13-أبريل-2021

تعرف الأسواق الجزائرية تذبذبًا في التموين تزامنًا مع شهر رمضا (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

 

يتعدّى شهر رمضان لدى الجزائريّين كونه شعيرةً دينيّةً وتعبّديّةً إلى كونه ظاهرةً اجتماعيّةً أيضًا. فيومياتهم وليلياتهم تنتعش انتعاشًا خاصًّا يُنسيهم الرّكود الذّي تتميّز به خلال الشّهور الأخرى.

أدّى السّلوك القائم على الرّغبة في توفير السّلع إثراءً للمائدة الرّمضانيّة إلى طوابير طويلة نتجت عنها مشاهد متعبة

يقول الجامعيّ والنّاشط الثّقافيّ حسام بوشيخ إنّ رمضان يزرع الحياة في مفاصل الأسرة والشّارع الجزائريّين؛ فيربطها بطقوس متميّزة، منها تلك التّي ترتبط بالاستهلاك؛ "إذ يصبح التّبضّع عادةً يوميّة ومفتوحة على سلع وأطباق في العادة هي خاصّة بالضّيوف خلال الأيّام العادية".

اقرأ/ي أيضًا: "البوقالة" تؤنس سهرات الجزائريات في رمضان

ويشرح حسام بوشيخ فكرته بالقول: "في الظّاهر يبدو الأمر تمييعًا للمعاني الرّمضانية السّامية، لكنّه في عمقه يندرج ضمن تقديس الجزائريّ لهذا الشّهر؛ فهو يستعدّ له بتنظيف وتزيين البيت وتجديد الأواني وتغيير مضمون المائدة؛ ابتهاجًا به وبأيّامه ولياليه".

أدّى هذا السّلوك القائم على الرّغبة في توفير السّلع إثراءً للمائدة الرّمضانيّة إلى طوابير كثيفة نتجت عنها مشاهد متعبة؛ إذ لم يخلُ محلّ تجاريّ واحد من إقبال يمكن رصده بسهولة. وتصدّرت السّلع التّي ظهرت ندرتها؛ في الآونة الأخيرة، مثل زيت المائدة قائمة السّلع المبحوث عنها.

في مفاصل من مدن الجزائر العاصمة والبويرة والمسيلة وبرج بوعريريج، اقتربنا من بعض الفضاءات التّجاريّة، ورصدنا سلوكات منها شراء ما يكفي شهرًا دفعةً واحدةً عوضًا عمّا يكفي أسبوعًا مع تجديد التّبضّع لاحقًا. وعدم الاكتفاء بعلبة واحدة من الغرض نفسه بل تؤخذ عدة علب بما يُسرّع من إفراغ الرّفوف؛ ويُعطي انطباعًا بالنّدرة، فيترتّب عن ذلك الانطباع غزو للمحالّ الأخرى.

سألنا صاحب مركز تجاريّ في مدينة برج بوعريريج عن الظّاهرة؛ فقال إنّه لا يملك السّلطة التّي تؤهّله لأن يحدّد عدد العلب من غرض ما للزّبون. "وحتّى إن فعلت ذلك بخصوص سلعة معيّنة، مثل الحليب أو زيت المائدة؛ فإنّ كثيرين يتحايلون بإقبال أكثر من فرد من الأسرة الواحدة. ترشيد الاستهلاك لا يخضع للقوانين والإجراءات المسطّرة؛ بل للثّقافة والأخلاق الاستهلاكيّة، وهذه مهمّة المنظومات الثّقافيّة والإعلاميّة والدّينيّة والتّربويّة. وهو الجهد الذّي أراه غائبًا".

ويضيف محدّث "الترا جزائر" الذّي هو طالب في كلّية الاقتصاد: "رغم أن قطاعًا واسعًا من المواطنين يدركون أنّ تبضّعهم بهذه الطّريقة يُنعش المضاربة والتّلاعب بالأسعار  إلّا أنّهم ينتهجونها عند قدوم الموسم الرّمضانيّ".

من جهته؛ أبدى الجامعيّ والنّاشط أشرف عطيّة الله هامل استغرابه من عدم الانسجام بين خطاب المواطن وسلوكه؛ "فهو يصف شهر رمضان بشهر الرّحمة لكنّه لا يرحم البقيّة بأخذ ما يكفيه مؤقّتًا؛ حتّى يتاح لهم هم أيضًا التّزوّد بما يحتاجونه. إذ لو أتيح لأحدنا أن يأخذ مقدار عام من سلعة ما لفعل! ويقول عن رمضان أيضًا إنه شهر الزّهد إلّا أنّه لا يترك سلعةً إلّا اشتراها، حتّى أنّ بعض السّلع تُشترى لتُرمى".

يتساءل: "لماذا يشجب الجزائريّ غياب مظاهر الجزائر الجديدة في تصرّفات وذهنية السّلطة السّياسيّة، ولا يلتفت أيضًا إلى كون هذه الجزائر المنشودة لن تتحقّق إلّا بمواطن ذي سلوكات رشيدة بما في ذلك السّلوك الاستهلاكيّ".

في سياق البحث عن المقارنة بين سلوك الجزائريّين في الدّاخل وسلوك الجزائريّين في الخارج؛ يقول الفنّان رضا عمراني المقيم في كندا: "نحافظ على العادات الجزائريّة الرّمضانيّة؛ خاصّة تلك المتعلّقة بالمائدة، لكنّنا لا نقع في الإسراف، ذلك أنّ المهاجر يتعلّم بالتّراكم كيف يسيّر ميزانيته، ضمن ما يتعلّمه في البيئة الغربيّة". ويسأل: "لماذا لم تستطع التّعاليم الإسلاميّة، رغم وضوحها، أن تتغلغل في أذهان ووجدان كثير من الجزائريّين المقيمين في الدّاخل؟".

ولفت محدّث "الترا جزائر" الانتباه إلى مفارقة صارخة في سلوك التّاجر الجزائريّ ونظيره الكندي؛ "ففي الوقت الذّي يستغلّ فيه بعض التّجّار الجزائريّين شهر رمضان لرفع الأسعار والتّحايل على القوانين؛ يقوم التّجّار في كندا بإطلاق تخفيضات واسعة الاستهلاك خلال شهر رمضان يستفيد منها حتى غير المسلمين. وتحمل الإعلانات الخاصّة بالتّخفيضات عبارة "رمضان كريم". فمن الأولى بهذا الكرم؟ المسلمون في بلدانهم مع المسلمين أمثالهم أم المسيحيون في بلدانهم مع المسلمين؟".

يبدو أنّ القائمين على اللحظة الجزائريّة لم نتبهوا بعد إلى ضرورة الشّروع على خلق توازن في سلوكات الشّارع الجزائريّ

ويبدو أنّ القائمين على اللحظة الجزائريّة؛ رسميّين ومستقلّين، لم نتبهوا بعد إلى ضرورة الشّروع في العمل على خلق توازن في سلوكات الشّارع الجزائريّ، بما في ذلك التّوازن في الأفعال الاستهلاكيّة. وهي واحدة من المهامّ الحضاريّة التّي على مسعى الحراك الشّعبيّ أن يتفتّح عليها، حتى لا يبقى مجرّد مسيرات أسبوعيّة محدودة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رمضان الجزائريين.. أرصفة محتلة

أول رمضان في زمن التقشف الجزائري