تزامنًا مع تنازُل الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحالي، محمد جميعي، ونائبَين آخرين عن الحزب نفسه عن حصانتهم البرلمانية يوم الإثنين، طلبت وزارة العدل الجزائرية مِن "المجلس الشعبي الوطني" رفع الحصانة عن النائب المثير للجدل بهاء الدين طليبة، تمهيدًا لمحاكمته في قضايا فساد.
عُرف طليبة باستماتته في تمجيد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومهاجمة معارضيه
خلال السنوات السبع الماضية، تحوّل طليبة، الذي ينحدر من مدينة وادي سوف جنوب شرق الجزائر، من رجل أعمالٍ ونائبٍ برلماني عن حزبٍ مغمور إلى واحدٍ من أكثر نوّاب البرلمان الجزائري نفوذًا وثراءً وإثارةً للجدل؛ فبعد فترةٍ قضاها منتخَبًا في"المجلس الشعبي الولائي" بولاية ورقلة، جنوب البلاد، بين 2007 و2012، انتقل إلى عنّابة، في الشرق الجزائري، وترشّح للانتخابات البرلمانية على رأس قائمة حزبٍ صغير هو "الجبهة الوطنية الديمقراطية".
اقرأ/ي أيضًا: إسلامي على رأس البرلمان.. "صفقة سياسية" مع السلطة؟
سيفوز الحزب بمقعدٍ يتيم في انتخابات 2012، ليلتحق طليبة بالمجلس الشعبي الوطني، لكنّه سرعان ما سيغادر حزبه لينضمّ إلى "جبهة التحرير الوطني"؛ أقدم وأكبر الأحزاب السياسية في البلاد، ثمّ يُعيَّن نائبًا لرئيس كتلة الحزب في البرلمان، الطاهرة خاوة، وهو منصبٌ لم يكن موجودًا من قبل، بل استُحدث له خصّيصًا، على ما يقول متابعون.
بوصول عمّار سعيداني، الذي ينحدر هو الآخر من وادي سوف، إلى الأمانة العامّة للحزب في 2013، ازداد نفوذ طليبة الذي سيُنتخب نائبًا لرئيس المجلس الشعبي الوطني، حينها، العربي ولد خليفة.
عُرفت عن طليبة استماتته في تمجيد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومهاجمة معارضيه. وفي العام الماضي، أي قبل سنةٍ من انقضاء الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة، أَعلن عن إنشاء ما أسماها "التنسيقية الوطنية لدعم العهدة الخامسة"، وهو ما أثار خلافاتٍ داخل الحزب؛ حيثُ واجه أمينُه العام حينها، جمال ولد عبّاس، التنسيقيةَ بالرفض، مُعتبرًا أنَّ الرئيس وحده من يفصل في ترشُّحه، ومحذّرًا مِن"استغلال الحزب لأغراض شخصية".
ومع استقالة بوتفليقة في نيسان/أبريل الماضي على وقع الحراك الشعبي الرافض لترشُّحه لولاية خامسة، وما لحقها من زجٍّ لعددٍ من أبرز السياسيّين ورجال الأعمال المقرّبين منه في السجن بتهم فساد، ظلّ اسم بهاء الدين طليبة يتردّد بوصفه واحدًا من أبرز من تحوم حولهم شبهات فساد، مع علامات استفهامٍ حول عدم اقتراب العدالة منه، وسط رواج شائعاتٍ بكونه مقرّبًا من رئيس الجيش الجزائري أحمد قايد صالح.
وبحسب وسائل إعلام محليّة، فإنّ طليبة سيُتابع بتهمٍ تتعلّق بالتمويل الخفيّ للحملة الانتخابية للرئيس السابق، وتمويل حملات "جبهة التحرير الوطني" في الانتخابات التشريعية والمحلية، إضافةً إلى قضايا فسادٍ سياسي ومالي.
وفي حديثٍ لـ "ألترا جزائر"، يعتبر الصحافي الجزائري المتابع للشأن السياسي، محمد رابح، بأنَّ "النائب عن ولاية عنابة يُعدّ من الشخصيات التي تثير جدلًا في السنوات الأخيرة بسبب صعوده السريع في حزب "جبهة التحرير الوطني" وتوسُّع نشاطه التجاري بشكل كبير، وقد كان أوّل الداعين لترشُّح الرئيس السابق لعهدة خامسة".
يُضيف رابح: "مباشرةُ إجراءات رفع الحصانة كانت متوقّعةً في ظلّ شبهات الفساد التي تلاحقه. غير أن الذي يجب ذكره في هذا الصدد هو أنّ إجراء رفع الحصانة عنه يرافقه إسقاط إشاعات عن أنّه يتمتّع بحمايةٍ من جهات سيادية، وقد يكون هو نفسُه من يقف وراء الترويج لها".
ومع بدء إجراءات إسقاط الحصانة البرلمانية عنه، سيكون طليبة رابع برلماني من حزب "جبهة التحرير الوطني" يُتّخذ ضدّه هذا الإجراء تمهيدًا للمحاكمة، لينضمّ بذلك إلى شخصيات بارزة في الحزب جرى سجنُها في الأسابيع الماضية؛ من بينهم أمينه العام السابق جمال ولد عبّاس.
بهاء الدين طليبة هو رابع برلماني من حزب جبهة التحرير تُرفع عنه الحصانة
وبهذا يُؤكد أنَّ أعضاء وبرلمانيي الحزب التاريخي الذي كان يوصف بـ"حزب السلطة"، لم يعودوا يتمتّعون بالنفوذ الذي يمكّنهم من التغلغل إلى دواليب السلطة، وتقلّد أهمّ المناصب الحكومية منذ الاستقلال، وأن الحزب لم يعُد يعني لدى الشارع الجزائري سوى وكرٍ للفساد، وتلك واحدة من الأسباب التي يتحجّج بها دعاة إحالته إلى المتحف.
اقرأ/ي أيضًا: