في ظلّ المتغيرات والتحدّيات الاقتصادية التي تعرفها القارة الأفريقية منذ مطلع الألفية الثالثة، واستقطابها لاهتمام العواصم الاقتصادية والشركات المالية الكبرى، تبعًا لما تتمتّع به أفريقيا من ثروات طبيعية هامة، وما تشكّله القارة من سوق استهلاكية ضخمة، باتت القارة السمراء تحتل أيضًا مكانة هامّة في أجندت السياسية الخارجية للجزائر.
بلعمري: من غير المقبول أن تبقى قارة أفريقيا بتعداد سكاني قدره مليار و200 نسمة دون مقعد دائم في مجلس الأمن الأممي
وسعيًا لتدارك التأخّر في رسم علاقات قويّة بين الجزائر ومحيطها الجغراف، وتعزيز الروابط في المجال الأمني والاقتصادي والدبلوماسي، وتحسين التموقع على مستوى الفضاء الاقتصادي، في ظلّ التنافس الدولي والاهتمام الأمريكي والصيني والتركي والاتحاد الأوروبي المتزايد، في سبيل إيجاد موطأ يعزز وجودها وتموقعها. يُمكن التساؤل إن كانت الجزائر تستطيع استعادة مكانتها من خلال موقعها الاستراتيجي كبوابة لأفريقيا، ولعب دورٍ محوريٍّ في التسويات السياسية والنزعات الإقليمية، وما هي الآليات التي تعتمدها الجزائر في التموضع أفريقيا وسط تنافس دولي وإقليمي؟.
اقرأ/ي أيضًا: بوقدوم في جنوب أفريقيا ليومين
تكثيف النشاط الدبلوماسي
وفي إطار تعزيز مكانة الجزائر في القارة الأفريقية، كثّف وزير الخارجية صبري بوقادوم من زيارات ولقاءات مع رؤساء وقادة أفارقة، حيث التقى بالوزير الخارجية السوداني خلال زيارة قادته إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما زار بوقادم كل من كيينا وجنوب أفريقيا ومملكة ليسوتو وأنغولا خلال الأسابيع الأخيرة، تناولت قضايا القارّة السمراء والتعاون الثنائي والإقليمي.
من جهتهم، يرى متابعون أنّ الزيارات الأخيرة تأتي قبيل اجتماع القمّة الأفريقية المقرّر انعقادها يومي 6 و7 شبّاط/فيفري الجاري، وتشمل ملفات الإصلاح المؤسّسي للاتحاد الأفريقي، ومنظمة التجارة الحرّة القارية الأفريقية، إضافة إلى تقارير حول الوضع في ليبيا وسدّ النهضة والأمن الأفريقي.
إصلاح المنظومة الأممية
في سياق الموضوع، تسعى الجزائر إلى إدخال إصلاحات عميقة في الهيئة الأممية، إذا تطالب الجزائر بمنح مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، حيث دافع وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم عن القارة الأفريقية، وقال إنّها "تتعرّض إلى ظلم تاريخي"، مطالبًا في الوقت نفسه، برفع نسبة التمثيل وإصلاح أساليب عمل المجلس.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر -3، عبد الوهاب بن خليف، إن المطلب الجزائري ليس بجديد، وتضمّ الجزائر صوتها إلى عواصم كبرى لها تأثير من حيث القوّة الاقتصادية وتعدادها السكّاني على غرار الهند، إذ أنّه من غير المعقول أن يبقى مجلس الأمن حكرًا على خمسة دول فقط، ومن شأن المقترح، يُضيف المتحدّث، أن يساهم في الدفاع عن الدول الفقيرة والمستضعفة ورفع الظلم عن دول تتعرّض إلى ضغوط وابتزاز الدول الخمسة.
من جانبهم، يرى خبراء في الشأن الدولي أنّ التحوّلات التي عرفتها القارّة الأفريقية اقتصاديًا وسكّانيًا، تفرض وجودها في المنظمة بشكلٍ يحقّق المساواة ويراعي مصالحها الاستراتيجية، وإشراكها في حلّ النزاعات الإقليمية والحروب الموجودة بها، وتسطير الآليات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار القاري وفق أهدافها بدون تدخّل خارجي أو أممي.
تعزيز مكانة الجزائر أفريقيا
من جهته، يرى الإعلامي والمحلّل السياسي أمين بلعمري، أنه من غير المقبول أن تبقى قارة أفريقيا بتعداد سكاني قدره مليار و200 نسمة، ومساحة 30 مليون كلم مربع دون مقعد دائم في مجلس الأمن الأممي، وأضاف المتحدّث، أن تحرّكات الدبلوماسية الجزائرية تحمل انشغالًا أفريقيًا أكثر منه محلّي، مؤكّدًا على خصوصيات دول الجنوب وفي مقدّمتهم قارة أفريقيا.
وفي تقدير محدث "الترا جزائر"، فإن المطالبة بإنصاف القارة الأفريقية في مجلس الأمن يعزز مكانتها ويعيد إليها حجمها السياسي والاقتصادي، وينهي سياسة الاستغلال والنهب وتوظيف الإرهاب الدولي وإشغال الحروب على حساب الشعوب الأفريقية ضحية الاستعباد والتهميش الدولي. ويستطرد قائلًا: "إنّ الجزائر تسعى إلى تعزيز مكانتها في المنطقة لتكون حلقة وصل لتحقيق تضامن أفريقي-أفريقي".
قُدرات القارّة السمراء
ويبلغ عدد سكان أفريقيا 1.3 مليار نسمة، وتبلغ مساحتها الجغرافية نحو 30.2 مليون كيلومتر مربع، ويُقدّر الناتج المحلي الاجمالي بنحو 2.5 تريليون دولار، وقد بلغ معدل النمو الاقتصادي ما بين عامي 2018/2019 معدّل 4.3 في المائة.
وتحتوي أفريقيا على 12 في المائة من احتياط النفط، و10 في المائة من احتياط الغاز، وتنتج 40 في المائة من الإنتاج العالمي من الألماس، وتستحوذ على 25 في المائة من الإنتاج العالمي للذهب، و50 في المائة من احتياطي الذهب عالميًا. أمّا الاراضي الصالحة للزراعة فالقارّة السمراء تمتلك 60 في المائة من مساحات الخصبة والفلاحية غير مستغلة تمامًا..
تعيش القارة السمراء تحدّيات أمنية أيضًا، وتتعرض إلى كوارث مناخية تهدّد سلامة مواطنيها، وقد ظلّت القارة تعاني من تدخلات أجنبية لنهب ثرواتها وخيراتها، وانعكس التدخّل الدولي نزعات وحروب داخلية، وتعطيل التنمية البشرية والاقتصادية وتمكين عسكرة الحكم وغياب الديمقراطية.
لا يزال طويلًا أمام استعادة الجزائر لمكانتها التاريخية في ظلّ التنافس والصراع الدولي على ثروات أفريقيا
في النهاية تحاول الجزائر استدراك تأخّر تموقعها السياسي والاقتصادي في المنطقة، واعتماد المقاربة الاقتصادية كآلية للتموضع بقوة في القارّة السمراء، حيث تمتلك الجزائر إمكانيات التوسع الاقتصادي في مجال الصناعة البترولية والغازية ومجال الأشغال العمومية، لكن ورغم النشاط الدبلوماسي للجزائر مؤخّرًا، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا أمام استعادة الجزائر لمكانتها التاريخية في ظلّ التنافس والصراع الدولي على ثروات أفريقيا.
اقرأ/ي أيضًا:
بوقدوم: مستعدون لمرافقة مالي حتى تتخطى أزمتها
بوقدوم: ملف الذاكرة مع فرنسا ما زال مفتوحًا