قبل أيّام من الدخول المدرسي المقرّر في سبتمبر الداخل، تعيش وزارة التربية حالة من الإرباك، بشأن المناهج التي ستتضمّنها الكتب المدرسية هذه السنة؛ بين الإبقاء على مقرّرات الجيل الثاني، التي جاءت بها الوزيرة السابقة نورية بن غبريت المثيرة للجدل، حيث وجّهت لها عدّة انتقادات، تصفها باعتماد برامج تغريبية تستهدف هويّة الجزائريين، وبين العودة إلى كتب الجيل الأوّل إلى غاية إقرار إصلاحات جديدة.
تتّجه وزارة التربية اليوم، إلى تأجيل إصلاحات الجيل الثاني على مستوى الطور الثانوي
وفي انتظار اتضاح القرار الذي سيتخذ، تزداد مخاوف أولياء التلاميذ والتربويين من تأثير هذه القرارات المتردّدة، ومن أثرها على مستواهم الدراسي وتحصيلهم العلمي.
اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. أن تدرس أكثر من تخصّص
تأجيل الإجراءات
تتّجه وزارة التربية اليوم، إلى تأجيل إصلاحات الجيل الثاني على مستوى الطور الثانوي، رغم أن الموسم الحالي، هو آخر سنة لانتهاء العملية بالطورين الابتدائي والمتوسّط، إذ كان من المفروض أن تنتقل آليًا إلى الطور الثانوي هذه السنة.
وبحسب صحيفة "الشروق اليومي"، فإن مسؤولي قطاع التربية قرّروا اعتماد كتب الجيل الأوّل، وتأجيل مواصلة تطبيق الإصلاحات التربوية إلى موسم لاحق.
وكشفت الصحيفة، أن الوزارة أمرت باعتماد كتب التاريخ والجغرافيا القديمة الموجّهة لتلاميذ السنة الخامسة ابتدائي، على عكس ما كان مقرّرًا سالفًا، فعند الرجوع إلى تواتر الإصلاحات التربوية، كان من المفروض اعتماد كتب جديدة تدخل ضمن إصلاحات الجيل الثاني، باعتبار السنة الخامسة، هي آخر مرحلة للإصلاحات التربوية في الطور الابتدائي.
هؤلاء التلاميذ الذين درسوا لأربع سنوات مناهج الجيل الثاني، سيعودون إلى نقطة البداية بالرجوع إلى كتب الجيل الأوّل، وذلك سواءً اتفق المختصّون على مضامين الجيل الثاني أو اختلفوا حولها.
كما سيُطبّق هذا الإجراء على كتاب الجغرافيا بالنسبة للسنة الرابعة من الطور المتوسّط، حيث سيتمّ اعتماد الكتاب القديم بدل الجديد.
إجراء جزئي
يبدو أن الإبقاء على كتب الجيل الأوّل، سيشمل هذا العام مادتي التاريخ والجغرافيا، ولن يشمل الإجراء بقيّة المواد، بسبب أن تعميمه يبقى في الوقت الحالي صعبًا، نظرًا إلى أن عملية توفير الكتب المدرسية بالصيغة القديمة تتطلّب تخطيطًا مسبقًا.
من جهتها، نقلت الإذاعة الحكومية عن المكلّف بالإعلام، على مستوى الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية بومدين معاش قوله، إنه "تم طبع 80 مليون كتاب مدرسي سيتمّ توزيعه على كل المؤسّسات التربوية قبل الدخول الاجتماعي".
وأكد المتحدّث، أن السنة الدراسية الجديدة، ستعرف استبدال كتب طور الخامسة الابتدائي والرابعة متوسّط تماشيًا مع إصلاحات الجيل الثاني، ما عدا مادتي التاريخ والجغرافيا، حيث سيتمّ الإبقاء على كتب الجيل الأوّل.
وتحاشى معاش الحديث عن مضامين الكتب المدرسية التي تعالت الأصوات بتغييرها بعد حراك 22 فبراير/ شباط، لوضع حدّ لإصلاحات الجيل الثاني، مكتفيًا بالتوضيح، أن مهمّة الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية تتلخص في طبع الكتب ولا دخل له في محتواه.
يبدو أن التحفّظ على كتب الجغرافيا والتاريخ مردّه التجارب السابقة مع إصلاحات الجيل الثاني في عهد الوزيرة بن غبريت، فالجميع لا يزال إلى اليوم يتذكّر ما حدث مع بداية السنة الدراسية 2016–2017، عندما تضمّن كتاب الجغرافيا للسنة الأولى من التعليم المتوسط خريطة للعالم تضع الكيان الصهيوني مكان فلسطين، ما اعتبره البعض وقتها أمرًا متعمّدًا من طرف وزارة التربية.
تراجع في المستوى
يتخوّف أساتذة ومهتمّون بالشأن التربوي، من مزاجية المنظومية التربوية في تعاملها مع برامج التلاميذ، حيث باتت نتائج هذه الإجراءات، محلّ تنبيه من المختصّين. هنا، يعتبر مسعود عمراوي، النقابي السابق، وعضو لجنة التربية والتعليم العالي بالمجلس الشعبي الوطني، أنّ نتائج هذه الإصلاحات جاءت كارثية على مستوى التعليم، بالنظر إلى أن علامات الدراسة المعلن عنها نهاية العام تكون أحيانًا مضخّمة وغير حقيقية، مثلما يقول لـ"الترا جزائر".
ودعا عمراوي وزير التربية الحالي إلى مراجعة كاملة للإصلاحات التي تمّت تحت غطاء الجيل الثاني في عهد الوزيرة بن غبريت، التي اتهمها بأن أكبر همّها كان الترويج بنجاح الإصلاحات، حتى ولو كان ذلك منافيًا للواقع.
وشكّك المتحدّث في محتوى إصلاحات الجيل الثاني، واعتبرها مجرّد نسخ لبرامج منشورة على الإنترنت لتجارب فرنسية، ما جعل مضمون بعض المناهج أعلى بكثير عن مستوى الطور التعليمي الذي يدرسه التلاميذ.
شهادات متطابقة لعدّة أساتذة في الابتدائي، تؤكّد- بحسب عمراوي- أن مستوى البرامج التعليمية في مادّة الفرنسية والرياضيات والعلوم المقدّمة لتلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، لا تتناسب مطلقًا مع المستوى العمري والتعليمي للتلاميذ.
ما زالت المدرسة الجزائرية رهينة تجاذبات سياسية تغيب عنها المنهجية العلمية
وعشية بداية السنة الدراسية الجديدة، يتأكّد أن الموسم الحالي لا يختلف عن سابقيه، بالنظر إلى أن المدرسة الجزائرية رغم انطلاق حراك 22 فيفري/ شباط، ما زالت إلى اليوم رهينة تجاذبات سياسية تغيب عنها المنهجية العلمية، وبالتالي فإنّ الحلّ سيكون لما يقتنع الجميع أن المنهاج التعليمي السليم الناجح الذي يعمل على أن يتجرّد إلى أبعد حدّ ممكن من التيارات الإيديولوجية المحليّة أو الخارجية.
اقرأ/ي أيضًا:
طلبة الفنون الجميلة في الجزائر.. إضراب معزول
الجزائر.. 200 ألف تلميذ "ضحايا" التسرب المدرسي