لا تزال الأرقام المقدمة من مختلف الجهات الرسمية حول حالات العنف ضد المرأة تفزع الجزائريين، بالرغم من حزمة القوانين التي وضعها المشرع للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أنها تستمرّ في منحىً متزايد عمّا سجل في السنوات الماضية.
المفوضة الوطنية لحماية الطفولة: الانتهاكات المعنوية والجسدية والنظرة النمطية لا تزال تطال المرأة
ومع عرض إحصاءات العنف ضد المرأة دوريًا من قبل الجهات المختصّة، يعود التساؤل عن مسؤولية هذا الوضع إن كانت متعلقة بالقوانين، أم الأمر يتعلق بإخفاق للمجتمع ككل في الحد من سلوك عنيف صار مرادفًا للتخلف وانتهاك حقوق الإنسان؟.
اقرأ/ي أيضًا: العنف ضدّ المرأة.. جرائم لا تتجاوز غرف النوم
أرقام مفزعة
نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الأسبوع الماضي، عن المسؤول في الدرك الوطني المقدّم وليد رياض بوقبو، إحصاءات حول العنف المسجل ضدّ المرأة في الأشهر الثمانية من 2021، والتي تشير إلى معالجة مصالحه ما لا يقلّ عن 7994 قضية حول هذه الظاهرة، بارتفاع بلغ 0.56 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من 2020.
وتتوزّع هذه القضايا بين 51 في المائة منها تتعلق بأفعال الإهانة والتهديد، و38 في المائة حالة تتمثل في اعتداءات جسدية وأربعة في المائة تتعلق بالمساس بالحياة الشخصية للضحايا، واثنان في المائة تخصّ خطف البنات.
وتكشف الإحصاءات ذاتها أن اثنين في المائة من الحالات المسجلة تتعلق بأفعال غير أخلاقية وتحريض، و مثلها في المائة تخص أفعالًا جنسية، وواحد في المائة تتعلق بالتعرض للتحرش الجنسي.
وأظهرت الإحصاءات وفق مؤشر السن أن 31 في المائة من النساء ضحايا العنف تزيد أعمارهن عن 42 سنة، و28 في المائة تتراوح أعمارهن بين 30 و42 سنة، و24 في المائة تتراوح أعمارهن بين 18 و 30 سنة، و 17 في المائة من الفئة العمرية أقل من 18 سنة، أي قاصرات.
وحسب ممثل الدرك الوطني، فإن العنف ضد المرأة يسجل لدى مختلف الفئات العمرية مهما كانت ظروفهم الاجتماعية فهو لا يقتصر بالعائلات الغنية أو الفقيرة.
ورغم جسامة الأرقام المقدمة من طرف مختلف الجهات الأمنية سنويًا، إلا أنها تبقى لا تمثل الواقع الحقيقي، فعل سبيل المثال تظهر الأرقام أن نسبة قضايا التحرش لا تتعدى واحد بالمائة من القضايا المسجلة، وهو رقم بسيط مقارنة بما يسجل في المجتمع، وهو ما يعكس عدم تبليغ النساء بالاعتداء عليهن لاعتبارات مجتمعية.
ولاحظ أستاذ علم النفس بجامعة سطيف 2، حمزة لعزازقة أن الحجر الصحي الذي طبق بسبب جائحة كورونا أدى إلى ارتفاع في عداد القضايا المسجلة، وذلك دون الحديث عن تلك المسكوت عنها، وهذا جراء تنامي مدة مكوث الأشخاص في الحيز المكاني نفسه والضغط الناجم عن الظروف التي أفرزتها كورونا ما يرفع من مستوى العنف والاعتداء والعدوانية.
أسباب متعددة
تقر المفوضة الوطنية لحماية الطفولة مريم شرفي بتحقيق الجزائر في مجال الحقوق المكتسبة للمرأة، إلا أن "الانتهاكات المعنوية والجسدية و النظرة النمطية لا تزال تطال المرأة، وهي معرضة للمضايقات والخطر الذي قد ينجم عنه عواقب متعددة".
ويقول المختص في علم النفس حمزة لعززاقة لـ"الترا جزائر" إن "الأسباب المؤدية للعنف ضد النساء عديدة ولا يمكن حصرها، فمنها ما هو شخصي يتعلق بالمعتدي وحتى المعتدى عليها، ومنها ما هو راجع للنسق الأسري وأخرى نتيجة التحول الاجتماعي والثقافي للمجتمع الجزائري، أين نلاحظ فرقا بين مكانة المرأة في الأسرة التقليدية والحديثة، حيث كانت السلوكيات العنيفة نادرة الحدوث في السابق مقارنة بالوضع الحالي، وهذا نتيجة تغيرات كبيرة مست المجتمع الجزائري سواء على مستوى القيم أو العادات والتقاليد، إلى جانب عوامل أخرى مثل تزايد نسبة تعاطي المخدرات، والتفكك الأسري، العولمة وغيرها".
ويشرح لعززاقة أن "هناك تصنيفات للعنف وللأشخاص الممارسين للعنف، وحتى ضحايا العنف، ففي مجال الإجرام يصنف الشخص العنيف إلى بنية نفسية مرضية تدعى بالشخصية السيكوباتية العدوانية، وهي تحتاج علاج نفسي متخصص".
وأضاف لعزازقة أن هناك "سلوكات عنف نتيجة اضطرابات أخرى مثل الإدمان على المخدرات أو الضغط النفسي أو حتى أمراض عقلية وعصبية، أين يكون العنف ممارسا ضد المقربين ومن بينهم المرأة التي تكون في محيط تعامل المضطرب".
وأشار لعزاقة إلى أن " الأنواع الأخرى كالعنف اللفظي أو العنف الجنسي أو التنمّر، فهي مظاهر قد تختلف مسبباتها باختلاف الحالات التي قامت بها، والمرأة قد تجد نفسها كل مرة ضحية لهذه السلوكيات نتيجة خلل عميق على مستوى القيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، أين يحاول المعتدي فرض نفسه والبحث عن إثبات وجوده بفرض القوة والاعتداء على الآخر الذي يكون غالبا ضعيفا أمامه أو يتفادى مواجهته والشكوى به"
قانون قاصر؟
تعرّف الجمعية العامة للأمم المتحدة في إعلانها العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993 العنف على أنه " أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة ضد المرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
واهتمت القوانين الجزائرية المختلفة التي يتم تعديلها من فترة إلى أخرى بهذه الظاهرة، مثل القانون رقم 15-19 المتضمن تعديل قانون العقوبات الذي تحدث على حماية الزوجة من جرائم الضرب والجرح.
وتنصّ المادة 266 مكرر من القانون ذاته على عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان العجز الناجم عن الضرب والجرح العمدي لا يتجاوز 15 يومًا، وإذا تجاوز هذه المدة فتشدد العقوبة لتصبح الحبس من سنتين إلى 5 سنوات.
أما إذا أدى الضرب والجرح إلى عاهة مستديمة، فترتفع العقوبة لتصبح السجن من 10 سنوات إلى 20 سنة، أما إذا أدى العنف الجسدي إلى الوفاة دون قصد إحداثها، فتكون العقوبة السجن المؤبد.
وهذه العقوبة مثال واحد للقوانين التي شرعت لحماية المرأة، خاصّة وأن أغلب الحالات تحدث داخل الأسرة، غير أن هذا القانون بحد ذاته يلقى انتقادًا من عدة منظمات حقوقية داخلية وخارجية.
وتنتقد منظمة هيومن رايتس ووتش قانون 2015 كونه يتيح للمعتدي التهرّب من العقوبة أو الحصول على حكم مخفَّف إذا سامحته الضحية، معتبرةً أن ذلك "يزيد من ضعف الضحية أمام الضغوط الاجتماعية من أجل المسامحة، وقد يثنيها عن السعي إلى الانتصاف أمام المحكمة".
ويعتقد حمزة لعزازقة أنه بالرغم من ضمان القوانين الحالية آلية الردع ومكافحة الظاهرة إلا أنها "تحتاج إلى تحديث وتعديل وفق ما يبرز من مظاهر جديدة للعنف مثل التنمر، والتحرش، والعنف الإفتراضي، وخطاب الكراهية، والعنف الجنسي الذي يبقى من المواضيع المسكوت عنها رغم تسببه في عواقب وخيمة على النساء الضحايا".
من المؤكّد أن العنف ضد النساء ليس سيئة جزائرية فهي موجودة في كل دول العالم، إلا أن ارتفاع عدد حالاته وبأشكال صادمة ومفزعة في مجتمع مسلم يتطلب من المجتمع ككل الاتحاد، ومحاربة الظاهرة بداية من تلقين الأجيال مفاهيم السلم وتقبل الآخر إلى جانب تشجيع المرأة على مواجهة المعتدي، وتضمين المناهج التعليمية برامج تكافح هذه الظاهرة وتتصدى لذلك، لكن تحقيق هذا يبقى بعيدًا، لأنه حتى في المناهج الجامعية لا يتم تدريس "تخصص علم الضحايا الذي هو أساس التكفل بهذه الظواهر"، مثلما يقول اختصاصي علم النفس حمزة لعزازقة.
لم تعد ظاهرة العنف ضد المرأة اليوم حبيسة الأرقام والإحصائيات التي لا تعبّر بشكل دقيق عن العنف المرتكب ضدّها
لم تعد ظاهرة العنف ضد المرأة اليوم، حبيسة الأرقام والإحصائيات التي لا تعبّر بشكل دقيق عن العنف المرتكب ضدّها، بسبب تستّر المجتمع عن هذه الظاهرة وعدم لجوء الضحايا في كثير من الأحيان إلى إيداع شكاوى قضائية لعدّة أسباب تتعلق بالعادات المجتمعية أو خوفها من انتقام الأزواج أو الإخوة، بل انتقلت إلى الصفحات الافتراضية والمدافعة عن قضايا المرأة، وأصبحت هذه القصص تروى بتفاصيلها وتناقش في الفضاءات المفتوحة، وتقدّم المقترحات والآراء لمعالجتها.