16-فبراير-2022

(الصورة: العربي الجديد)

تشهد كبرى الشوارع التجارية والأحياء الشعبية رواجًا كبيرًا لمحلات بيع الأعشاب الطبيعية ومختلف المواد العطرية والزيوت النباتية، وأبعد من ذلك إذ يُقدم بائعو الأعشاب على تشخيص الزبائن، وتقديم تركيبات نباتية لمعالجة بعض الأمراض الصحية والنفسانية، وفي غياب نصوص تنظيمية لإنشاء مراكز الرقية الشرعية، يَستغل بعضهم النشطاء في مجال بيع المكملات العشبية لممارسة الرقية الشرعية والتداوي بالقرآن وفق حصص متعددة، وتقديم وصفات "علاجية" مكونة من تركيبات عشبية ومستحضرات يدفع الزبون مقابل نقدي.

يحذّر كثير من رجال الدين والأطباء من الاستعانة بالمعالجين الذين يدّعون إمكانية العلاج كل الأمراض والعلل

تزايد الاقبال

وسط الحي الشعبي باش الجراح بالعاصمة، زحمة كبيرة في حركة سير المركبات والأفراد، وعلى طرف الشارع الرئيسي طريق جانبي ضيق، يتخذ منه أبو حمزة محلًا أقرب إلى مرآب يحمل لافتة بائع الأعشاب، بداخله رفوف مصفوفة تحمل منتجات نباتية تحمل اسم "ابن الشنفرى"، وبعض المنتجات تحمل ماهية الاستعمال  كالبخاخ "الحارق للجن"، "معالجة اللمس والسحر"، و"الرقية الشرعية في تصريف العين والحسد".

اقرأ/ي أيضًا: الرقاة والعشّابون في الجزائر.. سلطة الخرافة؟

بداخل المحل المعطر برائحة الصنوبر، كراسي بيضاء يجلسن عليها نسوة من كل الأعمار، وفي الخارج يقف شباب وكهول في انتظار ساعة الموعد، هنا، يقول عبد المجيد (اسم مستعار) وهو شاب في الثلاثينات يحمل رضيعًا حديث الولادة إنه جاء برفقة زوجته التي تتابع حصص الرقية الشرعية عند الشيخ أبو حمزة منذ عام تقريبًا.

يعتقد عبد المجيد أنه بفضل الله والتداوي المستمر عند الشيخ تمكنت زوجته من الانجاب، مضيفًا أن "متابعة الرقية الشرعية بشكلٍ مستمرّ أثمرت على فك السحر والمسّ الذي تعرضت له زوجته، مؤكّدًا أن الشيخ أبو حمزة يمارس الرقية الشرعية، وفق قواعد القرآن والسنة ولا وجود للشعوذة".

الرقية الجماعية والخاصّة؟

بداخل المحل، تقف امرأة مكلفة بإدارة الزبائن، وبيع الأعشاب النباتية وإرشاد الزوار الجدد، قال في حديث لـ "التر جزائر" إن علينا الاستيقاظ مبكرًا لأخذ موعدا لإن الشيخ يباشر عمله مباشرة بعد صلاة الصبح، وأوضحت أن حصص الرقية الشرعية تتم عبر طريقتين، فهناك رقية جماعية، إذ تجتمع النسوة في غرفة، واحدة على أن يرتل الشيخ قراءة جماعية، ورقية شرعية خاصة، مخصصة للأزواج، أو لخصوصية معينة، ويشترط تحديد الموعد مسبقًا، أما الحجامة فهي تتم وفق توقيت أيام البيض، يقوم بها مختصون في مجال الحجامة، على حدّ قولها.

وعن ثمن الخدمة قالت السيّدة بالعامية "واش كتب ربي"، أي الشيء الذي يكتبه الله دون تحديد السعر، لكن حسب بعض الزبائن الدفع يكون في حدود 1000 دج للحصة الواحدة.

كما وقفت "التر جزائر" على الكثير من الزبائن يقتنون من المحل منتجات المياه المعدنية "مرقية"، وماء زمزم مستورد من السعودية، حيث يبلغ سعر صفيحة خمسة لترات مبلغ 5500 دينارًا.

الأسباب الاجتماعية

في هذا السياق، قال ياسين فعفاع، أستاذ مساعد في علم الاجتماع، أن ظاهرة التداوي بالأعشاب واللجوء إلى الرقية الشرعية والتقليدية باتت  منشرة في المجتمع الجزائري، موضحًا أن اللجوء إلى الطب النبوي أو البديل والرقية التقليدية هو سلوك مجتمعي قديم، وهو جزء من التدين المحلي، باعتبار أن الثقافة الدينية السائدة في المجتمع هي الإسلام، وأشار أن الطب البديل أو التقليدي بوصفها تاريخيًا، كان دائمًا حاضرًا عند العائلات والأفراد.

يستدرك المتحدّث أن التوجّه غير العقلاني يتمثل في الابتعاد عن التشخيص الطبي المختص والعلمي والاعتماد الكلي على الرقية الشرعية كمنظومة صحية كاملة الأركان، مذكّرًا أن بعض الممارسات أصبحت محل تحايل واستغلال غير مشروع، وعلّق أن "بعض الرقاة يدعي معالجة كافة الأمراض والعلل، إلى جلب الحظ والتزويج وحل المشاكل الاجتماعية".

يُرجع محدثنا اللجوء إلى بعض هذه العلاجات إلى نقص الوعي وضعف الثقافة الدينية والفطنة الاجتماعية، و"هو ما مكن الكثير من استغلال وضعية الأزواج والأنفس الضعيفة، والوصول إلى أهدافهم ومبتغاهم".

الرقية باعتبارها أيديولوجيا 

في سياق متصل، يرى مختصون أن المفارقة لا تكمن في الرقية الشرعية والتقليدية، كممارسة ثقافية ومجتمعية ودينية، بل في التحوّلات الاجتماعية الأيديولوجية والاستغلال التجاري للرقية الشرعية، إذ أصبحت الرقية الشرعية وسيلة لحمل مشروع مذهبي مرتبط بالأصولية الدينية، فالخطاب السائد عند ممارسي الرقية الشرعية من التيار السلفي، أن  "معالجة الأمراض والعلل بحاجة إلى العودة إلى تعاليم الدين، وهي وظيفة الرقية الشرعية، فالجسد الاجتماعي كالجسد الفردي بحاجة إلى دواء وإلى الشفاء، ولن يستقيم حالة الأمة إلا بالرجوع إلى الأصل والسلف الصالح".

وبما أن الرقية الشرعية باتت ممارسة تجارية ودخلت نشاط المرابحة، فإن أي نشاط خارج الأطر الشرعية والضوابط الدينية والقوانين الوضعية يستقطب المتحايلين والانتهازين، هنا يحذر كثير من العلماء ورجال الدين والأطباء من الاستعانة بالمعالجين الذين يدّعون إمكانية العلاج كل الأمراض والعلل.

مغالطات؟

من جهته، يرى الواعظ والناشط الديني فارق أن الرقية الشرعية ليست مرتبطة بالتيار السلفي، لكن طبيعي أن صحابها يحمل سمات الإسلامي كاللحى والقميص، مضيفًا أنه "لا يمكن تعميم الصورة السلبية عن الرقاة، أو بعض الممارسات الخاطئة أو من يحاولون المتاجرة بالرقية الشرعية".

وكشف المتحدّث أن عمله في مجال الرقية الشرعية ما هي إلا مساهمة في رفع الاكتئاب عن بعض الناس ونشر الوعي، وتقديم النصائح الدينية عبر التراتيل القرآنية، معتبرًا أن الترخيص لإقامة مراكز الرقية الشرعية من شأنه السماح بمراقبة النشاط عن قرب، ووضع معايير وشروط محدودة تحدد المسؤوليات الأخلاقية والقضائية.

ضوابط وشروط

في هذا الإطار، ذكر جلول قسول، إمام وإطار بوزارة الشؤون الدينية في حديث لـ "التر جزائر" بأن من المنظور الديني ليس هناك مطلقًا تخصص في الرقية الشرعية، متسائلًا: "هل نعرف الجهة الوصية التي تتبع لها الرقية؟ هل وزارة الشؤون الدينية أم وزارة الصحة؟ علما أن الوزترتين تمنعان ممارسة الرقية.

وداعا المتحدث إلى دراسة الظاهرة دراسة علمية وتوجيهيه وفق القوانين والضوابط التنظيمية، وكشف أن الكثير من الممارسات الدينية أخرجت من مدلولها الصحيح، وابتعدت عن محتواها السليم.

وذكر إمام وخطيب مسجد القدس، أن صناعة الوهم تُمكن في بيع وهم السعادة، والرغبات في الزواج والإنجاب، وأصحابها يستغلون الفراغ الروحي وعدم اعمال العقل لحل مشاكلهم، داعيا بالمناسبة، العلماء والباحثون والمثقفون كل في مجال تخصصه، إلى التصدي إلى ظاهرة المتاجرة بالرقية، وفتح نقاش معمق حول القضية.

مختتم أن الشفاء بالقرآن الكريم هدي نبوي، يهدف إلى نمو الروح واستقامتها، يمارسه أهل العلم والتقوى والصلح دون المتاجرة أو المرابحة وتقاضي الأموال.

تتناقل وسائل إعلامية في كثير من المرّات شكاوى من مواطنين بسبب تعرّضهم لاعتداءات جنسية وضرب ووفيات عند لجوئهم للرقية أو الحجامة

على العموم، تتناقل وسائل إعلامية في كثير من المرّات شكاوى من مواطنين بسبب تعرّضهم لاعتداءات جنسية وضرب ووفيات عند لجوئهم للرقية أو الحجامة، الأمر الذي يستدعي اتخاذ قرارات صارمة لصون الصحة العمومية والفردية، وحماية الثقافة الدينية من المتاجرة والشعوذة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أقفال السحر في الجزائر.. رعب وفكاهة

أضرحة الأولياء الصالحين.. ثقافة مترسخة في المغرب