بعد الحملة الإعلامية والإعلانية التي واكبت عملية إعطاء إشارة انطلاق تصوير فيلم ثوري تاريخي كبير، جدير بحياة البطل الشهيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة الشهير بكنية العقيد سي الحواس، في مشونش بولاية بسكرة، برعاية خاصة من وزير المجاهدين و وزيرة الثقافة و الفنون، عطفا على مناسبة إحياء ستينية الاستقلال العام 2022، ثم البدء في التصوير الفعلي في شهر نوفمبر 2023، لكن فجأة توقّف التصوير.
لم يلبث الفيلم وأن توقف فجأة، جراء عوائق إدارية ومالية، تنم عن غياب التخطيط والتحضير والتنسيق، ما خلف موجة استياء عارمة لدى الممثلين والتقنيين
لم يلبث الفيلم وأن توقف فجأة، جراء عوائق إدارية ومالية، تنم عن غياب التخطيط والتحضير والتنسيق، ما خلف موجة استياء عارمة لدى الممثلين والتقنيين، لينتهي الأمر بعد الانسداد التام، بمخاطبة المركز الوطني للصناعات السينماتوغرافية بمكتوب رسمي بواسطة محضر قضائي طالب فيه الممثلون، في سابقة نادرة، بتسديد مستحقاتهم المالية العالقة منذ ما يربو عن نصف عام.
ومنذ انطلاق التصوير الفعلي شهر نوفمبر 2023 متوقف منذ فترة إلى أشعار آخر، ما خلف حملة استياء لدى الممثلين الذين راسلوا وبصفة رسمية المركز الوطني
"الترا جزائر" التقى الممثل عبد الرؤوف دزيري بطل الرئيسي للعمل الفني فكان هذا الحوار:
سمعنا مؤخرا أنكم خاطبتم المركز الوطني للصناعات السينماتوغرافية بشكوى بواسطة محضر قضائي فما هي القصة؟
فعلا لم نشأ أن نبلغ هذا الأمر لكن وكما يقال فإن للصبر حدود وآخر الدواء الكي، في البداية لم نشأ تعكير الأوضاع رغم المشاكل الكبيرة التي اعترضتنا خلال التصوير، على أمل أن تتحسن الأمور فتحملنا تضحيات جسام بغرض إنجاز فيلم لائق بهذه الشخصية الفذة، لكن الأمور تفاقمت إلى ما لا نطيق تحمله اليوم، حيث أن التصوير توقف منذ شهر فيفري 2024، وحتى اللحظة لم نتلق أجورنا، كما لا نعرف شيئا عن تاريخ استئناف التصوير.
كل ما نتمناه، الآن،ألا يقع لفيلم سي الحواس ما وقع لفيلم بن مهيدي الذي تعطل مدة 8 سنوات كاملة، وعندما عرض لم يكد فنانون يتعرفون على أنفسهم نظرا لتقدم العمر وتغير الملامح.
مؤخرا راسلتنا المؤسسة المنتجة والتي هي مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة، وطالبنا تحصيل مرتباتنا تنفيذا لبنود العقود المبرمة بيننا.
هل التوقيف ناجم عن اختلاف رؤية فنية مثلما وقع لبن مهيدي، أم هناك أسباب موضوعية أخرى؟
في واقع الحال كان الفيلم مدرجا ضمن ثلاثة سلسلة من ثلاثة أفلام تخص ثلاثة قادة شهداء، وهم زيغود يوسف وسي الحواس وبوقرة، وكما تعلمون كتب السيناريو سليم سوهالي، وأخرجته ياسمين شويخ، وبالمحصلة النهائية للمشاريع الثلاث، فقد استكمل إنتاج زيغود يوسف، وتوقف سي الحواس في المنتصف، ولم يبدأ بعد إنتاج فيلم العقيد بوقرة.
بالنسبة لقضية الحال، يجب أن يعلم الجمهور بأننا عانينا من مشكلات جمة، منها ضعف اللوجستيك، حيث كنت أتنقل يوميا رفقة الزملاء من فندق الإيواء إلى موقع التصوير بوسائلنا الخاصة ودون تكفل تام من الجهات المكلفة بتدبير ذلك للممثلين.
كما أننا لم نكن نتوفر على أماكن لائقة حتى لتغيير اللباس، كان ثمة نقص فادح في تجهيز الديكور والإكسسوار اللازم للعمل، وهذا أزعج أيضا مخرجة الفيلم التي توقفت عدة مرات عن العمل بسبب هذه النقائص، إذ يستحيل العمل دون ديكور يؤثث للمرحلة التاريخية وللصورة السينمائية للفيلم.
رغم غياب الظروف المريحة التي توفر للممثل الاستقرار الذهني والراحة البدنية، العاملان اللذان يساعدانهعلى إخراج أفضل ما لديه من أحاسيس ومواقف، فقد ألقينا بكل هذه المشاكل وراء ظهورنا، بغرض التركيز على شغلنا الفني ولكي يخرج الفيلم في نسخة بديعة.
انطلقنا في عملية الكاستينغ شهر أكتوبر لنبدأ التصوير في 28 نوفمبر 2023 وبعد الانتهاء من قرابة 70% من المادة الفيلمية توقف العمل يوم 13 فيفري 2024، ومنذ ذلك التاريخ انقضت قرابة السبعة أشهر ولم يظهر لنهاية الفيلم أي خبر، كما لم يظهر أثر للأجور المتبقية.
في أول وهلة استفسرنا عن سبب التوقف فأُرجع لغياب الديكور الملائم، ثم أُخْبرنا أننا سنستأنف عملنا بعد رمضان الفائت، ولأن الوعد بقي بلا تنفيذ، وإزاء ذلك وجهنا الرسالة للجهات المعنية لفتًا للانتباه حول وضعيتنا المادية والفنية على حد سواء.
أما بخصوص دوافع التوقف فهي ليست متعلقة بأسباب فنية أو أيديولوجية أو تضارب في الحقائق التاريخية مثلما حصل مع فيلم بن مهيدي، فالسيناريو كان مضبوطا من الناحية الكتابية والفنية، بل إن شلل الفيلم عائد بالدرجة الأولى لعدم تلقي مؤسسة الإنتاج للشطر الأخير من الغلاف المالي الموجه لتمويل العمل.
هل تلقيتم ردا مباشرا على العريضة الاحتجاجية؟
نعم تلقينا ردا رسميا طلب فيه منا الصبر حتى استكمال الميزانية المتبقية.
في واقع الحال وحسبما علمته من خلال قربي من بلاطوهات التصوير، فإن كلفة الفيلم قدرت بـأكثر من 30 مليار، وطبعا فقد تم صرف 22 مليار سنتيم، في انتظار الشطر المتبقي المقدر بـأكثر من 10 ملايير سنتيم، والتي لم تصب بعد، من طرف وزارة المجاهدين في حساب خلية الإنتاج لمركز الصناعات السينماتوغرافية.
أما بخصوص عدم تلقي الأجور، فالأمر متعلق بما يفوق 50 شخصا بمن فيهم نحن الممثلين المتعاقدين. تلقى الكوميديون 50% من المبلغ المبرم، وبقي النصف المتبقي عالقا.
أيضا لم يتلق أعضاء الفرق التقنية الذين يتقاضون مثلما هو متعارف عليه، الأجرة بالأسبوع، مرتبات تتراوح بين أسبوعين، وخمسة إلى سبعة أسابيع، فيما تأخرت أجور العمال اليوميين الذين لم يتلقوا بدورهم مستحقات عدة أيام عمل.
علاوة على المشكلة المالية، كنتم أشرتم لمشكلة فنية فما هو قصدكم؟
كتحصيل حاصل أصبح الممثلون يواجهون مأزقا مستقبليا آخر، فبالإضافة إلى تأخر المستحقات، طرأت مشكلة فنية نتيجة عدم معرفتنا بتاريخ استئناف التصوير، ذلك أن عقودنا انتهت عمليا في 28 فيفري الفارط، وبالتالي كيف لي أن أتصرف في حال ما جاءتني عروض تمثيل في أفلام أخرى؟ هل أتخلى عن دوري في الفيلم غير المكتمل؟ ثم كم من وقت يلزمني لانتظر استئناف التمثيل في فيلم لا أحد يعلم متى سيستأنف ولا متى سينتهي.بصراحة هذه الوضعية هي الأكثر تشتيتا للذهن والتركيز، بدليل أن عدة ممثلين اضطروا للاحتفاظ بهيئاتهم الفيزيولوجية المتماشية مع أداء أدوار شخصيات العمل السينمائي،وأعنى بذلكالمظهر الخارجي مثل اللحى وقصات الشعر، فمثلا أنا لا أزال محتفظا بشاربيوأمتنع عن حلقه حتى لا أفسد الفيلم في حال ما تمت دعوتنا لإتمامه.
بالمختصر المفيد صرت أنا بطل الفيلم مربوط القدمين في فخ يمنعني من الانسحاب للوراء بالتخلي عن الدور لأن ذلك سينسف العمل من الأساس وبرمته، أو التقدم إلى الأمام من أجل مستقبل مشواري التمثيلي،بما أن هذا المطب صارعائقا ليلقبولأدوارا أخرى في عروض جديدة تصلني. وبين البينين لا إجابات حاسمة وفاصلة حول مصير "سي الحواس"، حيث أن فريق الإنتاج الأول تم تغييره والمدير الجديد للمركز السينماتوغرافي لا يمكنه التصرف في الأمر ما لم يتحصل على المبلغ الإضافي لاستكمال العمل.
لا نريد كممثلين الخوض في مسائل إدارية بين الجهة الممولة ممثلة في وزارة المجاهدين و الهيئة المنتجة ممثلة في المركز الوطني للصناعات السينماتوغرافية، بل نلح فقط على معالجة هذا الخلل و الاحتلال المؤرق، و أن يتم معالجة الموضوع في أقرب الآجال، لأن لدينا عائلات تحتاج للإطعام و لدينا مستقبل فني لا يجب أن يكبح بممارسات غير لائقة، ويبقى أملنا أن يسارع المعنيون بحل هذا الإشكال البيروقراطي حتى يكونوا في مستوى برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي كشف عن نية و إرادة في بعث النشاط السينمائي من مدافنه، و تطويره في نطاق احترافي، والتكفل بمتطلبات المنتسبين إليه.
السينما هي الواجهة الثقافية للبلاد التي لا ينبغي تكسيرها بعراقيل يمكن تجاوزها بسهولة.إن كل ما نريده في نهاية المطاف هو دفع مستحقاتنا، وتقديم إجابات واضحة حول مصير الفيلم خاصة وأنه أنجز بنسب كبيرة، كي يتسنى لنا التخطيط الموزون لمشوارنا الفني والتعامل مع عروض أخرى دفعتنا قضية الحال لرفض المشاركة فيها، ما ألحق بناء خسائر فادحة ماديا ومعنويا، وأضر بمشوارنا الفني، الذي نسعى لتدعيم سيرته المهنية بالمشاركة في أكبر قدر من الأعمال الفنية سواء السينمائية أو التلفزيونية، في محيط يتميز أصلا بقلة الأعمال وشح الإنتاج، منذ عقود طويلة. وصراحة لقد ضيعت هذا العام فرصة التمثيل في فيلم أجنبي بعدما تلقيت عرضا من مؤسسة إنتاج من خارج الوطن، وتحديدا من فرنسا، كما ضيعت دورا في مسرحية جزائرية بمناسبة عيد الاستقلال، قدمت في 5 جويلية الفارط.