14-يوليو-2021

(الصورة: فيسبوك/ الترا جزائر)

تعيش الجزائر من جديد هذه الأيام حالة من الهلع بسبب الحرائق التي اندلعت في عدد من الغابات وأتت على الأخضر واليابس، وكادت أن تأتي أيضًا على البشر لولا تجند المواطنين ومساعدة عناصر الحماية المدنية في إخماد النيران التي دامت أكثر من أسبوع  في بعض المناطق مثل ولاية خنشلة شرقي البلاد، ليعود مع هذا الحدث التساؤل حول الأهداف الحقيقية لمن يقفون وراء هذه الجرائم البيئية.

أظهرت تدخّلات مختلف المصالح لإخماد الحرائق أن الإمكانات التي تم رصدها لذلك تبقى غير كافية 

ومع تكرر هذه الحرائق وتأخّر السلطات لساعات لإخمادها، بات ظاهرًا أن إمكانات الحكومة لمواجهة هذه المخاطر تبقى دون المستوى، بالنظر أن هذا النقص اللوجيستي كان وراء ازدياد مخاطر الحرائق في كل مرّة، وهو ما جعل المواطنين يطلقون في كل مرة نداءات استغاثة لمنع النيران من الوصول إلى الأماكن السكنية.

اقرأ/ي أيضًا:  حرائق الغابات: توقيف 15 متهمًا بـ 5 ولايات وتعويضات للمتضررين بشروط

حرائق بالجملة

ما إن يخمد حريق حتى يشتعل آخر، هذا هو حال الجزائر هذه الأيام، فيوم الاثنين الموافق لـ 12 تموز/جويلية، عادت النيران لتشتعل بغابة "جبل العاطف" بتبسة بعد أن كانت مصالح الحماية المدنية قد تمكنت من التحكم فيها وإخمادها خلال صبيحة اليوم نفسه.

 وحسب عناصر الحماية المدنية، فإن حالة الطقس الذي عرفته الولاية والمتمثل في هبوب الرياح وارتفاع درجات الحرارة أدى إلى اتساع رقع الحرائق التي تعرفها هذه الولاية الحدودية.

حاليًا، يتخوف السكان أن تتكرّر المشاهد المرعبة التي عاشتها الأسبوع الماضي ولاية خنشلة، والتي امتدت بها الحرائق لعدة مساحات بغابات عين ميمون وشيلية وبوحمامة، وكادت أن تصل إلى  سكانتهم بعدما التهمت مزارعهم وأحرقت قطعانهم، وأتلفت أكثر من 2500 هكتار من الثروة الغابية، وهو ما جعل الولاية تعيش طقسًا حارًا لم يعرفه السكان سابقًا.

وبولاية خنشلة أيضًا، مست الحرائق الغابة الواقعة بوادي طامزة بالقرب من مفترق الطرق المؤدي إلى بلدية بوحمامة، حيث تدخل أعوان الحماية المدنية والغابات وأفراد الجيش الوطني الشعبي ومواطنين متطوعين لإخماد النار المشتعلة بغابات الصومعة بجبل فرعون والحوض وتواقات وجعرير ببلديات طامزة وشيلية وبوحمامة.

في هذا السياق، شهدت عدة ولايات كبجاية ومستغانم وتيكجدة بالبويرة والشلف وتيبازة هي الأخرى حرائق في مشهد صار يتكرّر كل صيف وعند اقتراب عيد الأضحى.

غير كافية؟

أظهرت تدخّلات مختلف المصالح لإخماد الحرائق أن الإمكانات التي تم رصدها لذلك تبقى غير كافية للتحكم في لهيب النيران التي صارت تصل الغابات من فترة لأخرى، ففي الحريق الذي شهدته ولاية خنشلة، تم تسخير 800 عون من مختلف الرتب تابعين لـ11 رتلًا متنقلًا للحماية المدنية و300 عون للغابات وأفراد من الجيش الوطني الشعبي و140عاملًا بالمؤسسة الجهوية للهندسة الريفية "صفا الأوراس" وأعوان الجماعات المحلية ومئات المتطوعين.

وفي حرائق تبسة، خصّصت مديرية الحماية المدنية بالولاية ما لا يقل عن 200 عون من مختلف الرتب، و20 شاحنة إطفاء من مختلف الأحجام لإخماد ألسنة اللهب، إضافة للاستنجاد بوحدات الرتل المتنقل لمكافحة الغابات والمحاصيل الزراعية لولاية سوق أهراس، والمتمثل في 30 عنصرا من مختلف الرتب وستة شاحنات من مختلف الأحجام، وخمسة شاحنات إطفاء وعدد من الأعوان تابعين للرتل المتنقل لمكافحة الغابات والمحاصيل الزراعية لولاية قالمة.

ولم يختلف مشهد نقص الإمكانيات لمواجهة الحرائق المهولة في عديد الولايات، وهو ما جعل مشاهد الاستغاثة لإنقاذ السكان القاطنين بالمناطق القريبة لهذه الغابات تتعالى واقعيًا، وافتراضيًا، ففي الأيام الماضية ، تصدر وسم #خنشلة_تحترق و #انقذوا_غابات_خنشلة بعد عدم استطاعات الإمكانات البشرية والمادية المسخرة.

وتعترف السلطات الرسمية بأنّ ضخامة الحرائق التي تعرفها البلاد تكون أكبر من الإمكانات المسخرة، خاصّة في ظل نقص بعض تجهيزات الإطفاء العصرية، لذلك أعلن وزير الداخلية كمال بلجود خلال تنقله إلى ولاية خنشلة اقتناء طائرات خاصة بإخماد الحرائق قريبًا.

وقال بلجود "قد تم إعداد دفتر شروط في هذا الشأن و دخلنا في اتصالات مع شركات عالمية تنشط في المجال"، مضيفا بأن "الإمكانيات موجودة و ستكون هذه الطائرات متوفرة بالبلاد بمجرد أن يجلبها الممونون".

وتؤكّد الحرائق المتوالية التي تشهدها الجزائر، أن مخطط الحكومة لمواجهة المخاطر الكبرى التي من ضمنها الحرائق الذي تم تفعيلها من جديد، هذا العام يبقى غير كاف وغير مجدٍ لمواجهة سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها عصابات الفحم وتخويف الجزائريين.

حرائق مفتعلة

بات مؤكدًا أن عديد الحرائق التي تعرفها غابات الجزائر ليست بريئة، بالنظر إلى أنها غالبا ما تندلع في وقت واحد وفي ظروف مناخية قد لا تساعد على نشوب النيران، مثلما حدث العام الماضي في منطقة قوراية خلال حرائق تيبازة.

وقال وزير الداخلية إنّ الحرائق التي شهدتها ولاية خنشلة "مفتعلة و تقف وراءها مجموعات إجرامية"، موضحًا أن "مصالح الأمن قامت بتوقيف عدة أشخاص مشتبه فيهم وستتولى العدالة أمرهم".

وحسب كمال بلجود، فإن "هناك أشخاص يخططون لإثارة الفوضى من وراء عمليات حرق الغابات"،  فقد وجد "عناصر الحماية المدنية أثناء تدخلاتهم لإخماد النيران داخل الغابات أشخاصا يحملون دلاء بنزين و مناشير آلية".

وبدورها أعلنت الحماية المدنية  يوم الثلاثاء 13 تموز/جويلية الحاري إحباط عملية إشعال نار متعمدة بغابة بينام بالعاصمة الجزائر. وجاء في بيان للحماية المدنية أنه "في إطار عمل جهاز الوقاية لمكافحة حرائق الغابات (الرتل المتنقل) الذي يتم تنصيبه كل سنة في الفاتح تموز جويلية، وأثناء تأدية المهام الوقائية المخولة للرتل المتنقل وأثناء قيامه بدورية استطلاعية، لا سيما على مستوى غابة بينام بولاية الجزائر، عثر أفراد الحماية المدنية يوم 12 تموز/جويلية 2021 بعمق غابة بينام على عجلات مطاطية وكذا دلاء معبئة بالبنزين" .

وقال بيان الحماية المدنية إنه "دون أدنى شك هذه الأدوات كانت مهيأة لإضرام النيران بالغابة كفعل إجرامي"، ولمواجهة عصابات مفتعلي الحرائق، تحضر السلطات لمشروع قانون قانون الغابات الجديد،  الذي يتضمّن عقوبات مشددة ضد المتورطين في إحراق وإتلاف المساحات الغابية، تصل إلى 15 و20 سنة وحتى إلى المؤبّد.

وحسب صيحفة الشروق اليومي الخاصة، فإن مصالح الدرك الوطني فتحت السنة الماضية أزيد من 1500 تحقيق يتعلق بحرائق الغابات، تبين من خلالها أن 80 بالمائة منها تمت عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، وأن اغلبها تقف وراءها شبكات الفحم خاصّة خلال فترة اقتراب عيد الأضحى.

في مقابل ذلك، ينفي تجّار الفحم هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، ويؤكّدون أن حرق الغابات لا ينتج سوى الرماد وليس الفحم، لأن مادة الفحم تنتج عبر تقنيات صعبة ودقيقة ولا يشملها حرق الغابات، موضحّين أن حرق الغابات لا ينتج عنه سوى الرماد.

في هذا السياق تُطرح عدّة تساؤلات حول تخاذل السلطات في اقتناء طائرات خاصة بإطفاء حرائق الغابات، حيث أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لجمع التبرعات من أجل اقتناء طائرات مخصّصة للغرض، معتبرين أن المبالغ التي تكلّفها هذه الطائرات ليست تعجيزية بالنسبة لبلد بترولي، مستشهدين بالأرقام الرسمية التي تكشف عن امتلاك الجزائر لخمسة طائرات لدى مصالح الحماية المدنية في بلد يعدّ أكبر بلد أفريقي مساحة.

تساءل مواطنون حول موعد إنهاء هذا الكابوس الذي صاروا يعيشونه من فترة لأخرى

وفي انتظار أن يرى مشروع القانون الجديد طريقه للنور، يتساءل مواطنون حول موعد إنهاء هذا الكابوس الذي صاروا يعيشونه من فترة لأخرى، وإن كانت التحقيقات الجارية كافية لوضع حد للخسائر التي يتكبدها الفلاحون سنويًا، ومعها يمكن إنهاء الاستنزاف المتواصل للثروة الغابية الجزائرية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

9165 هكتار من الغابات التهمتها النيران منذ بداية جوان

حرائق الغابات في منطقة القبائل.. "الماكيدعو لتدخّل أجنبي إيكولوجي