29-سبتمبر-2020

عبد المجيد تبون, إيمانويل ماكرون (فيسبوك/الترا جزائر)

حافظت الشركات الفرنسية لسنوات على أفضليتها في الفوز بعديد الصفقات الخدماتية والإقتصادية في الجزائر؛ بل كان النفوذ الفرنسي بحسب تصريحات غير رسمية، وراء فشل عدة استثمارات أجنبية أخرى بالجزائر، غير أن الفترة التي تلت حراك 22 شباط/فيفري 2019 أظهرت أن باريس بدأت تفقد هذا الامتياز حتى ولو يزال إلى اليوم محصورًا في أمثلة قليلة.

كثيرًا ما يتردّد أنه لا يمكن لأحد التقرّب من الكعكة الفرنسية في الجزائر

ورغم تأكيد اجتماعات اللجنة العليا للشراكة الفرنسية الجزائرية في كل مرّة، على ضرورة إقامة تعاون اقتصادي مبني على مبدأ "رابح - رابح"، إلا أن الممارسة الميدانية صبت دائمًا لصالح الخزينة الفرنسية، فهل ستحمل الأشهر والسنوات القادمة مافجآت أخرى أم أن سرعان ما تعود الأوضاع لحالتها القديمة؟

اقرأ/ي أيضًا: مكالمة هاتفية ثانية بين تبون وماكرون في ظرف شهر

عدم تجديد

كثيرًا ما يتردّد أنه لا يمكن لأحد التقرّب من الكعكة الفرنسية في الجزائر، غير أن هذه المرّة بدأت الأمور تسير بشكل مخالف؛ بعد أن قررت وزارة النقل عدم التجديد للعقد المبرم مع الفرنسيين بشأن تسيير مترو العاصمة.

وأعلنت مؤسسة "مترو الجزائر" منذ أيام عدم تجديد التعاقد مع شركة "راتيبي" الفرنسية  بانتهاء عقدها المتعلق بتسيير وصيانة مترو العاصمة في 31 تشرين الأول/أكتوبر الداخل. وحصلت الشركة الفرنسية على هذه الصفقة في سنة 2007، غير أن عملية التسيير بدأت في 2011.

وشركة "راتيبي" المختصة في النقل بالسك الحديدية ومترو الأنفاق، لها استثمارات في البلد الأم في فرنسا وعدة دول أخرى مثل مصر التي لا تزال  تعطي إدارة تسيير المترو للشركة الفرنسية غير المرحّب بها في الجزائر.

وفضلت السلطات الجزائرية عدم إعطاء صفقة هذه الخدمة لأيّة شركة أجنبية، وإنشاء مؤسسة حكومية جزائرية مملوكة بالكامل لمؤسّسة مترو الجزائر. ويظهر من بيان المؤسسة أن ترتيبات التخلّي عن خدمات الفرنسيين قد تم التحضير له منذ فترة، فقد أكّدت المؤسّسة الجديدة احتفاظها بكل العمال وبالأجور نفسها وبكل الحقوق والمزايا، داعية في الوقت ذاته العمال الجزائريين للتجند لضمان نقل التشغيل والصيانة للشركة الجديدة بسلاسة.

واختارت مؤسّسة "مترو الجزائر"، أن يكون تسليم الإدارة للجزائريين في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المصادف للذكرى 65 لاندلاع الثورة التحريرية ضدّ الاستعمار الفرنسي.

ولا يعد سحب هذه الصفقة من أيدي الفرنسيين أمرًا هيّنًا، فقد سيطروا لسنوات على قطاع النقل، ولا يزال ترامواي الجزائر يسير من قبل الشركة الفرنسية "ألستوم" التي اتهمتها سابقًا وزارة العدل الأميركية بدفع رشاوى بملايين الدولارات من أجل الفوز بصفقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2011، كما استفادت شركة الطيران الفرنسية السابقة "إيغل أزير" من امتيازات في هذا المجال.

وساهمت صفقات شراء الجزائر عربات تراموي من "ألستوم" في إنقاذ الشركة الفرنسية التي كانت معرضة للإفلاس، ونشر غسيل فسادها في عدّة دول، وفق تقارير سابقة لوزارة العدل الأميركية.

ليست الأولى

بعد حراك 22 شباط/فيفري 2019، الذي رفعت مظاهراته شعارات رافضة لكل ما له علاقة بباريس، ومندّدة بحصولها بشكل مبالغ فيه على عديد الصفقات في الجزائر في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قرّرت السلطات الجديدة في البلاد الحدّ ولو قليلًا من هذا الاحتكار الفرنسي، وكانت البداية بمنع استحواذ شركة توتال على أصول لـ "انداركو" الأميركية في حقل بركين النفطي جنوب الجزائر بتطبيق حق الشفعة الذي يسمح للدولة بمنع بيع هذه الأصول لشريك آخر لا ترغب فيه.

وكانت "أنداركو" قد باعت أصولها في أفريقيا للشركة الفرنسية بمقتضى عقد وقع في 3 آب/أوت 2019، لتثير هذه الصفقة جدلا وقتها، غير أن الحكومة الجزائرية سارعت لإفشال عملية البيع، بإعلان وزارة الطاقة في كانون الأول/ديسمبر 2019، أن شركة سوناطراك ستقوم بممارسة حق الشفعة على حصص شركة "أناداركو" في الجزائر، ولن تسمع ببيع أسمهما لشركة "توتال" الفرنسية.

وفي أيار/مايو الماضي، رضخت "توتال" للأمر الواقع وأعلن رئيسها التنفيذي باتريك بويانيه أنّ "أوكسيدنتال" أبلغتهم أنه من غير الممكن الاستحواذ على أصول "أناداركو" في الجزائر، وبدورها وافقت وزارة الطاقة الجزائرية على بقاء الشراكة بين "سوناطراك" و"أناداركو" في حقل بركين جنوبي البلاد.

في الطريق؟

تتضارب المعلومات إن كان ما حدث في قطاعي النقل والطاقة حالة منعزلة لموقف الجزائر من الاستثمارات الفرنسية أم أنه واقع جديد سيمس مجالات أخرى. وحسب صحيفة "الشروق اليومي"، فإن الحدّ من تمدد بعض الشركات الفرنسية متواصل، وقد يكون الدور المقبل على شركة "سيال" فرع شركة "سياز" الفرنسية، والتي تتولّى توزيع المياه بولايات العاصمة وتيبازة ووهران.

ونقلت الصحيفة عن مصدر بقطاع الموارد المائية قوله إن "السلطات لا تنظر بعين الرضا تمامًا إلى أداء شركة (سيال) بعد الأزمات الأخيرة والتذبذب في توزيع هذه المادة الأساسيةن الذي أطاح برؤوس عدد من المسؤولين على غرار الرئيس المدير العام للشركة الفرنسي بريس كابيبال و12 مسؤولًا آخر بمجلس إدارة الشركة".

وتوقع المصدر ذاته، إمكانية عدم تجديد عقد شركة "سيال" الذي سينتهي شهر نيسان/أفريل 2020. والأمر لا يتوقف عند هذا المجال، ففي قطاع الصناعة يبقى وضع شركة "رونو" للسيارات ومصنعها للتركيب بواد تليلات بوهران غرب البلاد غامضًا، عقب المراجعة التي قامت بها الحكومة بشأن دفتر شروط صناعة وتركيب السيارات، وتُطرح تساؤلات بشأن قدرة المتعامل الفرنسي على احترام الشروط الجديدة، وهو الذي استفاد في عهد الرئيس السابق من امتيازات "خيالية" دون تحقيق الالتزامات التي كان مطالبًا بها.

وفي المجال الغذائي، تحدثت تقارير إعلامية متطابقة عن توجّه الجزائر إلى استيراد القمح الروسي بدل القمح الفرنسي، علمًا أن أكثر من 60 في المائة من القمح الفرنسي الموجّه للاستيراد كان يتوجّه إلى الموانئ الجزائرية، يضاف إلى كلّ هذا تطور العلاقات مع موسكو في عدة مجالات.

يبقى للجانب السياسي والتاريخي دور في تعديد التعاون الاقتصادي بين البلدين

وفي انتظار ما تحمله الأيّام المقبلة بشأن العلاقات الجزائرية الفرنسية، يبقى للجانب السياسي والتاريخي دور في تعديد التعاون الاقتصادي بين البلدين، والذي يظهر أنه ليس في أحسن أحواله، فزيارة الرئيس تبون الذي اعتبر في مقابلته التلفزيونية الأخيرة تسليم فرنسا لجماجم بعض شهداء المقاومة الشعبية "مجرّد خطوة بسيطة" لم تحدد بعد، وقد تزال بعيدة حتى وإن تحجّج الطرفان بأزمة كورونا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تسحب سفيرها من باريس لمدّة غير محدّدة

هل اتفق تبون وماكرون على تجاوز الخلافات؟