18-مايو-2022
(تصور: بلال بن سالم/Getty)

(تصور: بلال بن سالم/Getty)

في مساء 17 فيفري/شباط 2020، ظهر وزير الصحّة عبد الرحمن بن بوزيد، على نشرة الثامنة على غير عادته، ليعلن للجزائريين أمرًا جللًا: "سجلنا أول حالة إصابة بفيروس كورونا لرعية إيطالي دخل الجزائر".

 لم يكن يعرف الجزائريون أنّ هذا الخبر سيغير حياتهم لفترة طويلة ويكون بداية رحلة من القلق العام استمرت لسنتين

 لم يكن يعرف الجزائريون أنّ هذا الخبر سيغير حياتهم لفترة طويلة، ويكون بداية رحلة من القلق العام استمرت لسنتين، كان يبلغ فيها "الفيروس الصيني"، الذروة ثم يتراجع ثم يعود في حلقة مفرغة بدا أنها لن تنتهي، إلى أن استقر أخيرًا في أدنى مستوياته قبل ثلاثة أشهر، لتعود الحياة إلى طبيعتها مع ترقب حذر.

غالبًا ما اعتٌمدت ولاية البليدة (40 كلم غربي العاصمة)، كنموذج لتطور وباء كورونا في الجزائر، فهي الولاية الأولى التي ظهر فيها الوباء وانتشر، لدرجة أنها عزلت عن باقي الولايات في بادئ الأمر، ومنع الدخول إليها والخروج منها إلا برخصة، وفُرض حجر صحي كامل عليها امتد لاحقًا ليشمل كامل القطر الجزائري.

وفي بداية شهر آذار/مارس 2020، قالت وزارة الصحة إن الإصابة بدأت بامرأة وابنتها يقطنان بولاية البليدة، تبين أن العدوى انتقلت إليهما من قريب لهما، مغترب بفرنسا، زارهما قبل أيام من ذلك، ثم امتدت العدوى لتشمل 17 فردًا من العائلة نفسها ثم خرجت دائرة العدوى عن السيطرة لتشكل عدة مناطق في "مدينة الورود" كما يطلق عليها في الجزائر. 

لذلك من الجانب الرمزي على الأقل، من المهم معرفة وضعية الوباء اليوم في البليدة. وفي هذا السياق، قال مصدر طبي من المستشفى الجامعي إبراهيم تيرشين المعروف لدى أبناء المدينة بـ"الفابور"، إنّ مصلحة الأمراض الصدرية التي خصّصت في السنتين الأخيرتين بالكامل لمعالجة وباء "كوفيد-19"، قد عادت لعملها الطبيعي أخيرًا، وهو مؤشّر واضح على الاستقرار الوبائي الذي تعيشه البلاد.

وأضاف المصدر الطبي في تصريح لـ "الترا جزائر" أن المصلحة لم تعد تستقبل مرضى كورونا إلا نادرًا بعد أن كانت موجات بشرية خلال الموجتين الثالثة والرابعة تتهاطل عليها جراء الانتشار الكثيف للعدوى، معتبرًا أن هذه التطورات إيجابية بالنسبة للمواطنين وأيضًا للأطباء وطلبة الطب الذين طغى التعامل مع كورونا على يومياتهم على حساب مقررات التكوين الأخرى.

موجات كورونا بالأرقام

ظهر المتحور ألفا أو كما يسمى "المتحور البريطاني" في الجزائر في نيسان/أفريل 2020 ببداية عنيفة فقد سجلت وزارة الصحة 30 وفاة يوم 9 نيسان/أفريل، وكانت هذه الموجة الأولى وفق البيانات الرسمية برأسين، الأولى في 25 أيّار/ماي بـ 197 حالة والثانية في 24 تموز/جويلية بـ 675 حالة فيما تراوح عدد الوفيات بين الموجتين بين 6 و15 وفاة. وتزامنًا مع ظهور المتحور الثاني بيتًا الجنوب أفريقي سجلت الجزائر 1133 إصابة كأقصى عدد حالات جديدة في يوم واحد وذلك في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 و23 وفاة في 26 تشرين الثاني/نوفمبر. 

وفي صيف 2021 ظهر المتحور الأشد فتكًا والأوسع انتشارًا "دالتا"، حيث سجل في 28 تموز/جويلية من السنة نفسها، 1927حالة جديدة و 49 وفاة في يوم واحد، رغم الغلق الكلي والصارم لشواطئ الشريط الساحلي وهنا دخلت الجزائر في أزمة ندرة الاكسجين بعد زيادة الطلب عليه جراء شراسة هذا المتحور . آخر متحورات كورونا التي ظهرت في الجزائر هو أوميكرون شتاء 2022، ورغم أنه المتحور الأقل شراسة فلم تتجاوز الوفيات 15 وفاة كأقصى حد، يوم 21 كانون الثاني/جانفي، إلا أنه كان شديد العدوى فبلغ أعلى عدد حالات منذ ظهور الفيروس يوم 25 جانفي/كانون الثاني 2521 حالة. 

الحالة الوبائية اليوم

في تقدير الدكتور إلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، فإن الجزائر تعرف مرحلة استقرار نسبي منذ أكثر من ثلاثة أشهر بدليل الارقام المعلنة يوميا من طرف مصالح الوزارة. 

لكن مرابط يؤكد في حديثه مع "الترا جزائر"، أنه لا يمكن الحديث اليوم عن نهاية الوضع الوبائي ونحن نستمر في تسجيل حالات جديدة، خاصة أن أرقام الوزارة تبقى قريبة من الواقع الميداني ولكنها غير دقيقة كون المصالح الوزارية تعتمد حصريا على العينات المؤكد ايجابيتها عن طريق تحليل PCR، كما سجل حسبه في الفترة الاخيرة (أياما بعد عيد الفطر) انتشار واسع لأعراض الزكام والإنفلوانزا عند كثير من المواطنين أغلبهم لم يخضع لتحاليل تشخيص "كوفيد – "19، ما يعني غياب معطيات دقيقة.

وما يجب التذكير به، وفق النقابي في قطاع الصحة، أننا نواجه خطر انتشار جائحة عالمية وليس وضعية وبائية تخص الجزائر استثناء، وهذا يعني أننا ملزمون بمتابعة ما يحدث في عديد الدول حاليا من عودة انتشار الوباء بمستويات متفاوتة وبمؤشرات مقلقة إلى حد إعلان بعض الدول وحتى مسؤولي منظمات صحية دخولنا في موجة خامسة انطلقت وقد تصل قمتها في أوروبا خلال هذه الصائفة بالإضافة لما يُثار عن سلالات متحورة جديدة تم عزلها في عدة دول.

استراتيجية مواجهة كورونا

كغيرها من البلدان، اعتمدت الجزائر على التلقيح لمواجهة الفيروس التاجي، حيث بدأت حملة التطعيم في جانفي/كانون الثاني 2021 بولاية البليدة التي كانت بؤرة الوباء.  وقد وفرت الجزائر ثلاث لقاحات مضادة لفيروس كورونا، سبوتنيك الروسي "سينوفاك" الصيني واسترازينيكا البريطاني أملًا في تلقيح أكبر عدد ممكن من سكان الجزائر البالغ تعدادهم 44 مليون نسمة. 

وفي سبتمبر/أيلول 2021، بلغت نسبة الملقحين بجرعة واحدة 13.3% والملقحين بجرعتين 6.8% لتصل في فيفري 2022، إلى 17% للملقحين بجرعة واحدة و14%بجرعتين.  هنا بدأ الحديث عن إضافة جرعة ثالثة لاقت إقبالًا ضعيفًا بدليل أنه لم تتجاوز نسبة الملقحين بها الى اليوم 1.2%. بهذا تصل نسبة الملقحين ضد فيروس "كوفيد-19" في الجزائر الى 14.8 % وفق الإحصائيات الدولية.

إلى هنا، يرى الطبيب  والنائب في البرلمان عبد السلام باشاغا، أن الاستراتيجية المتبعة لمواجهة جائحة كورونا بالجزائر على مدار السنتين الماضيتين سمحت بالخروج بأخف الاضرار. 

وذكر النائب في تصريح "الترا الجزائر"، أن التدابير التي اتخذت من طرف الحكومة من خلال الغلق المبكر للحدود ووضع القيود على كثير من مظاهر الحياة العادية والانشطة كان لها دور إيجابي وإن كانت تبعاتها الإقتصادية قاسية نوعًا ما خاصة في خلال الموجة الأولى.

وما ينبغي الإشادة به حسب الطبيب، هو الدور الفعال والمتقدم الذي لعبته فعاليات المجتمع المدني في مختلف الولايات، وهو دور كان له بالغ الأثر الإيجابي والمخفف والمساند للزملاء من أفراد الطاقم الطبي وعموم المواطنين المتضررين من الجائحة وتبعاتها.

أما ما يعاب على هذه التدابير، وفق البرلماني، عدم مواكبة التطورات الجينية للفيروس خلال مختلف الموجات، واكتفاء خلية الأزمة المركزية بالتدابير الكلاسيكية دون وضع إستراتيجية واضحة لمواجهة الطفرات الجديدة التي حدثت بعدها، وهذا ما لاحظناه -يقول- خلال موجة "المتحور دلتا" التي كانت قاسية ومفاجئة وجعلت الحكومة تتفرج خاصة ما تبعها من ازمة حادة لتمويل بمادة الاكسجين والتدابير التي اتخذت من جلب مكثفات ومولدات كانت متأخرة جدًا، على حد قوله.

عبد السلام باشاغا: سوء تسيير الموارد البشرية في القطاع الصحي تسبب في فقدان عدد معتبر من أفراد الجيش الأبيض

ومن النقاط السلبية التي رصدها النائب، سوء تسيير الموارد البشرية في القطاع الصحي، وظهر ذلك حسبه، في فقدان عدد معتبر من أفراد "الجيش الأبيض" من الأطباء وشبه الطبيين فقد كانوا في صف الدفاع الأول أمام هذا العدو.