أعاد سقوط عديد الضحايا في الحرائق التي مست عدة ولايات بالشرق الجزائري، وفي مقدمتها الطارف الحديث من جديد عن فشل الحكومة في اقتناء طائرات خاصة بإطفاء الحرائق، رغم الوعود التي أطلقتها في مرات كثيرة، والتي تسبب عد تنفيذها في تكرار وقوع مآسي حرائق الغابات في مواسم صيفية سابقة، فما هي أسباب تأخر صفقات شراء طائرات الإطفاء؟ ومن يتحمل مسؤولية حرائق الجزائر؟
الجزائر ألغت صفقة استئجار طائرات من إسبانيا عقب تعليق الجزائر العمل باتفاقية الصداقة
ورغم وجود قانون يدعو إلى ضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من المخاطر الكبرى العشرة التي يحددها التشريع، ومنها الحرائق إلا أنها تبقى هذه الاحتياطات في الغالب دون المستوى، ليتكرر كل سنة فشل المسؤولين المكلفين بهذه المهمة بدءًا بوزير الداخلية إلى بقية المكلفين بهذه المهام.
وعود لم تتحقق
في 16 أيار/ماي الماضي، أعلنت مديرة حماية الثروة النباتية والحيوانية، لدى المديرية العامة للغابات، إلهام كابوية، أن الجزائر ستعمل على استئجار 6 طائرات إخماد حرائق من أجل تعزيز قدراتها لمكافحة حرائق الغابات هذا الصيف.
وقالت إلهام كابوية إن "هذه الطائرات ستُستأجر لشهري تموز/جويلية وآب/أوت المقبلين، حيث تمثل أكثر الفترات صعوبة من حيث حرائق الغابات"، مشيرة إلى أنه من بين الطائرات الست المستأجرة، تبلغ سعة أربع منها 3000 لتر، بينما تبلغ سعة الطائرتين الأخريين 6000 لتر.
غير أن هذه الوعود لم تتحقق حتى اليوم، وما توفر لحد الآن سوى طائرة تم استئجارها من روسيا وصلت إلى الجزائر في منتصف شهر حزيران/جوان الماضي، وهي من طراز "Berieve BE 200" مستأجرة لمدة 3 أشهر، وساهمت في إخماد حرائق بولايات سطيف وبجاية والبويرة، لكنها تعطلت هذه المرة منذ أيام، حسب ما صرح به وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود للتلفزيون الجزائري الحكومي، معلنًا عودتها للعمل ابتداء من السبت المقبل.
واعتبر مدير تحرير موقع "ميناديفانس" أكرم خريف في حديثه مع "الترا جزائر"، أن تعطل الطائرة الروسية أمر عادي بالنظر إلى كثافة العمل والإجهاد الذي قامت به هذا الصيف، كونها الوحيدة المتوفرة حاليًا، مبينًا أن مهمة إصلاحها ستوكل لطاقم تقني جزائري دون الحاجة إلى تدخل فريق روسي.
ويوم استلام الطائرة الروسية، بين وزير الداخلية سبب عدم القدرة على جلب الطائرات الست، والمتمثل في عدم وجود رد على الطلب الجزائري من جهات أخرى. وقال بلجود وقتها "بناء على تعليمات الرئيس عبد المجيد تبون، تم اللجوء إلى حل الاستئجار لدى بعض الدول في العالم وكان هناك رد من دولة واحدة وهي روسيا".
وزاد من صعوبة توفير طائرات إطفاء إلغاء الجزائر صفقة استئجار طائرات من إسبانيا، عقب تعليق الجزائر العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع مدريد، عقب تغيير الأخيرة موقفها من قضية الصحراء، ودعم مقترح المغرب بشأن هذه القضية المدرجة ضمن قضايا تصفية الاستعمار على مستوى الأمم المتحدة.
ومع سقوط هذا العدد من الضحايا، يعاب على الحكومة إلغاء هذه الصفقة بالنظر إلى أنه كان من الممكن الإبقاء عليها بالنظر إلى حاجة الجزائر لهذه الطائرات في ظل عدم توفر بديل، خاصة وأن عدة صفقات اقتصادية لا تزال سارية المفعول وأبرزها المتعلقة بالغاز الذي يمثل أساس التعامل الاقتصادي بين البلدين، كما أن عدم إلغائها لم يكن ليؤثر على الموقف الدبلوماسي المتعلق بوقف العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار.
تتطلب وقتًا
في 17 آب/آوت 2021، قالت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان إنه "على إثر الحرائق التي مست عدة مناطق من الوطن، وتنفيذًا لتعليمات رئيس الجمهورية، القاضية بتكليف وزارة الدفاع بالإشراف على عملية اقتناء طائرات متخصصة في مكافحة حرائق الغابات، على الفور أطلقت وزارة الدفاع الوطني الاستشارات الضرورية لدى مصنعين ذوي سمعة عالمية قادرين على تجسيد المشروع بصفة استعجالية، ليقع الاختيار على مُصنِع روسي ذو سمعة عالمية".
وأضاف البيان"شرعت مصالح وزارة الدفاع في التفاوض مع هذه الشركة للتوصل إلى اتفاق حول اقتناء في أقرب الآجال لأربع طائرات برمائية قاذفة للمياه متعددة المهام جديدة، من صنع روسي نوع (BE-200) BERIEV-200، ذات محركات مزدوجة قدرتها الاستيعابية (13000) لتر ويمكنها التدخل لمكافحة حرائق الغابات في الظروف الجوية القصوى والمعقدة".
لكن حصول الجزائر على هذه الطائرات التي تقارب قيمة الواحدة منها مبلغ 30 مليون دولار يتطلب وقتًا يصل إلى عام ونصف، لذلك لم تستطع الجزائر الحصول عليها هذا العام.
وقال وزير الداخلية "من المتوقع استلام الطائرة الأولى بالجزائر في نهاية شهر كانون الأوّل/ديسمبر المقبل، بينما ستصل الطائرات الثلاث المتبقية خلال الربع الأول من العام 2023".
وحاولت الجزائر الحصول على طائرات إطفاء من دول أخرى، لكن يبدو أن محاولاتها باءت بالفشل، وبالخصوص في ظل عدم توفر مصنعين ذوي جودة عالمية إذا ما تم استثناء علامة "كاندير" الكندية، وكذا بسبب الحرائق التي مست عدة دول في العالم.
وقال الرئيس تبون لدى زيارته الجناح المخصص للولايات المتحدة الأميركية في معرض الجزائر الدولي، شهر حزيران/جوان الماضي إن الجزائر مستعدة لشراء طائرات مضادة للحرائق فورًا من شركة أميركية، أو على الأقل استئجارها، خصوصا الطائرات التي تعتمد على استعمال مياه البحر وليس المياه العذبة، في إطفاء الحرائق، في حال ما تم الاتفاق على صفقة بين الطرفين، لكن ذلك لم يتحقق ما يعني أن الصفقة لم تتم.
عدم اهتمام
رغم تعرض الجزائر منذ سنوات لحرائق كل ضيف، إلا أن الحديث عن طائرات الإطفاء لم يطرح إلا في السنوات الأخيرة رغم البحبوحة المالية التي كانت تعيشها البلاد في العقدين الماضيين.
لكن الصحفي أكرم خريف يشير في حديثه مع "الترا جزائر"، إلى أن الأمر طرح سابقًا في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن المدير العام السابق للحماية المدنية مصطفى لهبيري عارض الفكرة، ولم يكن متحمسًا لاقتناء طائرات إطفاء الحرائق، وفضل أن تكون الصفقة تتعلق بشراء مروحيات للإطفاء، مضيفًا أنه بعد الذي حدث من الواجب التحقيق في هذا القرار إن كان يتعلق بخطأ مهني أم بسوء تسيير.
ولا يتعلق ما يتكرر كل عام من حرائق فقط بقضية اقتناء طائرات إطفاء، إنما القضية أكبر من ذلك وتتمثل في عدم جدية المسؤولين مهما اختلفت درجات وظائفهم في تنفيذ مخطط الوقاية من الحرائق والمخاطر الكبرى التي حددها القانون، بحسب متابعين.
المسؤولون لم يتعاملوا بجدية مع ملف حرائق الغابات في الجزائر وهو ما يتسبب في تكبيد البلاد خسائر فادحة في الأرواح والعتاد حسب متابعين
وإن كان من الواجب محاسبة كل من يقف وراء وقوع مأساة الطارف وسوق أهراس، فإنه أيضًا من الواجب على الحكومة البحث اليوم على وسائل وقاية متاحة في انتظار وصول طائرات إطفاء الحرائق، ومن بينها الطائرات المسيرة التي قد تكون أجهزة متاح الحصول عليها من الخارج وحتى من الداخل، بالنظر إلى دورها في اكتشاف أمكنة بؤر النيران وتحديد المسارات التي يمكن للحماية المدنية اتباعها في عملية السيطرة على النيران وإخمادها.