29-يونيو-2021

(الصورة: مصعب رويبي/الأناضول)

طال سيف الإقالة في الأشهر الأخيرة العديد من المسؤولين، بسبب التقصير في أداء المهام، وهو قرار كان من النادر أن يحدث سابقًا، فأصحاب المناصب كانوا "يعمّرون" في مسؤولياتهم لعدة سنوات، حتى نال أغلبهم لقب العميد، فهل سيؤسس هذا العقاب الإداري لسياسة جديدة ضد المتقاعسين من المسؤولين ويصب في تصحيح الأخطاء أم أن المشكلة في الجزائر أكبر من تغيير الأشخاص وتحتاج إلى إصلاح عميق وواسع؟.

التعيينات تتم عادة وفق منطق الولاء واعتبارات أخرى ضيقة سواءً جهوية أو حزبية بعيدًا عن مبدأ الكفاءة

ومنذ حراك 22 شباط/فبراير 2019، تحاول السلطة تسويق صورة عنوانها أن الجزائر الجديدة التي يرافع لها الرئيس عبد المجيد تبون تختلف تمامًا عمّا كان في زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأولها عدم التساهل مع المسؤولين المتقاعسين في خدمة المواطن، حيث يكون أول حساب لهم الإقالة قبل المتابعة القضائية في حال ما تأكد ضلوعهم في قضايا فساد. 

اقرأ/ي أيضًا: بن قرينة: إرساء الجزائر الجديدة يبدأ بإعادة الاعتبار للعربية

إنهاء مهام

أعلنت وزارة الداخلية قبل أسبوع إنهاء مهام والي ولاية بشار محمد بلكاتب، بسبب "التقصير والإخلال المسجلين في أداء مهامه".

وجاء في بيان لوزارة الداخلية أنه و"بعد موافقة السيد رئيس الجمهورية، أنهيت اليوم 7 ذو القعدة عام 1442 ه الموافق لـ17 جوان 2021 م، مهام محمد بلكاتب بصفته واليًا لولاية بشار، وذلك اعتبارا للتقصير والإخلال المسجلين في أداء مهامه".

ولم يحدّد بيان الداخلية نوع التقصير والإخلال اللذين ارتكبهما الوالي المقال، إلا أن بعض المصادر الإعلامية ربطت إقالته بأعمال تزوير في مكاتب للانتخابات ببشار، والتي انتقدتها عدة أحزاب منها حركة البناء الوطني التي اتهم رئيسها عبد القادر بن قرينة مسؤولي الولاية بالتورط في عملية التزوير التي شهدتها الولاية.

وشهدت عدة قطاعات لم يكن مسؤولوها في مستوى تطلعات الرئيس تبون إقالات وإنهاء مهام، تأتي في مقدمتها قطاع الموارد المائية بسبب فشل عدّة مسؤولين في تسيير أزمة المياه التي تعيشها البلاد، بدءًا بوزير الموارد الماسية السابق ارزقي براقي، الذي تم تعيين مصطفى ميهوبي خلفا له، والذي قام بداية الشهر الجاري بإقالة مديري التوزيع والإنتاج بشركة المياه والتطهير بالعاصمة "سيال" بسبب التذبذب في توزيع المياه بعدة أحياء.

وكان قطاع البريد والاتصالات هو الآخر معني بهذه الإقالات، بعد تخلي الرئيس تبون عن خدمات الوزير السابق إبراهيم بومزار والذي لم يستخلف حتى الآن، وذلك بسبب فشله في حل مشكل السيولة بالمؤسسات التربوية.

وبداية العام الجاري، لم يتردد الرئيس تبون في إقالة وزير النقل لزهر هاني، والرئيس المدير العام لشركة الخطوط الجوية الجزائرية ومسؤول خدمات الإطعام بهذه الشركة بعد إقدام الشركة على إطلاق صفقة اقتناء ملاعق من الخارج، دون مراعاة  التوجيهات المالية الرامية لتكريس تسيير عقلاني للعملة الصعبة، وضرورة إبلاء الأولوية للإنتاج الوطني.

ومست هذه الإقالات قطاعات أخرى، كالصحة والتربية والتعليم العالي، والأمن تحت مبرر التقاعس في أداء الوظيفة، وعدم التكفل بانشغالات المواطن.

أي أثر؟

إذا كان التخلّص من المسؤولين والموظفين الفاشلين والمتقاعسين واجب لابد تنفيذه، فإن تبديل الأشخاص لا يجب أن يكون تغييرًا من أجل التغير، إنما لابدّ أن يخضع لمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو ما لم يلمسه الكثيرون حتى الآن في القطاعات التي شهدت تغييرات.

في قطاع الموارد المائية، رغم الإقالات التي حدثت في 2020 ومست العديد من المسؤلين بشركة سيال والجزائرية للمياه، إلا أن أوامر الرئيس تبون في ضمان وصول المياه للمواطنين وعدم قطعها خاصة في المناسبات الدينية لم تجد طريقها للتنفيذ، فعلى سبيل المثال، لم تقدم إقالة وزير الموارد المائية ومسؤولي سيال شيئًا في عملية توزيد المياه بالعاصمة، بل إن ساعات تزويد بعض بلديات العاصمة كالشرقية منها قد قلت ولم يتم رفعها كما تأمّل المواطنون بعد قرارات إنهاء المهام.

ونظم بحر هذا الأسبوع مواطنون ببلدية برج الكيفان شرق العاصمة احتجاجات، بغلق طريق الترامواي بسبب انقطاع في التزويد بالمياه استمر ليومين، إضافة إلى التذبذبات المتكررة في عملية التوزيع.

والأمر ذاته لا يختلف بالنسبة لقطاع البريد والمواصلات، فالتخلّي عن خدمات الوزير بومزار لم تؤت حتى الآن ثمارها بالنسبة للمواطنين، إذ أن مشكل السيولة والخدمات المتدنية في التزيد بالانترنيت لا تزال واقعًا يعيشه الجزائريون بشكلٍ شبه يومي.

مسألة ذهنيات

من الطبيعي ألا يحدث تغيير الأشخاص في المناصب بالجزائر أي أثر في غالب الأحيان، كون أن التعيينات تتم عادة وفق منطق الولاء واعتبارات أخرى ضيقة سواءً جهوية أو حزبية بعيدًا عن مبدأ الكفاءة، وهو ما يجعل المسؤول حريصًا على إرضاء الجهة التي عينته أكثر من حرصه على أداء مهامه التي تتطلبه الوظيفة التي عين بها.

وبالنظر إلى نظام التوظيف والتحفيز والجزاء والعقاب المطبق في منظومة العمل العمومي، الذي لا يشجع كثيرًا المبادرات الفردية، يبقى تحسين المردودية وإحداث التغيير المطلوب في مختلف الإدارات والمؤسّسات رغم تغيير الأشخاص والمسؤولين مفقودًا إلا في حالات نادرة، وهو ما أثبته محاكمات الفساد التي شهدتها عدة محاكم بالجزائر، حيث لم يكن التداول على المناصب سوى تداولًا على نهب المال العمومي فقط.

هامش إحداث التغيير المطلوب يبقى ممكنًا بالنظر إلى أن الصرامة التي انتهجت في الأشهر الأخيرة مكنت من  تنفيذ عدّة برامج

ورغم هذه الصورة القاتمة التي لا تزال تطبع عمل المسؤولين الجزائريين، إلا أن هامش إحداث التغيير المطلوب يبقى ممكنًا بالنظر إلى أن الصرامة التي انتهجت في الأشهر الأخيرة مكنت من  تنفيذ برامج تتعلق بالربط بالغاز والمياه بمناطق الظلّ، كما أن تحقيق التغيير المنشود قد يصبح واقعًا في حال ما عمل البرلمان الجديد والحكومة الجديدة المنتظرة على خدمة المواطن حقًا، والالتزام بتحقيق ما رفعه الجزائريون  من مطالب في حراك 22 شباط/فيفري 2019.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

البديل الديمقراطي: "الجزائر الجديدة" انحراف خطير

الطيب زيتوني: "الأرندي" يدعم "الجزائر الجديدة"