18-يوليو-2021

الدكتور خالد فوضيل (فيسبوك/الترا جزائر)

تشهد الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة أزمة مياه خانقة، أدت في كثير من المرّات إلى خروج المحتجين للشارع وقطع الطريق، تنديدًا بالوضع والمطالبة بإيجاد حلول للأزمة، وبين من يعيد أسباب انقطاع الماء عن الحنفيات إلى جفاف السدود وشحّ التساقط هذه السنة.

الدكتور خالد فضيل: تقرير الأمم المتحدة يحذّر الجزائر من تراجع المساحات الزراعية إلى 20 في المائة في ظل ندرة المياه

وبين من يحمّل مؤسّسات المياه مسؤولية غياب استراتيجية واضحة لتسيير هذا الملف، يكشف الدكتور خالد فوضيل، الباحث في مجال العمران والبيئة والحوكمة وأستاذ في معهد تسيير التقنيات الحضرية جامعة قسنطينة،  في حوار لـ "التر جزائر"، عن مخاطر معضلة المياه وعن آليات تجاوز الأزمة وأسباب ندرة الماء محليًا وعالميًا.

اقرأ/ي أيضًا: "سيال" تقطع المياه عن 9 بلديات بالعاصمة اليوم

  • ما مدى خطورة مشكلة ندرة الماء؟

يكتسي قطاع  الموارد المائية أهميّة استراتيجية لها صلة بعديد من النشاطات المرتبطة بالإنسان والمجتمع، ندرة المياه تنعكس سلبًا على قطاعات اقتصادية حيوية كصناعة الخدماتية والتحويلية والزراعية؛ فهي لا تقتصر على الجانب الاستهلاك اليومي للمواطن، فالنشاط الصناعي والفلاحي يستهك ضعف ما يستهلكه الفرد، فعلى سبيل المثال مركب الحجار بمدينة عنابة يستهلك  ضعف ما يستهلكه سكان مدينة عنابة.

أزمة المياه تؤدّي إلى أضرار على قطاع السياحة، الذي يستهلك خمس مرات ما يستهلكه المواطن، إذ تحتوي الفنادق على مسابح، والألعاب مائية بحاجة إلى تجديد يومي، وبالتالي فإن سلوك السائح يستهلك أكثر من المواطن القار.

القطاع الزراعي أيضًا من المجالات التي تستنزف قدرات مائية بشكل كبير، وبالتالي أيّة ندرة تؤدي إلى تراجع المساحات المزروعة والفلاحية، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن تقرير الأمم المتحدة يحذّر الجزائر من تراجع المساحات الزراعية إلى 20 في المائة في ظل ندرة المياه.

  • هل ندرة الماء سببها التغييرات المناخية؟

نعم هذا صحيح؛ فالتحوّلات المناخية انعكست بشكل كبيرة على وفرة المياه، لكن هناك ثلاثة عوامل وراء ندرة المياه؛ أولًا ارتفاع نسبة نمو الديمغرافي، يعيش اليوم  7.3 مليار نسمة على الكرة الأرضية تستخدم بشكلٍ يومي الماء، وتفيد تقارير الأمم المتحدة أن عدد السكان سنة  2050 يصل 9 مليار نسمة، أي بزيادة 1.5 مليار، هذا يعني المزيد من المدن والمصانع والمتاجر والمساحات الزراعية.

العامل الثاني هو تطور القطاع الاقتصادي والصناعي والقطاع الخدماتي واستصلاح الأراضي الزراعية، حيث أصبح الانسان يستهلك المزيد من الماء لإنتاج المواد الصناعية، وبحاجة إلى الموارد المائية لسقي الأراضي الزراعية.

السبب الثالث هو تلوث مصادر المياه الباطنية والجوفية، وهذا يعود بسبب المواد الملوثة التي تلقى في الوديان، والبحار والغابات وفي ظلّ غياب شبكات معالجة وتطهير مياه الصرف الصحي، فإن كميّات المياه تتقلّص باستمرار.

إضافة إلى ذلك، وبسبب الثورة الصناعية، العالم يشهد ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة في الغلاف الجوي، والتي تسبب تبخر المياه الموجودة في السدود أو المسطحات المائية بشكلٍ مستمرّ.

  • ما هي المعايير الدولية للاستهلاك الراشد للمياه؟

لابد من توضيح أن الجزائر من بين الدول الفقيرة في الموارد المائية، فحسب منظمة الصحّة العالمية الجزائر من بين الدول التي ستعرف ما يسمى القلق المائي stress hydrique أي اختلال التوازن بين الموارد المائية والطلب المتزايد عليه، وأشار تقرير منظمة الصحة العالمية  في 2017 أن الدول الأفريقية والمغاربية تشهد المزيد من التراجع نظرًا للموقع الجغرافي، ويتوقع استهلك المياه الملوثة، وهذا ما يفسر انتشار الأمراض المتنقلة عبر المياه كالكوليرا وغيرها.

 أما عن معدل الاستهلاك الفردي المقرر من طرف المنظمات الصحية، هو 1000 متر مكعب سنويًا، أي أن مياه الشرب تقدّر بـ 2 لتر يوميًا للفرد، إضافة إلى 140/150 لترًا يوميًا لتلبية حاجياته اليومية كالنظافة والطبخ.

  • هل نقص الاستثمارات في مجال الثروة المائية وراء مشكلة الندرة في الجزائر؟

رغم أن كل التقارير والدراسات  التي كانت تحذّر الجزائر من أزمة ندرة المياه، إلا أن السلطات لم تتعامل مع التحذيرات بشكلٍ يدق نقوس الخطر بوجود خطر، فمنذ 2017 والدراسات تشير إلى المزيد من تراجع المياه نظرًا للتحولات المناخية ونقص تساقط الامطار، و عليه فإن قطاع المياه بحاجة إلى دراسة وتخطيط معمق، و لابد من اعتماد على الطرق التقليدية كحفر الآبار واستخدام المسطحات المياه، إضافة إلى استخدام الطرق غير التقليدية كتحلية المياه أو معالجة مياه صرف الصحي.

إضافة إلى نقص الاستثمارات، هناك الجانب التقني والتسيير في التوزيع، حيث تشير تقارير إلى أن حوالي 15 في المائة هو نسبة تسرب المياه وبالتالي لابد من ضبط مشاكل توزيع المياه.

  • في رأيك ما هي آليات مواجهة ندرة المياه؟

يمكن أن أحدد خمس خطوات أساسية للخروج من أزمة ندرة المياه، أوّلها لابد من إعادة النظر بشكل كامل في استراتيجية قطاع الموارد المائية واعتباره عنصر استراتيجيًا متربطًا بالأمن القومي، كما ورد في التسمية الأخيرة للوزارة الموارد المائية، وفي إطار إعادة النظر لابد من تحديد الأولويات بناء على معطيات واقعية وسيناريوهات غير متوقعة في ظلّ الاحتباس الحراري وارتفاع الطلب، ولابدّ من إشراك الأسرة الجامعية في إعداد وتمويل دراسات بشكلٍ مستمرٍّ لإيجاد مقترحات وحلول.

ثانيًا، لابدّ من الاستثمار في بناء سدود والمسطحات المائية التي لها القدرة على تخزين المياه بشكل أكبر، حيث تبلغ قدرة السدود الجزائرية اليوم تخزين 11 مليار متر مكعب، زيادة على سدود قيد الإنجاز بسعة ثلاثة مليارات متر مكعّب.

ثالثًا، استغلال المياه الجوفية، تقدر المياه الباطنية في الشمال بحوالي ثلاثة مليارات متر مكعب أما الجنوب فهناك حديث عن 500 مليار متر مكعب، لكن تشكلّ الاستثمارات في مجال المياه الجوفية أموالًا ضخمة وبالتالي لابد من حماية المياه الجوفية أولا من الثلوث البيئي الذي تسببه المواد الملوثة الصناعية ومياه الصرف الصحي وترشيد الاستثمارات.

رابعًا، نظرًا للأزمة الحالية ممكن الاعتماد على تحلية المياه، لكن كمناضل بيئي اتحفظ على الاعتماد الكلي على تحلية المياه، نظرًا لأضرار التي تمسّ الثروة السمكية نتيجة تقنية تحلية المياه، والاستخدام المفرط والمكلف للطاقة والكهرباء زيادة إلى تكلفة المرتفعة جدا للمتر المكعب.

الدكتور خالد فضيل: لابدّ من وضع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحّي لاستخدامها في السقي والري الزراعي والاستهلاك الصناعي

خامسًا، من بين الحلول إعادة تطهير ومعالجة مياه الصرف الصحّي، هناك خمس مليارات متر مكعّب من المياه لا يتم استغلالها، بل بالعكس تشكلّ خطرًا على المياه الجوفية وعلى البيئة والسكان، وبالتالي لابدّ من وضع محطات لمعالجة مياه الصرف الصحّي، يمكن استخدامها في السقي والري الزراعي والاستهلاك الصناعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شركة سيال: نحو فض الشراكة مع الطرف الفرنسي

أزمة المياه.. إنهاء مهام مدير شركة "سيال" الفرنسي كابيتال