لطالما دار حديث في الجزائر حول قانون الإستثمار في الجزائر وجلب المستثمرين الأجانب، وظل نقاش خبراء ومختصين واقتصادين يحوم حول فكرة توفّر مناخٍ للمستثمرين في البلاد، واعتماد السلطات قوانين بيروقراطية تعيق انخراط المستثمرين في هذا المسعى، رغم أن الحكومة الجزائرية اتجهت نحو وضع استراتيجية جديدة لترقية الاستثمار.
يرى مختصّون أن استحداث مراكز قرار أو هيئات موازية يشكّل حلقة إضافية معقدة في هيكل الدولة يمكن أن تضاف إلى سلسلة البيروقراطية
خلال ترأس الرئيس عبد المجيد تبون اجتماعًا لمجلس الوزراء بحر الأسبوع الجاري، أمر بإعادة النظر من جديد في مسودة قانون الاستثمار، ولم يوضّح بيان الرئاسة أسباب التأجيل، ومكامن الخلل والنقص في مسودّة الحكومة، إذ أسدى الرئيس أوامر للحكومة بإثراء النقاش بشكل كافٍ يرتكز على مبدأ حرية الاستثمار، والمبادرة والاستقرار التشريعي لاستثمار لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
اقرأ/ي أيضًا: شراكة جزائرية صينية بقيمة 7 مليار دولار لإنتاج الفوسفات
وتضمّنت تعليمات تبون تقليص دور الإدارة البيروقراطية في معالجة ملفات الاستثمار عبر تقليص السلطة التقديرية لإدارة، خاصة المشاريع التي تعتمد على التمويل الذاتي، زيادة على تعزيز صلاحيات الشباك الموحد في معالجة ملفات الاستثمار في أجال محدودة.
ومن بين النقاط التي شدد عليها تبون، أن الامتيازات والتحفيزات والحوافز الضريبية ستقتصر على القطاعات والمناطق التي تحددها السلطات العليا، وهذا ما يُؤشّر أن الحكومة ستباشر بإجراء وتحديد قائمة أهمّ القطاعات الاقتصادية محلّ اهتمام الدولة في مجال الاستثمار، وكذا تعيين خريطة جغرافية لجلب المشاريع الصناعية والاقتصادية لها.
في سياق متعلّق بالاستثمارات الأجنبية، أسدى تبون تعليمات باعتماد مقاربة برغماتية، تُراعي فيها الاستثمارات التي تضمن نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب الشغل.
وزير المالية الجديد
في السياق، يرى متتبعين أنه من ضمن أسباب تأجيل دراسة مسودة قانون الاستثمار في مجلس الوزراء الأخير، جاء نتيجة تعيين عبد الرحمان راوية على رأس وزارة المالية مؤخرًا، والذي تم تعيينه من طرف رئيس الجمهورية في 17 شبّاط/الفارط.
وتَحتل وزارة المالية مكانة أساسية في اعداد قانون الاستثمار، إذ تُشرف على البنوك العمومية، وصندوق الوطني للاستثمار، وتحدد الإطار التنظيمي والتشريعي للتعاملات المالية وشكل المؤسّسات الاقتصادية وتقف على سياسة تمويل بالقروض، وتفعيل وسائل التنظيمية للمشاركة في رأس المال الشركات العمومية مع رأس المال الخاص أو المستثمرين الأجانب، وترقية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
ويُتوقّع أن يفتح وزير المالية الجديد ورشات حوار مع مختلف المتعاملين الاقتصاديين، ومدراء المؤسّسات العمومية، قصد إثراء النسخة الجديدة لقانون الاستثمار، وإضفاء الشفافية والرؤية الواضحة للمستثمرين المحلين والأجانب.
رغم أن مشروع قانون الاستثمار لاقى ترحيبًا لدى متابعين للشأن الاقتصادي في البلاد، بالنظر لأنه أنهى التفاوت بين المستثمر الأجنبيوالمحلي، ومنح امتيازات وتسهيلات للمستثمرين، إلا أن دعوة الرئيس إلى إعادة النظر في المشروع يطرح أكثر من علامة استفهام.
وكان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وعد بأن القانون سيوضّح آليات منح العقار وآليات منح الامتيازات، كما أنه يكرس دور الدولة في الفعل الاستثماري كعنصر منظم وموفر للمناخ المناسب وللاستقرار التشريعي الضروري.
وتهدف التدابير الجديدة، حسبه، إلى توفير شروط التطور للمؤسسة بدون تمييز بين القطاع العمومي والخاص، وإلى تشجيعها على توفير حاجيات السوق الوطنية ثم الولوج إلى الأسواق الخارجية، مع ضمان المعايير اللازمة لتنافسية المنتج الوطني.
وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر، أكد الوزير الأول أن النص الجديد سيعمل على تشجيع المستثمر الأجنبي على الإنتاج محليا بل وعلى تصدير منتوجاته انطلاقا من الجزائر، لاسيما من خلال استغلال اتفاقيات التبادل الحر المبرمة.
وفي هذا السياق، اعتبر أنه "ليس من المعقول أن يقوم متعامل أجنبي باستثمار 80 مليون دولار وبعد ذلك يحول سنويا أرباحا تساوي قيمة الاستثمار".
إبعاد الإدارة
في سياق الموضوع، يَعد تدخل الإدارة في القرار الاستثماري المحلّي، من بين أهم الرهانات التي تحاول الحكومة إيجاد مخرج لها، لهذا دعا تبون إلى تبسيط الإجراءات وتقليص نفوذ الإدارة في التعاطي مع ملفات الاستثمار، إلى حد تكليف وسيط الجمهورية بمتابعة الملفات الاستثمارية والعمل على تذليل العقبات أمام المتعاملين الاقتصاديين والتدخّل مباشرة لخلق ديناميكية اقتصادية، وأصبح وسيط الجمهورية يُقدم تقرير دوري للرئيس الجمهورية خلال مجالس الوزارية.
هنا، تجدر الإشارة أن وساطة الجمهورية هيئة تَظلم غير قضائية، تساهم في حماية الحقوق وحرّيات المواطنين وتسهر على حسن سير المؤسّسات والإدارات العمومية.
في السياق ذاته، استحدثت مفتشية عامة تابعة للرئاسة الجمهورية، تتولّى متابعة ومراقبة نشاط المسؤولين، وتعمل اللجنة على مراقبة شروط إنجاز المشاريع الاستثمارية الكبرى ورفع العقبات أمام المستثمرين.
ويٌشكل تفعيل دور الوسيط الجمهورية وتنصيب المفتشية العامة على مستوى المركزي ورئاسة الجمهورية، سعي السلطات العليا إلى تجحيم تَغُوّل الجهاز البيروقراطي، الذي دفع إلى توجيه انتقادات مباشرة للجهاز الإداري، وصلت حد وصفه "بالعدو الأوّل"، حسب تعبير عبد العزيز جراد، الوزير الأول السابق.
وعلى ضوء ذلك، تم سحب ملف إدارة العقار الصناعي من صلاحيات الإدارة والولاة، وتم تشكيل وكالة وطنية للعقار الصناعي، لها كامل الصلاحيات في توزيع العقار الصناعي وتسيير المناطق الصناعية.
عصرنة الإدارة...
في المقابل، يرى مختصّون أن استحداث مراكز قرار أو هيئات موازية يشكّل قرارًا إداريًا هو الآخر، وحلقة إضافية معقدة في هيكل الدولة يمكن أن تصبح حلقة إضافية في سلسلة البيروقراطية، فكان لا بدّ من تفعيل دور الهيئات القائمة، أو تعزيز صلاحياتها القانونية كمجلس الأعلى للمحاسبة أو المفتشية العامة للمالية، زيادة على الدور السياسي والمؤسّساتي للهيئات التشريعية كالبرلمان ومجلس الأمّة، وفتح المجال أمام المساءلة وتدعيم مكانة الإعلام والصحافة المحليّة وتعزيز توجداها في الكشف عن تجاوزات الإدارة والفساد المحلي.
بدروه، تُشكّل عصرنة ورقمنة خدمات الإدارة، وتحسين الخدمة العمومية الإلكترونية، سبيلًا لأداء دور تنمويٍّ محلي واقتصادي.
تعميق الإصلاحات
في سياق الحديث عن مجالات الاسثمار والعراقيل البيروقراطية في البلاد، يرى رقاب طارق، أستاذ العلوم الاقتصادية أن التأخّر في إصدار مسودة قانون الاستثمار يعود إلى اختلالات في البنية الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، ويشدّد في حديث إلى "التر جزائر" على ضرورة جاهزية القطاع البنكي وعصرنته ومرافقته للمستثمرين عبر التمويل والقروض.
وأضاف المتحدّث أن القطاع الضريبي بحاجة إلى إصلاحات جذرية، يُعاد النظر في الضغط الجبائي ووضع آليات تحفيزية مستقرّة، داعيًا إلى تطوير البنية التحية، خاصة شبكات التنقل واللوجستيك والطرقات والموانئ.
وبخصوص الاستثمارات الأجنبية، يقترح رقاب طارق وضع تسهيلات تضمّن الحرية في التصرف في الأرباح، وكذا اقتحام الشركات العالمية الأسواق الحساسة التي تحتكرها الدولة، معلقًا بالقول: إن قانون الاستثمار يتطلب إصلاحًا هيكليًا شاملًا، ولا يقتصر على إصلاحات شكلية.
يحتاج الاستثمار إلى وضع استراتيجية واضحة، يحدد فيها السقف الزمني والمالي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة
إلى هنا، يحتاج الاستثمار إلى وضع استراتيجية واضحة، يحدد فيها السقف الزمني والمالي لتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى المستثمر المحلي، ووضع خطط تفصيلية لي أهم القطاعات، منها الخدماتية والصناعية والطاقات المتجددة والبنية التحتية الرقمية، واقتصاد المعرفة والصحة، استراتيجية واضحة المعالم، تُحسن فيها بيئة الاستثمار، وإصلاحات جذرية على مستوى الإطارين التنظيمي والتشريعي واحترام وضمان تنفيذها.
اقرأ/ي أيضًا:
جديد ملف استيراد السيارات الجديدة وسبب التحفّظ على الاعتمادات
هذا موعد وصول أوّل دفعة من السيارات المستوردة إلى الجزائر