26-فبراير-2019

أطفال مصابون بالسرطان (Getty)

لا تزال صورة الرضيعة لجين ملتصقة بأذهان الكثير من الطاقم الطبي، ولا تزال روحها التي سكنت جسدها تسعة أشهر فقط تتجول في كل زاوية من هذا الفضاء الاستشفائي، كان بكاؤها يشبه أغنية فيروزية، لها وجه قمري كالليالي البيض.

يحمل العلاج الكيماوي أسماء الألوان، فالأصفر يمتد 24 ساعة، والأحمر 6 ساعات، والأبيض ساعة واحدة

لوفاة لجين طعم العلقم في حنجرة كل من عرف قصة وطبيعة مرضها، وكل من سهر وتابع علاجها، فالطفلة التي لم تبلغ عشرة أشهر من عمرها، توفيت إثر إصابتها بسرطان الدم بعد رحلة علاج دامت أشهرًا.

اقرأ/ي أيضًا: "البدانة المميتة".. السمنة وراء 12 نوعًا مختلفًا من السرطان

15 شباط/فبراير، اليوم العالمي لمرضى السرطان. كان الطقس مشمسًا، في ساحة المستشفى، كانت سارة صاحبة 8 سنوات تلعب على الأرجوحة، غير مبالية بحالتها الصحية، حافية القدمين تتحسس دفئ ورطوبة التربة، والدتها تدفع الأرجوحة ببطء وتثاقل. سارة سعيدة مبتهجة بلقاء والديها بعد فترة من العلاج المكثف دامت شهرين، كانت تحت العناية المركزة. الوالد جالس صامتًا على مقعد خشبي يلقي النظر إليها بعطف أبوي يبدو عليه الحزن والكآبة، يرسل ابتسامة بين الحين والآخر وهي تناديه: بابا بابا. كان الوالد يحمل دمية لدب صغير تتدلى على يده يمنى. صبيحة هذا اليوم تم تشخيص طبيعة مرض سارة أنها تعاني من مرض السرطان.

المعالجة الكيمياوية بأسماء الألوان حياتية

في اليوم العالمي ذاك، كان بعض الاطفال لا يزالون حبيسي الغرف داخل الأجنحة، والمعالجة الكيمياوية تنهك الأجسام الصغيرة والنحيفة.

داخل الحجرة رقم 8، تجلس ملاك على سريرها، أقلام ملونة وكراريس التلوين مبعثرة، عمرها 6 سنوات، من مدينة داخلية، سمراء البشرة لكنها مصفّرة، ترتدي قبعة رمادية اللون تخفي شعرها المتساقط، شاحبة الوجه، هزيلة الجسد، تحرص والدتها على جعل الغرفة تحمل لمسة وديكور أطفال صغار، جدران وردية و مفروشات بالأزرق البحري، على الجدار وضعت رسوماتها التي تعج بمختلف ألوان الحياة. ترسم أشجارًا، طيورًا وسماء زرقاء وبحارًا. في الزاوية منضدة عليها كثير من الأدوية، تصرح الوالدة إن: "ملاك تعاني من آلام حادة، هي مريضة بسرطان الكلى. المعالجة الكيماوية معاناة حقيقية بالنسبة لها، تعاني من الكدمات ونقص المناعة والإرهاق الدائم، والأخطر هو فقدان الشهية".

يطلق الأطفال على العلاج الكيماوي أسماء الألوان، فالذي يمتد 24 ساعة يسمى بالأصفر، والأحمر 6 ساعات، والأبيض ساعة واحدة.

أمام غرفة ملاك يوجد مندر، وهو ينحدر من إحدى المدن الجنوبية، مندر لا يزال رضيعًا، 12 شهرًا، يتابع العلاج منذ ستة أشهر تقريبًا، حالته تعرف نوعًا من الاستقرار، تقول الوالدة: "أمضينا الشهرين الأولين في الجري في أغلب مستشفيات الضاحية إلى أن استقر الحال في هذا المستشفى العاصمي، أتمنى ألا يكون هذا المرض الخبيث قد انتشر في جسم الصبي الرضيع ".

أطفال بشجاعة الكبار

جناج الواحة على الجانب الآخر، وهو مخصص للأطفال الذكور. غرف رباعية، مزينة جدرانها برسومات لأبطال الرسومات المتحركة، وأخرى عليها ستائر باللونين الوردي والرماني، رواق ضيق بارد، دون طعم ما عدا رائحة الأدوية المقززة، غرف على اليمين واليسار، حركة كثيفة ظهيرة هذا اليوم أنه توقيت زيارة المرضى.

نشطاء مع طفل مصاب بالسرطان

مروان، 13 عامًا، يقطن العاصمة، باهت الوجه لكنه يبدو سليم الجسم، الابتسامة سرمدية، يبدي نشاطًا وإرادة قوية، الوالدة فرحانة: "سيغادر المستشفى اليوم، أمضى فترة زمنية من العلاج دامت سنة كاملة من المعالجة الكيماوية والمتابعة". استرق مروان السمع فقال: "أنا سعيد سألتحق بزملائي في المدرسة". تستدرك والدته: "في العام المقبل ان شاء الله يا ولدي".

إلى جانب مروان، يجلس عبد المالك من مدينة المدية، يبلغ من العمر 12 سنة، جالس على طرف السرير، يلعب على لوحته الإلكترونية غير مبال بحالته الصحية التي تفرض عليه الكثير من الراحة وتجنب التبعات التي تفرضها مثل تلك الألعاب الإلكترونية، يعاني عبد المالك من سرطان الدم، أمضى 6 أشهر في المشفى حالته تعرف استقرارًا، الأمر يتوقف على قدرته في مواصلة العلاج وعدم انتشار الخلايا الشاذة، حالته كانت جد سيئة ومتقدمة تقول الممرضة.

في الجزائر عشرون ألف حالة وفاة سنويًا بسبب السرطان، كما يجري تشخيص خمسين ألف حالة أغلبها نساء

في الجهة المقابلة، كان الطفل ياسر نائمًا والأم بجانبه. أنهى صبيحة هذا اليوم العلاج الكيماوي الأصفر، إنه جد منهمك.

العمل التطوعي في خدمة أطفال المرضى

التقينا بصهيب، شاب عشريني ضمن مجموعة من الشباب المتطوع، يعمل على خدمة هؤلاء الأطفال المرضى في صورة تضامنية جميلة، ثمة هناك جملة من المشاكل يعاني منها هؤلاء الأطفال وعائلاتهم يقول صهيب: "انقطاع في بعض الأدوية الحساسة، ارتفاع أسعار الأشعة وبعض التحاليل الطبية"، ويضيف: "نعمل على جلب متطوعين لتقديم الصفائح الدموية، نعمل على تلبية حاجيات هؤلاء الأطفال عبر استثارة المواطنين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتنسيق مع بعض الجمعيات الخيرية أو مع أفراد جالياتنا بالخارج لتقدم لنا الأدوية وكل المستلزمات الضرورية، طبعًا بموافقة الطاقم الطبي". صهيب عامل يومياتي يمضي باقي الأيام تقريبًا في المشفى، يحفظ أسماء الأطفال المرضى كلها تقريبًا، يقول لي صهيب: "أمسيت بعد مدة ست أشهر من العمل التضامني خبيرًا في مرض السرطان، أنه ملك الرعب حقًا".

اقرأ/ي أيضًا: في المغرب.. انتصروا على السرطان وينشرون الأمل

حسب منظمة الصحة العالمية، يموت قرابة تسعة ملايين إنسان حول العالم بالسرطان، ويصاب واحد وعشرون مليون نسمة. في الجزائر عشرون ألف حالة وفاة سنويًا، ويتم تشخيص خمسين ألف حالة أغلبها نساء. السرطان إمبراطور جميع الأمراض. يشبه رحلة قطار، الروح بداخل إحدى عربات القطار تنظر من النافدة إلى الجسد الواقف على الرصيف كأنه شبح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دراسة حديثة: المضادات الحيوية قد تعيق علاج السرطان!

تضامن واسع مع الأطفال مرضى السرطان في تونس