مجتمع

المرأة الجزائرية.. هل تكفي القوانين للحماية من التنميط؟

21 يونيو 2018
المرأة الجزائرية.jpg
لم تغتنم المرأة الجزائرية الأثمان التي دفعتها في الثورة (Getty)
عبد الرزاق بوكبة
عبد الرزاق بوكبةشاعر وروائي وإعلامي من الجزائر

لم تفرّق الإدارة الاستعمارية الفرنسية، في قمعها وتنكيلها وتعسّفاتها بين الرجل والمرأة في الجزائر على مدار 132 سنة. فقد نفت عام 1847 مع الأمير عبد القادر إلى فرنسا ثمّ إلى الشّام نخبة من النساء عرفن بـ"نساء قصر الأنبواز"، مكونة من 21 امرأة، حيث سجنّ معه في هذا القصر لأربع سنوات. كما أن تجربة جميلة بوحيرد مع التّعذيب الوحشي في خمسينيات القرن العشرين لم تكن إلا الشّطر الظّاهر من جبل الجليد.

إنّ النساء اللواتي تركن بصمة لا تنكر في ثورة التحرير، مثل جميلة بوحيرد وجميلة بوعزّة وجميلة بوباشة وزهرة ظريف، تمّ تهميشهنّ

بعد افتكاك الاستقلال الوطني عام 1962، ورغم أن المرأة الجزائرية كانت في طليعة من تبرّع لصندوق الدّولة، الذي أطلقه الرئيس أحمد بن بلّة، حيث امتلأ بمجوهرات الجزائريات، اللواتي تعاملن مع الأمر على أنه استكمال للمسعى الثوري، إلا أن حضورها في المؤسّسات المدنية والعسكرية النّاشئة كان صفريًا. فقد انتظرت المرأة الجزائرية لتستوزر مثلًا حتى عام 1982، حيث تولت الأديبة زهور ونيسي وزارة التّربية.

بل إنّ النساء اللواتي تركن بصمة لا تنكر في ثورة التحرير، مثل جميلة بوحيرد وجميلة بوعزّة وجميلة بوباشة وزهرة ظريف بيطاط شقيقة "أسد الثورة" العربي بن مهيدي، تمّ تهميشهنّ في هذه الفترة، فلم يعدن إلى الواجهة الإعلامية إلا لاحقًا. ذلك أنّ المنطق الذكوريّ كان شطرًا من التصور العام للدّولة.

اقرأ/ي أيضًا: "مكاني أينما أريد لا في المطبخ".. جزائريات يركضن ضد التحرش والتنميط

ورغم أن تأسيس "الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات" كان مبكّرًا في زمن الاستقلال، إلا أن تبعيته المباشرة للسّلطة السّياسية الحاكمة، واقتصار معظم نشاطاته على تزكية خطاباتها والتّبشير بمقولاتها وخياراتها جعل تأثيره أقلّ بكثير من تأثير "جمعية النّساء الجزائريات المسلمات"، التي أسّستها الطبيبة نفيسة حمّود عام 1947، رغم أنها كانت تحت مناخات الاحتلال.

شهدت فترة ثمانينات القرن العشرين، في إطار الانفتاح الليبرالي، الذي أقرّه الرئيس الشاذلي بن جديد انقلابًا في هذا الاتجاه، بالنظر إلى عوامل موضوعية منها النزعة الانتقامية التي تبنتها المرحلة الجديدة في حقّ مرحلة هوّاري بومدين، ومرور عقدين من الاستقلال وتبني سياسة التعليم المجّاني والإجباري، التي بدأت تفرز نخبًا نسائية متعلّمة ومنخرطة في الشّأن العام.

يقول الناشط الحقوقي عبد الحميد براهيمي لـ"الترا صوت"، إن الإقصاء الذي تعرّضت له المرأة الجزائرية مباشرة بعد الاستقلال الوطني، في مؤسّسات الحكم المختلفة، رغم مشاركتها المفصلية في ثورة التّحرير، خلق وعيًا نسائيًا عامًّا، بضرورة السّعي إلى افتكاك الحقوق والتأسيس لحضور يقوم على النّدية مع الرجل من خلال الانخراط في المدرسة، "وما حدث أن هذا الخيار أثمر اكتساحًا نسويًا للإدارة ومؤسّسات المجتمع المدني، ذلك أن ظاهرة التسرّب المدرسي تكاد تكون مقتصرة على الذكور في الجزائر".

"كسر هذا الحضور"، يقول عبد الحميد براهيمي، "النظرة الاجتماعية القائمة على الإيمان بأن الشّرف مرتبط بالمرأة الماكثة في البيت، فتعلّم الجزائريّ كيف يتصالح على مضض مع المرأة المعلمة والشرطية وقائدة الطائرة والصحفية والكاتبة والقائدة العسكرية والبرلمانية والسفيرة والوزيرة والمديرة، وصولًا إلى مرحلة المترشّحة الرئاسية، من خلال تجربة لويزة حنون".

من جهتها تلتقط الإعلامية سعاد بولقناطر بعض الإشارات الدّالة على وضع المرأة الجزائرية على الفضاء العام، "فهي تصرف على البيت بالتساوي مع الرجل إذا كانت متزوّجة، وتساهم في نفقات الأسرة إذا كانت عزباء، بل إنها باتت توفر لأخيها البطّال مصروف الجيب". وتلفت بولقناطر إلى معطى مسكوت عنه: "لقد تغلغلت المرأة الجزائرية في الإدارة والتّسيير، وفي مجال المال والأعمال، مع ذلك لم نجد في ملفات الفساد، التي كشف عنها القضاء والإعلام وجهًا نسائيًا". وتشرح: "لقد أضافت الجزائرية في مسعاها إلى إثبات ذاتها صفة النّزاهة إلى صفة العلم".

ظلت الإنجازات التي حققتها المرأة الجزائرية محكومة بالنظرة الدّونية إليها من طرف الآلة الذكورية المهيمنة على منافذ القرار

ظلت هذه الفتوحات التي حققتها المرأة الجزائرية محكومة بالنظرة الدّونية إليها من طرف الآلة الذكورية المهيمنة على منافذ القرار، في تحالف طارئ مع المحافظة الدينية، التي قفزت على رصيد تاريخي كبير كانت المرأة فيه ضمن القيام بالفعل، وراحت تكرّس ثقافة المرأة العورة، ممّا دفع ببعض المستنيرين في الحكومة والبرلمان عام 2012 إلى إقرار قانون يقضي بألا يقلّ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة عن 33 بالمئة.

اقرأ/ي أيضًا: حين تتحدّث الفتاة الجزائرية..

يقول رجل الحقوق عقبة بوشاقور لـ"الترا صوت"، إنّ هنالك ترسانة كاملة من القوانين الرّامية إلى حماية حقوق وحضور المرأة الجزائرية، "سواء تلك المتعلقة بحماية ذمتها المالية والمجسدة في القوانين المنظمة للميراث والمستمدة من الشريعة أو تلك المتعلقة بحماية حقها في التصرف في حياتها الشخصية، كحقها في خلع نفسها من زوجها متى شاءت حتى ولو لم يتوفر سبب حقيقي لطلبها فك الرابطة الزوجية عن طريق الخلع. كما أن هنالك قوانين منظمة للحياة العامة تضمن حقها في ممارسة حياتها بطريقة تزاحم من خلالها الرجل أو حتى تكون لها الأولوية في بعض الأحيان".

غير أن بوشاقور يتدارك: "المشكلة ليست في القوانين، بل في النظرة الدونية للمرأة كجسد محصور في بعض المهام". ويسأل: "أليس محبطًا أن تخرج امرأة لتركض في الشاطئ، فيضربها إنسان لا علاقة له بها، بحجة أن مكانها الطبيعي هو المطبخ؟ ثم تشكوه إلى رجل الأمن، فيقول لها الكلام نفسه؟ بعد ستين عامًا من الاستقلال، لا تزال الجزائرية تناضل من أجل ألا يكون المطبخ مكانها الوحيد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجمهورية الجزائرية المتناقضة

المرأة والنص.. تاريخ التجاهل والتطور

الكلمات المفتاحية

new born

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون

أثار فيديو لطبيبة نساء وتوليد تداولته مواقع التواصل الاجتماعي موجة جدل واسعة في الجزائر، بعد أن روت فيه أنها سمعت من إحدى مريضاتها عن وجود تسعيرة مختلفة للولادة في بعض العيادات الخاصة، تُحدّد حسب جنس المولود، حيث يُطلب مبلغ أعلى عند ولادة الذكور مقارنة بالإناث.


الشواطئ الجزائرية

غلاء الفنادق يعيق السياحة الداخلية.. حلم العائلة الجزائرية يصطدم بحسابات الجيب

في كل صيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتحوّل المدن الساحلية الجزائرية إلى حلم جماعي يتسلل إلى مخيلة الكثير من العائلات، خاصة القاطنة في الهضاب والجنوب. لكن ما إن يبدأ التخطيط لرحلة سياحية داخلية، حتى تصطدم العائلة الجزائرية بسؤال واقعي بسيط: "هل نقدر على كلفة عطلة صيفية؟".


الإدمان الرقمي

إدمان "الثواني الثلاث".. رحلة الجزائريين نحو الصيام الرقمي

في شارع حسيبة بن بوعلي، أحد أشهر الشوارع الرئيسية بالجزائر العاصمة، نجا شاب في العشرينات من عمره بأعجوبة، بعدما كادت مركبة أن تودي بحياته خلال ثوانٍ، بينما كان الشاب مشغولاً بهاتفه وهو يمشي شارد الذهن.


IMG_2897 (1).jpg

اختطاف الأطفال في الجزائر.. بين الصدمة ومسؤولية المجتمع والقانون

تُلقي حوادث اختطاف الأطفال والقصر حالة من الهلع على كافة الفئات المجتمع، حيث تُسبب الظاهرة انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية على كل المحيط الأسري، وتتعدى الدائرة العائلية إلى المدرسة والحي والمجتمع بكامله.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.


تبون ماكرون_0.png
أخبار

المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية: لا نقدم أي مساعدات للجزائر التي ترفض الاقتراض

وضع المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، ريمي ريو، حداً لما وصفه بـ"الجدل المفتعل" حول مزاعم المساعدات الفرنسية السنوية للجزائر، في ظل ترويج اليمين المتطرف المتكرر لهذه الفكرة داخل فرنسا.

بن سعيد
أخبار

مُفجّر قطارات باريس.. من هو بوعلام بن سعيد الذي ستُسلّمه فرنسا للجزائر؟

ينتظر أن تتسلم الجزائر، مطلع شهر آب/أوت المقبل، الإرهابي بوعلام بن سعيد، أحد أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية، عقب إدانته بتفجيرات دامية هزت باريس صيف عام 1995.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الفنان مداني نعمون في ذمة الله.. الجزائريون يودعون بتأثر "عمّي برهان"


2
مجتمع

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون


3
أخبار

شهادة الجنسية للمغتربين دون عناء التنقل للجزائر.. هل زال العبء البيروقراطي عن الجالية؟


4
رياضة

جوان حجّام يقترب من "الذئاب".. نادٍ إنجليزي عريق يراقبه عن كثب


5
أخبار

50 وفاة و6 آلاف تدخل.. حصيلة مخيفة لحوادث المرور والغرق في أسبوع