إلى سيطرت حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الديمقراطي، مع بروز القوائم الحرة وحزب المستقبل خلال الاستحقاقات الأخيرة، وقد بلغت نسبة المشاركة في انتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية الذي جرى يوم السبت الفارط 36.58 بالمائة، بينما بلغت نسبة 34.76 بالمائة لانتخاب أعضاء المجالس الولائية، حسب ما أعلن عنه رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي.

يجمع عدد من المتابعين على أن  التعصب القبلي والعروشية والشللية الضيقة ما تزال تتحكم في سلوك الناخب على حساب الكفاءة والنزاهة والمصداقية

وفي قراءة أولية، يرى متتبّعون لشأن السياسي أن الأحزاب التقليدية ما تزال تسيطر على المجالس البلدية والولائية المنتخبة في المحليات، رغم إرادة ترشح العشرات من الشباب في القوائم الحرة والمستقلة، وتعد الأسباب بحسب محلّلون سياسيون إلى قدرة الأحزاب التقليدية في الانتشار عبر كافة الدوائر الانتخابية، واستطاعتها في تجنيد قواعدها النضالية، ومعرفتها بحكم التجربة على اللعب على التوازنات القبلية والعشائرية.

اقرأ/ي أيضًا: "التدافع السياسي" في الجزائر.. ما هي برامج المنتخبين؟

وتُعتبر الاستحقاقات السياسية مناسبة للأحزاب التقليدية لإعادة الاعتبار إلى تواجدها السياسي والقاعدي، خصوصًا بعد الرفض الشعبي لأحزاب المولاة، التي شكّلت القاعدة السياسية للحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتورّط قيادتها السابقة في ملفات فساد، حيث يوجد بعض أمناء تلك الأحزاب رهن الحبس.

في هذا السياق، قال حسان قاسمي، المحلّل السياسي، أن الأحزاب التقليدية تتمتع بامتداد جغرافي يسمح لها بالتواجد على الساحة السياسية بشكل أفضل، خاصّة في الدوائر الريفية وبعض المدن، مضيفًا أن نسبة المشاركة في المحليات متوسّطة، وتعود بحسب المتحدث، إلى الحملة الانتخابية التي وصفها بالبادرة والصامتة، والظروف الاقتصادية والمعيشية والأزمة الصحية وانعكاساتها الاجتماعية، عناصر عملت على ارهاق المواطن، على حدّ قوله.

مواجهة العشائرية

في سياق متصل، برزت خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، عديد من القوائم الحرّة والمستقلة للعشرات من الشباب من ذوي التكوين الجامعي والأكاديمي، ونشطاء ضمن فعاليات المجتمع المدني، حيث تواصلت "التر جزائر" مع جَمع من أفراد تلك القوائم، التي أبدت عزيمة على التغيير والإصلاح القاعدي والعمل على إرساء قواعد الحوكمة والشفافية على مستوى المحلي، والمشاركة في إدارة المال العام وتسييره لصالح المواطن عبر اقتحام المجالس المنتخبة البلدية والولائية، وقد عَبر بعض المترشحين عن استيائهم من عدم تجاوز النصاب القانوني والفوز بالعضوية رغم النتائج الإيجابية التي تحصلوا عليها الكثير.

في السياق نفسه، قال بعض المترشحين إن الإمكانيات المادية واللوجستيكية كانت ضعيفة وبسيطة، واعتمدنا فقط على الإرادة، وشكلت مواقع التواصل الاجتماعي أكبر سند دعائي لنا، وأجمعوا أن التعصب القبلي والعروشية والشللية الضيقة ما تزال تتحكّم في سلوك الناخب على حساب الكفاءة والنزاهة والمصداقية.

وأضاف البعض أن الإدارة والأحزاب التقليدية تدرك جيدًا نفسية المواطن في المدن الداخلية والأرياف، وتلعب على تجنيد الشارع عبر الشحن القبلي والعشائري، وتُوظف اللعبة من أجل التضييق على الديمقراطية التشاركية والتمثيلية، حيث يعبّر بعض المترشحين عن أسفهم في استمرار ممارسات بدائية لا تشرف الدولة الوطنية ولا مؤسّساتها العصرية.

أسباب سياسية

في المقابل، يرى محللون سياسيون أن الانتخابات المحلية لا ترسم بالضرورة  مشهدًا سياسيًا، ولا يمكن لها أن تفرز خريطة سياسية يمكن الاعتماد عليها؛ على اعتبار أن الظرف السياسي والاقتصادي والإعلامي التي جرت فيه الانتخابات المحلية لن تُمكن الأحزاب الطلائعية أو الشبابية من تسجيل نقاط تقدم أو بروز، زيادة على ذلك فإن نسبة المشاركة الحالية 35 في المائة مقارنة بالانتخابات المحلية السابقة 44 في المائة تكشف عن استمرار العزوف الانتخابي.

في هذا الصدد، يقول فارس الدين بولحية، ناشط جمعوي وسياسي، إن ظاهرة العزوف الانتخابي ليست بالظاهرة الجديدة، بل شكلت نقطة سلبية خلال كل الفترات حكم بوتفليقة، واصفًا الأرقام السابقة بالمضخمة، ولا تعكس نسبة المشاركة الحقيقة.

وأضاف المتحدث أن الفئة التي تبنت المسار الانتخابي كخارطة الطريق لإعادة بناء مؤسّسات الدولة، خَابَ أَمَلُها في إحداث تغيير عميق وإصلاح جدري، نظرا لتراجع القدرة الشرائية والركود الاقتصادي والاجتماعي خاصة بعد انتخابات 12/12، موضّحًا أن "الإحباط كان وراء عدم مشاركة فئات عريضة من المجتمع خاصة الشبابية، وساد الاعتقاد لديهم أن أنه لا جدوى من الانتخابات المحلية في الإصلاح والتغيير".

أبرزت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة وجود هوّة بين المواطن ولحكومة

أبرزت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة وجود هوّة بين المواطن ولحكومة، وضعف انتقال المجتمع المدني إلى الفعل السياسي دون المرور عبر محطات سياسية، إذ تدرك على ضوئه الرهانات السياسية والمجتمعية المعقدة، ويبقى رهان السلطة إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد، وقد نجحت، لكن دون رؤية إصلاحية مستقبلية.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

المحليّات.. عراقيل التنمية في البلديات رهينة "صلاحيات" المنتخبين

لعمامرة: تاريخ الـ27 نوفمبر يومٌ مهمٌ في حياتنا السياسية