تأتي زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى عديد من العواصم العربية والأفريقية، وسط تحولات إقليمية، وتهديدات باتت تهدد السلم والأمن في القرن الأفريقي والمنطقة بكاملها، حيث أن تزايد الاهتمام الجزائري بالملفات المغاربية والعربية والأفريقية، يهدف إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين الدوليين على الساحة الليبية والتونسية.
تماشيًا مع دبلومساسية "إطفاء الحرائق" التي تنتهجها الجزائر، فإن أهمية زيارة الوزير الخارجية تكمن أنها جاءت في ظروف جيوسياسية معقدة
وركزت جولة لعمامرة الأخيرة، من خلال لقائه مع نظرائه في الدول العربية والأفريقية، على التعاون الأقليمي والأمني تحديدًا، إذ استعرض المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، فحوى اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بوزير الخارجية رمطان لعمامرة، وكانت التطورات في ليبيا وتونس أبرز الملفات التي نوقشت في اللقاء.
اقرأ/ي أيضًا: لعمامرة يلتقي رئيسة إثيوبيا في ثاني محطة أفريقية له
أما بخصوص وساطة الجزائر في ملف سدّ النهضة، فقد أكّد لعمامرة أن اهتمام الجزائر بهذا الموضوع جاء باعتباره "أساسيًا بالنسبة لدول شقيقة وصديقة"، مؤكدًا موقف الجزائر الثابت وحرصها على "ألا تتعرض العلاقة الاستراتيجية والمتميزة بين الجانبين العربي والأفريقي لمخاطر نحن في غنى عنها".
وتماشيًا مع دبلومساسية "إطفاء الحرائق" التي تنتهجها الجزائر، فإن أهمية زيارة وزير الخارجية تكمن أنها جاءت في ظروف جيوسياسية معقدة، حيث تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي اختراق الجسد الأفريقي، وما يترتب عنه من صناعة جيوب "لا استقرار" في المنطقة، كما يأتي التحرك الجزائر أفريقيا مباشرة بعد احتفاء الكيان الصهيوني بصفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي.
وفي سياق الموضوع، قال رضا شنوف، الإعلامي والمحلل السياسي، إن الجزائر كانت أول دولة عبّرت عن رفضها لصفة عضو مراقب لـ "إسرائيل"، مضيفًا أن الجزائر حملت المسؤولية لرئيس المفوضية الأفريقية.
وأفاد شنوف في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الجزائر تعمل مع دول أفريقية وازنة من أجل محاصرة "إسرائيل"، والعمل على إخراجها من المنظومة الأفريقيةـ مشيرًا أن المهمة ليست سهلة، علمًا أن "المبادئ والأبجديات التي يتحرك وفقها الاتحاد الأفريقي تتنافى مع كيان الاحتلال"، وأضاف أن دعم القضية الفلسطينية يَعدُ أحد ركائز سياسة الخارجية للجزائر، القائمة على دعم الشعوب المستعمرة.
أهداف استخباراتية وأمنية
وبخصوص أهداف الكيان الصهيوني من التغلغل داخل القارة الأفريقية، أكّد المحلل السياسي أن "إسرائيل" تبحث عبر الاتحاد الأفريقي عن شرعية تواجد في منظمة ضخمة مشكّلة من 55 دولة، وتفتح لها أبوابًا أمام تجمعات اقتصادية مهمة، موضحًا أن هذه العضوية تسمح للاحتلال من أداء مهمات استخباراتية وعسكرية، في ظلّ امتداد رجال أعمال عرب خاصّة في غرب أفريقيا.
في السياق، أوضح شنوف أن هناك العديد من الدول الصديقة في الاتحاد الأفريقي تعارض وجود الكيان الإسرائيليعلى غرار نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر، إلى جانب دول أعطوا الضوء الأخضر للجزائر مثل تونس ومالي والسينغال والنيجر وزيمبابوي وليبيريا والسيشل، مشدّدًا أن الاتحاد الأفريقي لن يقبل بوجود جسد يساهم في إحداث تشقق في الجدار الأفريقي بسبب "إسرائيل".
ديناميكية جديدة
من جهته، يرى سامي كباش الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن تحرّكات لعمامرة في فضاء إقليمي يخبره جيّدًا، يعتمد فيه على دبلوماسية تعرف في أدبيات السياسة الخارجية بالدبلوماسية المكوكية، التي تعتمد على الزيارات المكثفة لعواصم البلدان بحثًا عن وجهات نظر حول النزاعات أو القضايا محلّ اهتمام مشترك.
وأوضح سامي كباش في اتصال مع "التر جزائر"، أن أهداف زيارة لعمامرة تتمحور حوّل ملف سد النهضة، وخلق ديناميكية جديدة في ظلّ التحولات الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، يرى محدّثنا أن الجزائر تحاول الممانعة لأي توجه نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلـي، فهي "تعتمد على علاقات قوية مع قوى تقليدية كجنوب أفريقيا و نيجيريا وأثيوبيا ومصر والسودان وتونس".
وذكر كباش أن الدور الجزائري يعمل على تفعيل المحور العربي-الأفريقي من أجل تقديم حلول ملموسة لمسائل عالقة كالأزمة الليبية والتونسية، وإبعاد الحضور الصهيوني خاصّة مع تورطه الأخير في دعم شبكات تجسس باستخدام برامج سيبرية متطورة.
"سد النهضة" على الطاولة
من جهتها أكدت سهام غدير، الإعلامية المهتمة بالشأن الدولي الإعلامية، أن جولة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة وبالتحديد إلى إثيوبيا والسودان ومصر تهدف إلى جس نبض الدول الثلاث لأزمة سد النهضةـ مسائلة حول مدى إمكانية الجزائر في لعب دور إيجابي قد يفضي إلى حلّ يرضي جميع الأطراف.
وأكدت محدثة "الترا جزائر"، أن دور الوساطة جاء بطلب رسمي من أثيوبيا التي رفضت جميع الوساطات المقترحة من القاهرة والخرطوم، وتصرّ على دور أفريقي محض شروطه متوفرة في الجزائر حسب النظرة الإثيوبية، لاعتبارات عدة؛ أبرزها العلاقات الثنائية التاريخية التي تربط الجزائر بأديسا بابا، والدور الإيجابي الذي لعبته في إنهاء النزاع الإثيوبي الإرتيري سنة 2000، بالإضافة إلى أن الجزائر دولة عربية بإمكانها التنسيق مع دولتي المصبّ السودان ومصر عن قرب .
وذكرت غدير، أن لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ثقلًا دبلوماسيًا على الصعيدين القاري والعالمي، ودراية واسعة في العمل على الملفات الأفريقية خاصّة فض النزاعات كمفوض للأمن والسلم، والممثل السامي للاتحاد الأفريقي من أجل إسكات البنادق في أفريقيا. كما تم تعينه عضوًا في المجموعة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي والقرن الأفريقي منذ سنة 2018.
إلى جانب ذلك قالت غدير: "إن الجزائر تعي جيدًا تعقيدات ازمة سد النهضة وتشابكاتها وتبحث عن دراسة الخطوة بعمق خاصة وأن العلاقات الثنائية بين السودان وإثيوبيا تتجاوز هذا الملف إلى نزاعات حدودية أخذت مسارًا معقدًا وصل إلى حدّ المواجهة"، مشيرة إلى حساسية العلاقات المصرية الإثيوبية تاريخيًا من أيام مشروع السدّ العالي الذي رفضته إثيوبيا آنذاك ومولته الولايات المتحدة.
أوهام التنمية
وتتحفظ الجزائر من الاختراق الإسرائيلي للقارة الأفريقية، بناءً على رؤية تتمثل في أن المحتل الإسرائيلي كيان أمني وعسكري يهدّد استقرار المنطقة لحساب أمن "إسرائيل" المتورّطة في تدريب وتسليح مقاتلين انفصالين في القارة الأفريقية التي تعرف حروب أهلية، مثل مقاتلي دارفور الذين ارتكبوا مجازر ومذابح، كما تتلاعب إسرائيل بدول حوض النيل والضغط على مصر والسودان.
ويهدف الاقتراب الصهيوني-الأفريقي إلى التخفيف من دعم القضية الفلسطينية، وصرف ملاحقتها عن كونها دولة احتلال عنصرية، والبحت عن وعاء تصويت لصالحها في المحافل الدولية. أما الجانب الاقتصادي، فهو يكمن في استغلال هشاشة الدول الفقيرة من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية مقابل التعاون السيبيري، لتمكين الدول الشمولية من المزيد من السيطرة.
يحذر خبراء في الشـأن الدولي من تراجع دور مصر وجنوب أفريقيا والجزائر لصالح الاحتلال إسرائيلي
في الختام، يحذر خبراء في الشـأن الدولي من تراجع دور مصر وجنوب أفريقيا والجزائر لصالح "إسرائيل"، وهو ما يعني نهاية الثقل والدور الاستراتيجي للدول المحورية والمتوسطية على الصعيد الأفريقي.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد التحفظ عليه في ليبيا.. لعمامرة يلتحق بمعهد السلام الدولي
تحرّكات دبلوماسية لوزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة