تعيش المطلقات في الجزائر معاناة ومآس، وتواجهن خاصة النظرة السلبية للمجتمع تجاههن والتي لم تتغير منذ عشرات السنين رغم المستوى التعليمي والثقافي الذي يمتاز به الجيل الحالي. تعتبر المطلقة في الجزائر عارًا على الأسرة إلى الآن، وتعيش التهميش والضغوط النفسية داخل أسرتها وخارجها.
كشفت وزارة التضامن وقضايا الأسرة الجزائرية أن 20 في المئة من المطلقات تتعرضن للإهانة داخل الأسرة
تعيش الكثير من المطلقات بالجزائر أوضاعًا مزرية وجملة من المشاكل التي تتفاقم كل يوم في ظل رفع الطليق يده عن مسؤولية أطفاله رغم القانون، وتقاعس منفذي القانون عن آداء عملهم لتتمكن المطلقة من الحصول على حقوقها كاملة بالإضافة إلى نظرة غير عادلة من قبل المجتمع بمن فيه أقرب الناس إليهن.
وجهت العديد من الجمعيات الناشطة في هذا المجال دعوة لإنشاء صندوق يحمي المطلقات، بسبب الطابع غير الإلزامي للإجراءات القضائية الخاصة بحماية النساء المطلقات وأطفالهن، وأكدت أن الإجراءات التي تضمنها قانون الأسرة بتعديلاته الأخيرة لا تطبق. وفي ذات السياق، تقول رئيسة جمعية أميرة لترقية الأسرة ومحاربة العنف ضد المرأة إنها "تتابع يوميًا تجاربًا مريرة لنساء محرومات من حقوقهن". وتضيف: أن "المنحة التي يلزم القانون المطلق بدفعها لطليقته وأم أولاده تقدر بـ3000 دينار جزائري، أي ما يعادل 30 دولارًا تقريبًا، وهو مبلغ ضئيل جدًا في ظل ارتفاع الأسعار في الجزائر".
مطلقون يتحايلون على القانون
يقول نسيم فلوح، محامي، لـ"ألترا صوت": "تعتقد المرأة التي تعاني من الطلاق التعسفي أن القانون سيكفل لها حقها في مسكن الزوجية، لكن القانون المعدل رغم إنصافه المرأة المطلقة الحاضن وضمانه حقها في المسكن بعد الطلاق، إلا أن بعض المتحيلين وجدوا ثغرات لإعاقة تطبيق هذا البند". ويوضح: "أغلبية الجزائريين لا يحتكمون سوى على مسكن واحد وإذا امتلكوا مسكنًا آخر، فتجدهم يسجلونه بإسم أحد أفراد الأسرة لتجنب التنازل عنه للزوجة المطلقة بحكم من المحكمة، وبالتالي فبند مسكن الزوجية يشهد الكثير من التلاعب، وينتهي الأمر بإلزام الزوج بدفع حق إيجار مسكن للزوجة المطلقة وأبنائه الذين يعيشون معها، لكن المنحة التي تقدر حسب مدخول الزوج المصرح به غالبًا ما لا تكفي حتى لدفع إيجار غرفة واحدة".
وتؤكد فتيحة بوطران، رئيسة جمعية ترقية المرأة الريفية، لـ"ألترا صوت": أن "المطلقات يشتكين من عدم كفاية أو عدم انتظام وحتى غياب دفع المنحة الغذائية التي يقرها القاضي لفائدة المرأة وأطفالها". وكثيرًا ما تجد المطلقات يد العون من أسرتهن، كما أن الكثيرات منهن تتلقين مساعدات مادية من المجتمع المدني وهناك من تكون أكثر حظًا إذ تقبل أسرتها باستقبالها من جديد في البيت العائلي، إلا أن هذا لا يعني دائمًا الحياة الكريمة الهادئة، إذ تعاني غالبًا من نظرات الاحتقار من أفراد عائلتها، ويطلق البعض عبارات لتذكير المطلقة بالفشل في بناء الأسرة، كما يحملنها مسؤولية عدم الاستمرار في بيت الزوجية.
20 في المئة من المطلقات تتعرضن للإهانة داخل الأسرة
كشفت وزارة التضامن وقضايا الأسرة الجزائرية عن نتائج دراسة أجريت مؤخرًا ومست ألفي أسرة جزائرية، وجاء في الدراسة أن المطلقات والأرامل هن أكثر الفئات تعرضًا للعنف وسط الأسرة، فعشرون في المئة منهن تتعرضن للإهانة، وخمسة في المئة تتعرضن للعنف المادي، كما أفضت الدراسة إلى أن إمرأتين من بين عشر نساء تتعرضن للعنف داخل الأسرة، وأن عشرة في المئة من الجزائريات هن ضحايا عنف جسدي.
التحرش الجنسي والضغوط النفسية.. معاناة أخرى
تضطر الكثير من المطلقات إلى العمل للتمكن من إعالة أسرتهن، خاصة في ظل محدودية النفقات التي تحصل عليها الواحدة منهن من طليقها والد أطفالها، إلا أن حصول الواحدة منهن على فرصة عمل لا تعني بالضرورة نهاية المعاناة، إذ يزيد التحرش الجنسي في العمل الطين بلة.
وكشفت لجنة المرأة العاملة التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو أعرق تنظيم نقابي عمالي بالجزائر، أن خلية الإحصاء التابعة للجنة سجلت تعرض ما يزيد عن نصف العاملات المطلقات للتحرش الجنسي. كما كشفت دراسة ماجستير حديثة في علم الاجتماع الجنائي بجامعة بوزريعة 2، أن الكثير من النساء المطلقات عرضة للتحرش الجنسي على عكس العازبات إذ أن النظرة السائدة لدى أصحاب العمل أو الزملاء تعتبر أن السيطرة على المطلقة أو إغراؤها سهل كما أثبتت الدراسة أن التحرش الجنسي عرف انتشارًا في الوسط المهني الجزائري خلال السنوات الأخيرة.
ارتفعت حالات التحرش الجنسي تجاه المطلقات في الوسط المهني الجزائري
وسنت الجزائر خلال العام 2005 قانونًا يجرّم التحرش الجنسي بأماكن العمل، لكن تعيب الجمعيات النسوية على القانون فراغًا رهيبًا يتمثل في إجبارية تقديم شاهد يؤكد أن الشاكية تعرضت حقًا لتحرش جنسي من قبل مسؤولها أو زميلها في العمل، بينما يعد الأمر شبه مستحيل نظرًا لكون المعتدي لا يجرؤ على ارتكاب فعلته في حضور أشخاص آخرين.
ويؤكد حسان عيط، الأخصائي الاجتماعي في جامعة الجزائر 2، لـ"ألترا صوت": أن "المرأة تعاني من ضغوط نفسية قوية بعد مرحلة الانفصال نتيجة عدد من العوامل المترابطة التي لا يمكن الفصل بينها، منها سن المرأة عند الطلاق، كلما كان الطلاق أقرب لسن الأربعين، كانت الضغوط النفسية عليها أشد وأقسى لأن المرأة ترى أن فرص بناء حياة جديدة تقل مقارنة بالمطلقة الشابة".
وهكذا يكون وضع المرأة المطلقة برغم القوانين متدهورًا، وبرغم تعديلات سنة 2005 على قانون الأسرة والتي ألزمت المطلق بتوفير بيت لطليقته المنجبة منه يأويها وأطفاله، لكن يظل الوضع غير مريح ومكانة المطلقات تستدعي المزيد من المراجعة، وخاصة العمل على تغيير العقليات التي أثبتت في أكثر من مرة وعلى أكثر من صعيد أنها تقف حاجزًا أمام أي تغيير إيجابي يكرسه القانون.
اقرأ/ي أيضًا:
قاصرات اليمن على مائدة الزواج المبكر