18-أكتوبر-2021

مهندسو النظافة في الجزائر يتحدون ظروفًا صعبة (الصورة: الشروق)

أمضى سنوات طويلة، في تنظيف الشوارع من النفايات وجمع أكياس القمامة، وبعد 25 سنة من العمل الدؤوب، كان عمي عبد القادر (رجل في الخمسينيات) قد أنهى مهمّته وترك المهنة.

يُطالب عمال النظافة والصيانة بتحسين وضعهم ورفع أجورهم وتوفير ظروف مهنية بسيطة كتزويدهم ببدلات للحماية وقفازات وخوذات

تبدو ملامحه أنه قارب السبعينيات من العمر، منهك الجسد، شارد الذهن، لكنه رغم ذلك، يقول في حديث إلى "التر جزائر" إن العمل في شركة "نات كوم"(شركة نظافة تابعة لولاية الجزائر العاصمة) عمل شاق وصعب، يستنزف أعزّ ما يمتلك الإنسان ألا وهي صحته.

اقرأ/ ي أيضًا: جنود الظلّ" في المستشفيات.. مواجهة كورونا من المسافة صفر"

يعتبر المتحدّث نفسه محظوظًا لأنه استفاد من التقاعد المسبق، ويعود سبب تقاعده، أن العمل في شركة النظافة مرهق ومتعب، ويَحملُ عديد من المخاطر الصحية والمهنية، إذ يشكو عمي عبد القادر من عدّة أمراض مزمنة، منها السكّري والضغط الدموي، يقول إنها تعود لطبيعة مهنته.

في هذا السياق، يروي مهندس النظافة السابق، عن مخاطر هذه المهنة، حيث تعرّض وزملاءه لعدّة حوادث خطيرة منهم من بترت أطرافه، بسبب ما تحويه الأكياس من مواد خطيرة، كالزجاج والحديد والمخلفات الطبية كالحقن المستعملة.

وتابع أن عمال "نات كوم" عرضة لمختلف الأمراض المزمنة والأمراض المعدية، خاصة الأمراض الجلدية والكبد الفيروسي.

 وما يزال عمي عبد القادر، ينشط في مجال التنظيف وصيانة المنازل والمطاعم، فأجرة التقاعد لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، بحسب أقواله.

"أسروت".. المعاناة نفسها

عمال "أسروت" أو أصحاب "السترات البرتقالية"؛ هم فئة من أعوان صيانة شبكات الطرق والتطهير، يَنشطون في الطرق السريعة، وموجودون طيلة فصل الشتاء من أجل تسريح مجاري مياه الصرف الصحي، ويُستعان بعمال "أسروت" في حملات ترحيل السكان، والتخلص من الردوم والقصدير.

هنا، يقول أحد عمال "أسروت" بوحدة حسين داي (تحفظ على نشر اسمه)، أنهم يعملون في ظروف مهنية جد صعبة، وأقل ما يقال عنها إنها مُهينة لكرامة الانسان، إذ لا يتوفر العمال، بحسب المتحدّث، على عتاد يليق بطبيعة الشغل، ‘ضافة إلى غياب الرعاية الصحية والتأمينية تتوافق مع مخاطر المهنة، وظروف نقل العمال غير إنسانية، تتم على ظهر شاحنات "بيك أبك" غير اللائقة لمثل هذه المهنة.

يضيف محدّث "الترا جزائر"، أن عمال "أسروت" و"نات كوم" كانوا في الصفوف الأمامية في مواجهة وباء كورونا، وقدموا تضحيات كبيرة خلال فترة جائحة كورونا، من تعقيم الأحياء، وجمع النفايات والردوم في كل مكان، بما فيها مخلفات المستشفيات. وذكر أن عمالًا تعرضوا لحوادث دهس في الطرق السريعة، وإصابات خطيرة خلال تأدية العمل.

كما اشتكى محدّثنا من سوء تعامل الإدارة مع العمال، وكشف أن المسؤولين السابقين كانوا من أبناء القطاع، وكان التعامل وفق الاحترام المتبادل وتقدير الجهود، عكس واقع اليوم.

رغم تدني الأجور والمخاطر الصحية، بحسب عامل "أسروت"، فإن هذه المهنة تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية، إذ يختلف توقيت عملهم فإحيانًا ينطلق من الصباح الباكر وأحيانًا أخرى يستمر طوال الليل، إلا أن عمال "أسروت" يعملون بتفان من أجل الحفاظ على نظافة الأمكنة والبيئة.

ما يحز في نفس المتحدث هو معاملة المسؤولين لهم، وعدم احترام المواطن لمواقيت رمي النفايات والرمي العشوائي لمواد البناء والركام والمواد الطبية. سلوك يصفه محدثنا بأنه يعكس النظرة الدونية لعمال "نات كوم" و"أسروت".

مطالب اجتماعية ومهنية

في هذا السياق، يُطالب عمال النظافة والصيانة بتحسين وضعهم ورفع أجورهم، وتوفير ظروف مهنية بسيطة كتزويدهم ببدلات للحماية وأقنعة واقية وقفازات وخوذات وأحذية خاصّة، والاستفادة من طب العمل وإعادة النظر في سلم الترقية والتدرّج، إذ لا يعقل أن يزاول عمال الصيانة والنظافة جمع النفايات ورفع الركام طوال مساره المهني، وفي النهاية تصنّف مهنة النظافة والصيانة ضمن الأعمال الشاقة التي تستفيد من التقاعد النسبي.

منظومة مهنية مجحفة

ياسين فعفاع، دكتور مختصّ في علم الاجتماع من جامعة وهران، يقول في حديث لـ "التر جزائر" إن عمال وعاملات قطاع الصيانة والنظافة ضحايا نظرة مجتمعية دونية وسلبية.

وتابع المتحدّث أن هذه النظرة هي نتيجة منظومة مهنية مجحفة في حقهم، نظرًا لمكانتهم السيوسيو-مهنية المتدنية، التي نتج عنها تصور وتَمثُل اجتماعي غير لائق، "إذا ما قارناه بما تقدمه هاته الفئة من تضحيات في صالح الشأن العام".

يوضّح ياسين، أن تلك التراكمات الذهنية كرسّت فكرة أن من يملكون مكانة اجتماعية هُم من يتقاضون أجور عالية، وفي أسفل الهرم الأقل دخلًا، على حدّ تعبيره.

وزاد أن التصنيف الاجتماعي النمطي، قائم على الجانب المادي على حساب المجهود والتعب والدور المهني والمخاطر.

هنا، يشير محدّثنا أن عمال الوظيف العمومي بما فيها عمال النظافة محرومة من الشعور من صفة الموظف الدائم، و"تعمل وفق عقود مفتوحة لا تستفيد من الترقية، ما ينعكس سلبًا على جودة الأداء المهني".

عمّال مهمشون

 ودعا فعفاع إلى إعادة النظر في المنظومة المهنية، قصد إدماج فئة العمال المهنيين، والمساواة بين متخلف الفئات المهنية، بما يسمح لهم نيل حقوقهم سوسيو-مهنية عادلة، تثمن دورهم المهني والاجتماعي، على حدّ قوله.

يختم المختص، أن إشراك فئة العمال المهمشة في تسيير أوضاعهم المهنية والقرارات المتخذة والعدالة والمساواة "كفيل بأن يُدمج العمال في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية ورفع معنوياتهم".  

بعض السلوكيات التي يقوم بها مواطنون تُصعب من مهنة عمال النظافة والصيانة

أخيرًا، يواجه عمال النظافة تحديات كثيرة، إذ يصنف عملهم ضمن المهن التي لا تحظى باهتمام المسؤولين وبعض السلوكيات التي يقوم بها مواطنون تُصعب من مهنةعمال النظافة والصيانة، وعلى ضوء ذلك لا بدّ من تلقين المواطن أن الفضاء العام ملك الجميع وأن النظافة مهمة مشتركة بين أعوان التنظيف والمواطن.

 

اقرأ/ ي أيضًا:

 

نات كوم: رفع 9 أطنان من الخبز خلال الأيام الأولى من رمضان بالعاصمة

عاملات النظافة في الجزائر.. سلالم الأوجاع