تنهي الأسرة التربوية بعد أسابيع معدودة السنة الدراسية الحالية التي عرفت كسابقاتها احتجاجات وإضرابات شلت المدارس لأيام، بسبب تأخّر وزارة التربية ومعها الحكومة في تلبية مطالب الأساتذة وانشغالات مختلف عمال القطاع وعلى رأسها القانون الأساسي الذي شكل على الدوام ملف خلاف بين الوصاية والشركاء الاجتماعيين.
القانون الأساسي للتربية ظلّ هو الحاضر الغائب في جلّ جلسات التفاوض التي تحدث بين وزارة التربية ومختلف النقابات
ورغم التعديلات التي مسته، إلا أن القانون الأساسي للتربية ظلّ هو الحاضر الغائب في جلّ جلسات التفاوض التي تحدث بين وزارة التربية ومختلف النقابات، سواءً في عهد الوزير الحالي محمد واجعوط أو من سبقوه بداية من الوزيرة المثيرة للجدل نورية بن غبريت وصولًا إلى أبو بكر بن بوزيد الذي عمر في قطاع التربية لسنوات طويلة.
اقرأ/ي أيضًا: 23 نقابة في قطاع التربية.. تمييعٌ أم تنويعٌ للحركة العمّالية؟
تعديلات غير عادلة
بعد إصلاح المنظومة التربوية الذي حدث في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2003، والانتقادات التي وجهت للجنة علي بن زاغو بإلغائها التعليم الأساسي واستبداله بالتعليم المتوسط، وعدم الرضا الذي عبرت عنه مختلف النقابات، حاولت السلطة امتصاص هذا الغضب بالترويج إلى أن إصلاحاتها لا تقتصر على المنهج التعليمي فقط، إنما أيضًا تستهدف تحسين أوضاع الأستاذ والمعلم الذي هو أساس الإصلاح التربوي رفقة باقي الأسلاك العاملة في القطاع.
وضمن سياسة شراء السلم الاجتماعي، أطلق نظام بوتفليقة وقتها جملة من التعديلات في القوانين المتعلقة بالعمال في القطاع الحكومي، فبدأ ذلك بتغيير في نصوص القانون المنظم للوظيف العمومي في 2006، والقانون التوجيهي للتربية الوطنية في 2008 والمرسوم المحدّد للشبكة الاستدلالية لمرتبات الموظفين ونظام دفع مرتباتهم في 2007.
ولأنّ قطاع التربية ينام ويستيقظ في الجزائر على وقع الإضرابات، سارعت الحكومة وقتها بعد هذه النصوص إلى إصدار القانون أساسي الخاص بالموظفين المنتمين لسلك التربية في 11 أكتوبر تشرين الأول 2008، والذي سمح برفع أجور الأساتذة والمعلمين وبعض الأسلاك الأخرى، غير أنه صبّ حسب النقابات وقتها في مصلحة المديرين والمفتشين وأصحاب المناصب المسؤولة ولم ينصف الأستاذ، لذلك لم تصبر نقابات التربية التي يقودها في الغالب أساتذة وباشرت حملة ضدّ هذا القانون بالإضرابات والاحتجاجات التي ما كان على وزارة التربية بقيادة أبو بكر بن بوزيد سوى الرضوخ لها، خاصّة بعد العهدة الثالثة لبوتفليقة وقرب موعد الولاية الرابعة التي كانت تستلزم تهيئة كلّ الظروف لها، لذلك تم تعديل القانون الأساسي من جديد في 2012، والصادر في 29 أيار/ماي من العام ذاته.
ولأن قطاع التربية يضم أكثر من 600 ألف عامل ويخصّ ملايين العائلات، كانت الاستجابة وقتها حتى بعد مرور أربع سنوات من تعديل 2008 سريعة، لأنّ السلطة كانت مستعدة لفعل أي شيء مقابل ألا تنتقل موجة الربيع العربي إلى الجزائر، لذلك كانت الأهداف من تعديلات هذا القانون سياسية أكثر منها بيداغوجية وعمالية.
إجحاف جديد
لم ينصف قانون 2012 كسابقيه جميع أسلاك الأسرة التربوية، لكنه صبّ لأوّل مرّة في صالح أغلب الأساتذة والمعلمين خاصة منهم أصحاب الشهادات الجامعية، فرفع أجورهم بالخبرة إلى مستوى يقارب رواتب المديرين، رغم أنه احتفظ بأجر زهيد لا يزيد عن 30 ألف دينار للأستاذ والمعلم في بداية مشواره التعليمي.
ولعل أبرز إجحاف حمله هذا القانون أنه ألغى بعض الرتب والأسلاك التعليمية التي كانت سابقًا وهو ما اصطلح على تسميته بـ "الرتب الآيلة للزوال"، فبإلغاء التعليم التقني في الطور الثانوي تقرر إلغاء رتبة أستاذ تعليم تقني، وهو ما انجر عنه خلل في تصنيف هؤلاء الأساتذة خاصة بالنسبة للقدامى منهم والذين لا يحوزون على شهادات ليسانس.
وحاولت الوزارة تصحيح هذا الإجحاف بإطلاق برنامج تكوين عبر جامعة التكوين المتواصل، إلا أنه لم يلق تجاوبًا كبيرًا من طرف الأساتذة بالنظر إلى افتقاره للجدية اللازمة، كون هدفه الأول لم يكن تحسين المستوى التكويني للإطار التعليمي، إنما إخماد غضبهم من محتوى القانون الأساسي لـ 2012.
وحسب النقابات، فإن قانون 2012 الذي يبقى ساري المفعول حتى اليوم يحمل عديد الاختلالات، منها أنه أسقط الفترة الانتقالية في التطبيق، مما حرم آلاف الموظفين في القطاع من الترقية الداخلية لمختلف الرتب والأسلاك، إضافة إلى إجحاف في حق مساعدي التربة والمخبريين ومديري ونظار الثانويات.
واستطاعت الوزارة عبر مسابقات ترقية استثنائية أن تقلص من حيز الاستهجان لمضمون القانون الأساسي الحالي، إلا أنه يبقى في نظر الشركاء الاجتماعيين دون مستوى تطلعاتهم ومطالبهم.
تماطل وأمل
في سنة 2012، وعد الوزير عبد اللطيف بابا احمد فور صدور القانون الأساسي المعدل بالشروع في عملية مراجعة جديدة له لرفع الإجحاف الذي حمله، وهو الخطاب الذي رددته خليفته نورية بن غبريت، بل ذهبت إلى توقيع ميثاق الشرف مع النقابات لوقف احتجاجاتهم مقابل تكفل الوزارة بحل مشاكل قطاع التربية وفي مقدمتها مراجعة القانون الأساسي لـ2012، إلا أن لا شيء من ذلك حصل حتى مغادرة الوزيرة المثيرة للجدل لمنصبها.
وبعد عام من الصبر على الوزير الحالي محمد واجعوط بسبب جائحة كورنا، استأنفت نقابات التربية احتجاجاتها المطالبة بتعديل القانون الأساسي لعمال التربية، فنظمت عدة اعتصامات وإضرابات أكدت تمسكها بمطلبها الأساسي خلال شهر رمضان الماضي وهددت بمقاطعة الامتحانات الرسمية.
ويظهر هذه المرّة أن هذا المطلب قد يلقى طريقه للحل بعد حوالي 10 أعوام من الانتظار، بعد أن أمر الرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في في الثاني من شهر أيار/ماي الماضي بضرورة الشروع في مراجعة القانون الأساسي لعمال التربية، وفتح باب الحوار مع مختلف الشركاء الاجتماعيين.
لم تعلن وزارة التربية عن نتائج الاجتماعات بالشركاء الاجتماعيين حتى الآن
وباشرت وزارة التربية سلسلة من اللقاءات مع نقابات التربية تمحورت حول مراجعة القانون الأساسي تنفيذًا لما تضمنه مجلس الوزراء من قرارات، إلا انه لحد الآن لم تعلن وزارة التربية عن نتائج الاجتماعات بالشركاء الاجتماعيين، والمحاور التي ستمسها التعديلات المرتقبة، كما لم تعط أيضا موعدا محددا للقيام بها، وهو ما يجعل السلك التربوي في ترقب دائم، وفي استعداد متواصل لتنظيم احتجاجات سيكون مستهل الموسم الدراسي المقبل موعدًا لها.
اقرأ/ي أيضًا:
وزارة التربية تحذّر من دعوات الاحتجاج
نقابات التربية تثمن قرار تأجيل شهادتي المتوسّط والبكالوريا