27-أكتوبر-2021

(الصورة: النهار أونلاين)

 

قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات المحلية المقررة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أطلقت الحكومة ورشات مراجعة قانون البلدية، بهدف تحسين أداء السلطات المحلية خاصة في جانبه الاقتصادي، والذي سيكون مرهونا بالصلاحيات التي ستعطى لرئيس البلدية الذي كثيرًا ما اشتكى من تقييد تحركاته، وحجب كل المهام التي من المفروض أن يقوم  بها عنه وإعطائها للمسؤولين الإداريين المتمثلين في الوالي ورئيس الدائرة.

سياسي جزائري:  يجب إعادة النظر في الدوائر وتقليص صلاحيات رؤسائها باعتبارها المعرقل الحقيقي لمهام رئيس البلدية 

إن كانت الحكومة قد تحجّجت في تعديل قانون البلدية في سنة 2012، بسوء التسيير الذي لاحق ولا يزال الكثير من "الأميار" بسبب مستواهم التعليمي الضعيف ونقص الكفاءة، فإن التغييرات التي شهدها قانون الانتخابات واشتراط المستوى الجامعي في الترشّح يسقط هذه الحجّة، لكن ما هي التغييرات التي يمكن أن تمسّ قانون البلدية لجعل رئيسها مسيرًا ناجحًا يساهم في التنمية المحلية دون استغلال ذلك لنهب المالي العمومي؟.

اقرأ/ي أيضًا: قرابة 400 منتخب محلي موقوف خلال العهدة الحالية

قانون بلدية استعجالي

في الخامس تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، قام الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن بتنصيب ورشات مراجعة قانون البلدية وقانون الولاية، والتي ينتظر أن تصبّ في خانة تحسين التسيير المحلي.

وحسب وكالة الأنباء الجزائرية، فإن هذه الورش مطالبة بإنهاء عملها وتقديمه للحكومة قبل نهاية العام الجاري، أي على الأكثر بعد شهر من معرفة الأسماء الجديدة التي ستفرزها صناديق الاقتراع في الاستحقاق المحلي المرتقب.

وأوضح الوزير الأول أن هذه الإصلاحات يجب أن تولي أهمية للدور الاقتصادي للبلديات، لكي "تسمح ببروز اقتصاد محلي حقيقي، يشكّل إحدى دعائم التنمية والنمو الاقتصادي لبلادنا"، كشيرًا إلى أن هذه الورشات "ستسمح بتعزيز اللامركزية التي سطرتها السلطات العمومية".

ويشكّل الاستعجال بقانون البلدية لإعطاء صلاحيات أكبر للمنتخبين المحلين من الانشغالات التي رفعتها مختلف الأحزاب السياسية.

 

وبالنسبة لمدير الهيئة الانتخابية لحركة البناء الوطني، عبد الوهاب قلعي، فإنه من"الضروري بعث الدور التنموي لرئيس البلدية وإنهاء مركزية القرار وبيروقراطية الإدارة التي تعتبر أهم العراقيل التي تواجه التنمية المحلية".

ويدعو قلعي إلى "وجوب إعادة النظر في الدوائر وتقليص صلاحيات رؤسائها، باعتبارها المعرقل الحقيقي لمهام رئيس البلدية ومختلف المشاريع المحلية".

أما الصحفي فيصل قنفود، المترشح للانتخابات البلدية المقبلة، فيدعو في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن تعمل التعديلات المنتظرة على "إخراج البلدية من إطارها المرفقي (خدمات الحالة المدنية) إلى فاعل حقيقي في مجال التنمية وفي مختلف المجالات".

صلاحيات موسّعة

يربط عبد الوهاب قلعي تحقيق التنمية والإقلاع الاقتصادي الذي تهدف إليه الحكومة من خلال مراجعة قانون 2012 بـ "منح صلاحيات أوسع للمجالس المنتخبة، بما يمكّنها من المبادرة والاستجابة لمتطلبات المواطنين".

من جهته، لفت فيصل قنفود إلى أن "رئيس البلدية اليوم مكبل ولا يملك روح المبادرة في الكثير من المجالات، وذلك نتاج المنظومة القانونية المكرسة لمركزية اتخاذ القرارات، فقانون البلدية الحالي يحرم "المير" من التصرف في أدنى الأمور المحلية، فلا يستطيع منح أي ترخيص من شأنه حل مشاكل السكان دون استشارة والي الولاية، إضافة إلى البيروقراطية الممثلة في رئيس الدائرة والمراقب المالي الذي يخنق سير التنمية المحلية، خاصّة ما تعلق بتسديد مستحقات المقاولين والمؤسسات ومموني المطاعم المدرسية وغيرهم ممن يساعدون في تقديم خدمات للبلدية".

ويدعو قنفود إلى "إعادة النظر في صلاحيات الجماعات المحلية وإعادة تكييف قانون البلدية مع الدستور الجديد، وتجسيد الديمقراطية التشاركية بتمكين  المواطنين والجمعيات من المشاركة في التسيير المحلي".

وبدوره، يشدد صافي لعرابي المنتمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي على ضرورة "رفع القيود" عن رئيس البلدية ومنحه الحرية الكاملة في تسيير شؤون البلدية وتمكينه من إنشاء مؤسسات والدخول في شراكات واستغلال القدرات المادية والبشرية، بحيث تصبح البلدية مؤسسة خلاقة للثروة.

ولفت لعرابي إلى أن مهام رئيس البلدية محصورة اليوم في رفع القمامة، وإمضاء الوثائق، والإنارة العمومية وغيرها من الأمور التي "تجاوزتها حتى الدول المتخلفة"، حسب ما قال لوكالة الأنباء الجزائرية.

مسألة ثقة

لا يتعلق تقييد عمل رئيس البلدية فقط بالجانب القانوني عند صانع القرار السياسي في الجزائر، إنما أيضا بنظرة السلطة للمسؤول المنتخب والتي تراه أنه "قاصر" لا يمكنه القيام بجميع المهام المنوط بها، وهي نظرة موروثة من عهد الأحادية التي لا ترى الأحزاب السياسية شريكا حقيقيا يمكنها المساهمة في تنمية البلاد حتى ولو كانت من المعارضة.

ورغم مرور 30 سنة على التعددية الحزبية، لا تزال السلطة تتخوف من تكرار تجربة الجبهة الإسلامية المحلة في حال إعطاء صلاحيات واسعة للمنتخبين المحليين الذين قد يكونون منتمين إلى جهات معارضة، لذلك حرصت خلال هذه الفترة على أن لا يخرج نشاط رئيس البلدية عن الإطار، المرسوم له حتى وإن كان دوره قد تغير في باقي دول العالم.

وتربط السلطة مخاوفها بشأن عدم منح صلاحيات واسعة لرؤساء البلديات، بالفساد الكبير الذي شهدته العديد من المجالس المنتخبة، وجر مسؤولين محليين إلى أروقة القضاء، غير أن البعض يرى أن تقييد عمل المير وباقي أعضاء المجلس البلدي هو من الأسباب الرئيسة التي قد تجعله يقع ضحية تجاوزات دون أن يدري بسبب القوانين الجزائرية المطاطة القابلة للتأويل.

وأمام هذا الواقع، يقول رئيس بلدية برج الكيفان بالعاصمة الجزائر قدور حداد إن صلاحياته تكاد تكون "منعدمة" بالنظر إلى "السلطة الممارسة عليه من قبل عدة جهات بحيث يمكن لأي منها إلغاء قراره أو سحب رخصة كان قد منحها، كما أنه غير معني بلجنة الترحيل ولا يملك قرارًا فاصلً فيما يخص السكن ولا يمكنه منح استثمار أو جلب مستثمر إلى البلدية".

يبقى إحداث التغيير اللازم على المستوى المحلي في العهدة المقبلة مرهونًا بمدى جدية الحكومة في إحداث الديناميكية اللازمة بالبلدية

وفي انتظار أن تتحقق مطالب قدور حداد وغيره من رؤساء البلديات، بمنحهم الصلاحيات الكاملة، يبقى إحداث التغيير اللازم على المستوى المحلي في العهدة المقبلة التي ستسفر عنها استحقاقات 27 تشرين/الثاني نوفمبر القادم، مرهونًا بمدى جدية الحكومة في إحداث الديناميكية اللازمة بالبلدية للمساهمة في التنمية الاقتصادية، وقبل هذا باختيار المواطنين للمسؤول المحلي المناسب بعيدًا عن منطق العصبية والحزبية والعروشية التي لا تزال للأسف العامل الأساس في تحديد الفائزين يوم الانتخاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يتمتّع بصلاحيات واسعة.. هل يجب إلغاء منصب الوالي؟

بلديات بقانون خاص.. هل يفتح الدستور الجديد الباب أمام نظام فيدرالي؟