مجتمع

عاملات النظافة في الجزائر.. سلالم الأوجاع

7 مارس 2017
DSC_0053.JPG
تعاني عاملات النظافة خلال عملهن لكنهن يفضلنه على الحاجة (توفيق زيتوني/الترا صوت)
عبد الرزاق بوكبة
عبد الرزاق بوكبةشاعر وروائي وإعلامي من الجزائر

لم يعد مطروحًا للنقاش في الفضاء الجزائري، إلا في حدود ضيّقة جدًّا، عمل المرأة، بغضّ النظر عن سنّها، سواء بشكل حر أو في المؤسسات العمومية أو الخاصّة، بالنظر إلى جملة من التحوّلات التي عرفها الاقتصاد الجزائري. وتبعًا لهذا تغيّرت نظرة الجزائري إلى بعض المهن، فانتقلت من مقام الازدراء إلى مقام العادي.

معظم عاملات النظافة لا يحظين بالتأمين في شغلهن، ويتقاضين رواتبَ متذبذبةً من السّكان وأصحاب الفضاءات التي ينظفنها

من ذلك، اشتغال المرأة في تنظيف العمارات والمحالّ التجارية والمؤسسات التربوية والإدارات الحكومية، "المهم أن هناك لقمةً مضمونةً في نهاية الشهر، فالعيب ليس في الشغل، بل في البقاء تحت رحمة الحاجة"، يقول عماد الدين، الذي اعترف لنا أنه كان لا يتقبّل ذلك في السّنوات السّابقة.

اقرأ/ي أيضًا:  نساء التهريب المعيشي في المغرب.. "الإذلال" كمهنة

معظم هؤلاء النساء لا يحظين بالتأمين في شغلهن، ويتقاضين رواتبَ متذبذبةً من السّكان وأصحاب الفضاءات التي ينظفنها، رغم حاجتهن إلى ذلك. فيهن، كما سنرى، العجوز المسنّة والمرأة المتوسطة والفتاة الشابة. تقول الخالة مسعودة، 49 عامًا، "لا أتصوّر أن امرأة تملك موردًا يضمن لها قوت يومها، تقبل أن تكون منظفة عند الآخرين، فالأمر متعب وجالب لمشاكلَ كثيرة، منها التحرّشات الجنسية والكلام المشوّه والأمراض المترتبة عن طبيعة الشغل والإهمال الذي قد يمسّ بيتها، في ظلّ غياب من يخلفها فيه".

تقول لـ"الترا صوت" في لحظة اعتراف حزينة: "كنا نقيم في منطقة مفتاح، شرق الجزائر العاصمة، وكان خضوعنا لوضع تسوده الحاجة وقلة الشغل، دافعًا لنا إلى الانتقال إلى أطراف مدينة بودواو، لنخدم أحد مالكي الحقول، فأعطانا بيتًا صغيرًا معزولًا، وبقرةً نحلبها وراتبًا نستعين به على شهرنا، ثم فجأةً مات زوجي بسكتة قلبية، فوجدت نفسي مع صغاري الثلاثة أمام المجهول".

"كانت عودتي إلى مسقط رأسي، تعني تشنجات جديدة مع إخوتي، فهم جشعون ورفضوا أن يمنحوني حصتي من الإرث الذي تركه والدي، ذلك أن السّائد في أسرتنا استبعاد الأنثى من ذلك، وكان بقائي في بيت معزول داخل الحقول مفتوحًا على مخاوفَ كثيرة، منها أن أتعرض وصغاري لهجمات الشباب المتهورين الذين كانوا لا يجدون حرجًا في أن يأتوا مساءً ليحشّشوا ويشربوا الكحول عند أطراف الحقل، غير أنه كان مفروضًا علي أن أبقى، لأنني لا أستطيع تأجير بيت داخل المدينة".

في هذه الحالة، تقول الخالة مسعودة، قرّرتُ أن أتخلّى عن حيائي وأخرج للبحث عن عمل، فلم أجد أمامي إلا تنظيف العمارات. تضيف: "أتيحت لي في البداية أربعُ عمارات، أنظف الواحدة منها مرتين في الأسبوع، مقابل 5000 دينار جزائري في الشهر، ما يساوي 130 دولارًا أمريكيًا في السّوق السّوداء. وكان علي أن أصحب ولديّ إلى المدرسة أوّلًا، وأصحب طفلتي إلى الشغل، لأنني لا أستطيع أن أتركها وحدها، بكل ما يترتب عن ذلك من متاعب لكلينا، خاصة في موسم البرد".

اقرأ/ي أيضًا: أم خليل القصّابة.. تتحدث عن "مهن القسوة"

تذهب محدّثتنا بعيدًا في وصف حالتها، فتقول إنها لم تكن ترى نفسها إنسانةً عاديةً، "بل وجعًا يصعد في سلالم العمارات، من غير أن ينتبه إليه أحد، إلى درجة أن بعضهم يصدون الأبواب في وجهي، حين أطلب منهم الماء للتنظيف أو أسألهم أن يوفروا غرضًا يقتضيه شغلي، فالسّائد أن المرأة المنظفة يجب أن تبقى معزولةً عنهم، حتى لا تنتهك خصوصياتهم، وليت الأمر توقف عند ذلك، بل إن بعضهم راحوا أيضًا يتماطلون في دفع مستحقاتي".

الخالة مسعودة، عاملة نظافة في إحدى العمارات: "نحن وجع يصعد في سلالم العمارات، من غير أن ينتبه إليه أحد"

"كلّ دينار يتأخر، يعني بالنسبة لي أن يجوع أطفالي أو يُحرموا من حاجة ما، وهذا ما لا تستطيع أم أن تتقبّله، ممّا جعل علاقتي بالسّكان متشنجةً أحيانًا، فما معنى أن أزهد في التسوّل لأجد نفسي أتسوّل حقوقي، من بشر يتنافسون في الوصول إلى المسجد؟ ما معنى أن يمرّ علي أحدهم بقفة مدججة بأغراض كمالية، في الوقت الذي يكتفي فيه أطفالي الثلاثة بالخبز والحليب، بسبب أنه لم يدفع لي حقي؟".

ولئن كان رضوخ الخالة مسعودة للشروط القاسية التي يتسم بها هذا الشغل مبررًا تمامًا، بالنظر إلى صغر أطفالها، فهل كان الأمر كذلك بالنسبة للخالة مريم في منطقة عين تموشنت، 500 كيلومتر غربًا؟ صادفناها راكعةً على دلو الغسيل، في قاعة للأنترنيت، وهي لا تكاد تحمي نفسها من السقوط، فملامحها المزروعة بوشم أزرق، ينافس زرقة شرايينها البارزة، تدلّ على أنها تجاوزت السبعين.

"أخاف أن أحكي، لأن زوجة ابني ستعاقبني، بحجة أني شوهت سمعة الأسرة بذلك. هل ستضع صورتي يا ولدي؟ هي عاملة وابني كذلك، وليس لهما إلا طفل واحد، أي أنهما في غنًى عن المال الذي أوفّره بهذا الشغل الذي أنهك شيخوختي وأهانها، لكنهما جشعان ولا يشبعان من المال". تشرح وجعها: "يفرضان علي أن أشتغل بعيدًا عن المسكن العائلي، حيث لا يعرفني السكان الذين أشتغل عندهم، فأنا أستعمل الحافلة للوصول إلى هنا، ولولا كرمهم معي، بأن يطعموني ويوفروا لي القهوة التي لا أستغني عنها، لكانت مأساتي أكبر. هل تستطيع أن تتصور وجعي حين أرى المال الذي أحصّله، يذهب إلى كنتي لتشتري به لباسًا لها وماكياجًا؟".

في السّياق، تمثّل "رفيقة" حالة الفتاة المطلقة التي يصعب زواجها من جديد، "كما يصعب اعتمادي على أسرتي في عيشي، خاصّة أن ظروفهي المادية ليست بخير، وهو ما اضطرني إلى أن أشتغل منظفة لدى طبيبين ومحل لبيع الأجهزة الكهرومنزلية، ومشكلي العويص في هذا هو التحرش الجنسي بي، إذ من الصعب أن أرى الآخرين يختصرونني في جسدي، ويغفلون عن روحي وعقلي". وتختم: "لا أستطيع أن أخبر إخوتي بما أتعرّض له، لأنهم سيرغمونني على المكوث في البيت، كما أنهم سيعاقبون الجناة، فألجأ إلى الصّمت ومحاولة تفادي الأمر بطرقي الخاصّة". 

اقرأ/ي أيضًا:

ستات الشاي .. المرأة مظلومة ومناضلة

عائشة الحدادة.. حياة بالحديد والنار

الكلمات المفتاحية

new born

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون

أثار فيديو لطبيبة نساء وتوليد تداولته مواقع التواصل الاجتماعي موجة جدل واسعة في الجزائر، بعد أن روت فيه أنها سمعت من إحدى مريضاتها عن وجود تسعيرة مختلفة للولادة في بعض العيادات الخاصة، تُحدّد حسب جنس المولود، حيث يُطلب مبلغ أعلى عند ولادة الذكور مقارنة بالإناث.


الشواطئ الجزائرية

غلاء الفنادق يعيق السياحة الداخلية.. حلم العائلة الجزائرية يصطدم بحسابات الجيب

في كل صيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتحوّل المدن الساحلية الجزائرية إلى حلم جماعي يتسلل إلى مخيلة الكثير من العائلات، خاصة القاطنة في الهضاب والجنوب. لكن ما إن يبدأ التخطيط لرحلة سياحية داخلية، حتى تصطدم العائلة الجزائرية بسؤال واقعي بسيط: "هل نقدر على كلفة عطلة صيفية؟".


الإدمان الرقمي

إدمان "الثواني الثلاث".. رحلة الجزائريين نحو الصيام الرقمي

في شارع حسيبة بن بوعلي، أحد أشهر الشوارع الرئيسية بالجزائر العاصمة، نجا شاب في العشرينات من عمره بأعجوبة، بعدما كادت مركبة أن تودي بحياته خلال ثوانٍ، بينما كان الشاب مشغولاً بهاتفه وهو يمشي شارد الذهن.


IMG_2897 (1).jpg

اختطاف الأطفال في الجزائر.. بين الصدمة ومسؤولية المجتمع والقانون

تُلقي حوادث اختطاف الأطفال والقصر حالة من الهلع على كافة الفئات المجتمع، حيث تُسبب الظاهرة انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية على كل المحيط الأسري، وتتعدى الدائرة العائلية إلى المدرسة والحي والمجتمع بكامله.

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.


تبون ماكرون_0.png
أخبار

المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية: لا نقدم أي مساعدات للجزائر التي ترفض الاقتراض

وضع المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، ريمي ريو، حداً لما وصفه بـ"الجدل المفتعل" حول مزاعم المساعدات الفرنسية السنوية للجزائر، في ظل ترويج اليمين المتطرف المتكرر لهذه الفكرة داخل فرنسا.

بن سعيد
أخبار

مُفجّر قطارات باريس.. من هو بوعلام بن سعيد الذي ستُسلّمه فرنسا للجزائر؟

ينتظر أن تتسلم الجزائر، مطلع شهر آب/أوت المقبل، الإرهابي بوعلام بن سعيد، أحد أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية، عقب إدانته بتفجيرات دامية هزت باريس صيف عام 1995.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الفنان مداني نعمون في ذمة الله.. الجزائريون يودعون بتأثر "عمّي برهان"


2
مجتمع

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون


3
أخبار

شهادة الجنسية للمغتربين دون عناء التنقل للجزائر.. هل زال العبء البيروقراطي عن الجالية؟


4
رياضة

جوان حجّام يقترب من "الذئاب".. نادٍ إنجليزي عريق يراقبه عن كثب


5
أخبار

50 وفاة و6 آلاف تدخل.. حصيلة مخيفة لحوادث المرور والغرق في أسبوع