22-سبتمبر-2021

قدمى المحاربين في صفوف الحركى (تصوير: توماس سامسون/أ.ف.ب)

طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باسم الدولة الفرنسية "الصفح" من الحركيين الجزائريين، وهم الجنود الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي ضدّ الثوّار الجزائريين، معلنًا إقرار قانون "تعويض" لهم.

أرزقي فراد: المعاملة العنصرية التي تلقاها الحركى في فرنسا تعكس الاستعلاء العنصر الكولونيالي والنظرة الدونية إلى الغير

ويَعدُ الإعلان الأوّل من نوعه منذ ستين سنة، إذ التزمت السلطات الفرنسية الصمت في السابق، تجاه مطالبة الحرك بالاعتراف بالإهمال الذي طال فئة الحركيين وعدم الإقرار بحقوقهم المدنية والاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: لوفيغارو: ماكرون يقرّ زيادات في معاشات الحركى

 

ويرى ماكرون، أن الدولة الفرنسية أخلّت بالتزاماتها تجاه مقاتلين جندوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب التحريرية بين العامين 1954 و1962 ضدّ أبناء جلدتهم.

والحركيون مقاتلون سابقون يصل عددهم بحسب مصادر إعلامية فرنسية 200 ألف جندي التحقوا بالقوات الفرنسية إبان الاستعمار الفرنسب للجزائر، ويَدعي الحركى أنهم تعرّضوا لأعمال انتقامية غداة ‘علان الجزائر الاستقلال من طرف جيش التحرير الوطني، ونُقل عشرات الآلاف منهم إلى فرنسا برفقة عائلاتهم ووُضعوا في مخيمات في ظروف غير إنسانية، كما تعرّضوا إلى كل أصناف الاقصاء والتهميش والعنصرية، وبَلغ الإهمال الفرنسي أن بعض الموانئ رفضت السفن التي كانت تنقل الحركى.

مشكلة فرنسية-فرنسية

في سياق الموضوع، قال محمد أرزقي فراد، الباحث والمؤرخ في حديث لـ "التر جزائر"، إن قضية الحركى هي مسألة فرنسية بامتياز، ولا علاقة للجزائر الرسمية بالموضوع، مضيفًا أن الحركى بالنسبة إلى المواطن الجزائري، هم فئة من الخونة، اختاروا أن يكونوا في صف الجلاد الفرنسي بدل مساندة الثورة التحررية.

وتابع المتحدث، أن الفئة التي اختارت الصف الاستعماري ومحاربة أبناء الوطن تتحمّل تبعات اختياراتها، وأن "المعاملة العنصرية التي تلقها الحركى في فرنسا تعكس الاستعلاء العنصر الكولونيالي والنظرة الدونية إلى الغير التي ما تزال إلى غاية اليوم".

فرنسا مطالبة بالاعتذار

في هذا السياق، شدد فراد أن ما يُهم المجتمع الجزائري هو اعتراف فرنسا بجرائمها تجاه الجزائر، موضّحًا أن ما ارتكبته فرنسا الاستعمارية في حق الجزائريين يَعدٌ جريمة ضد الإنسانية بكامل موصفاتها، وأنه من غير المعقول أن تطالب فرنسا من تركيا، الاعتراف بجرائم تجاه الأرمن، بينما انتهاكات القوات الفرنسية الاستعمارية أكبر وأفظع، على حدّ قوله.

يذهب المؤرخ، إلى أن خطوة ماكرون تجاه الحركى، تهدف إلى كسب أصوت انتخابية واستقطاب فئة من الفرنسيين من أصول مهاجرة غداة الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة. وبخصوص ادّعاءات الحركيين عن ارتكاب الثوار جيش التحرير الوطني للمجازر، أفاد محدّث "الترا جزائر"، أنه بناء على الشهادة والتجربة الشخصية التي عاشها والبحوث الأكاديمية أن "تلك الادعاءات ما هي إلا افتراء وبهتان، ولا أساس له من الناحية التأريخية".

يحاول الباحث شرح ما حدث بالضبط غداة استقلال الجزائر، معتبرًا أن تلك الادعاءات تحاول طمس حقيقة أن الاستعمار ارتكب جرائم إبادة، مستطردًا "بعد إعلان وقف إطلاق النار سنة 1962، تم توقيف واعتقال بعض الخونة الذين شاركوا في عمليات عسكرية مباشرة ضد سكان القرى والأرياف والمجاهدين.عمليات الاعتقال تمت في ظروف استثنائية محدودة في المكان والزمان".

تجاوزات محدودة

من جانبه، أشار محمد الأمين بلغيث الأكاديمي والباحث في التاريخ في اتصال مع "التر جزائر"، إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون تحدّث عن مأساة الحركى خلال فترة تواجدهم على الأراضي الفرنسية سنة 1962، موضحًا أن الرئيس الفرنسي أقر أن السلطات الفرنسية أنذاك لم تقم بواجبها إزاء الحركى وعائلتهم بعد نهاية الحرب.     

وأفاد بلغيث أن الحركى تلقوا معاملة سيئة من طرف الدولة الفرنسية، وعانوا التهميش والعنصرية والرفض، واعتبر أن اعتراف ماكرون بالحركى هو شأن فرنسي، يَشمل مواطنين فرنسيين ليس أبعد من ذلك، على حدّ تعبيره.

إعادة الاعتبار للخونة

النظرة الجزائرية من خطو "الصفح"، بحسب الباحث بلغيث، هي إعادة الاعتبار لمن تعتبرهم الجزائر "خونة"، إذ القرائن والشهادات التاريخية تؤكد مشاركة الحركى في قتل وتصفية العائلات والنساء والأطفال في القرى والمداشر، وخطوة "الصفح الفرنسي هنا ليس صلحًا تاريخيًا بل شأن فرنسي".

هنا، يرى المتحدّث أن التجاوزات التي حدّثت في حقّ الحركى من الجانب الجزائري، مبالغ فيها وغير موثقة  لا أكاديميًا ولا تاريخيًا، وأن الاعتداءاتالتي وقعت ضدهم غداة وقف إطلاق النار1962 وقعت في حالات استثنائية، وليس معممة أو مؤسسة من طرف قيادة الثورة.

يستشهد محدّثنا بوقائع مدينة وهران التي شهدت تجاوزات لكن "كانت جد محدودة لم تتعد ثلاثة أو أربعة قتلى. وأعيان مدينة وهران تدخلوا بشكل سريع وقوي لوقف الصدام بين الأهالي والحركى والأقدام السوداء، وصدر بيان وقعه أحمد بن بلة جاء فيه قوله عفا الله عما سلف".

يشير بلغيث أن المصادر الفرنسية تتحدث عن 340 ألف حركي تم تجنيدهم ما بين 1954-1962، وتم إجلاء 60 ألف منهم إلى الأراضي الفرنسية. 

وبخصوص الموقف الرسمي والشعبي من "الصفح عن الحركى" قال الباحث رغم أن القضية فرنسية، إلا أن ملف الحركى جرح عميق في جسد الذاكرة الجزائرية، لا يمكن نسيانه، وعلّق بالقول: "الحركى يعيشون أزمة ضمير تجاه ما اقترفوه في حق الوطن الأم، خاصّة بعد تعامل الدولة الفرنسية معهم بالإقصاء والتهميش والاحتقار".

يشكّل الحركى في فرنسا وعاءً انتخابيًا بحاجة إلى تنازلات رسمية ضمن المعادلة السياسية

إن الحسابات السياسية الفرنسية تجعل من الذاكرة طُعًما انتخابيًا، ويشكل الحركى في فرنسا وعاءً انتخابيًا بحاجة إلى تنازلات رسمية ضمن المعادلة السياسية وحسب، وقد يُشكل التعويض رمزيًا مبالغ مالية لتبقى أزمة الضمير معلقة نفسيًا وذاكراتيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في أوّل رد فعل.. الحركى غاضبون من تقرير ستورا

ذاكرة الجزائر الجمعية.. "الحركي" بعيد عن الغفران